[email protected] (1) بنظرة فاحصة لنتائج الاستفتاء على مسودة الدستور الذي أعده "إخوان مصر" نجد أن المحافظات ذات الوعي الجماهيري مثل القاهرة والإسكندرية والمحلة الكبرى قد قالت "لا" فحين بصمت المحافظات المترعة بالجهل والعوز ب"نعم" وانساقت وراء غريزة حفظ النوع وشهوة إشباع البطن بحفنة من الأرز وبضع لترات من الزيت وربما بضع أمتار من الكستور لزوم كسوة الشتاء القارص بغض النظر عن مضمون مشروع الدستور. (2) فالحقوق والواجبات الدستورية في عرف تلك الفئات من المسحوقين والفقراء الذين يعيشون على هامش الاقتصاد والعملية الإنتاجية تعد ترفا لا معنى له ومحض أوهام يركض خلفها "أولاد الذوات" لتكتمل بها زينتهم الاجتماعية وهي حسب فهم العقول التي أضناها الجهل والعوز لا تطعم من جوع ولا تقي من برد، فمن عاش مرارات الحرمان والذل والامتهان في حضن مدن الصفيح العشوائية يفقد الأمل تدرجيا في المستقبل ويصيبه اليأس والقنوط في إمكانية أي تغيير يمكن أن يطرى على حياته وأسلوب معاشه ويصبح إنسان اللحظة ولا علاقة تربطه برحاب المستقبل الذي يعتبره في علم الغيب ولا يملك أدوات استشرافه المعرفية. (3) فيقع ببساطة صريع فكرة "رزق اليوم باليوم" التي تستغلها نظم الحكم القهرية باعتبارها نقطة ضعف مهمة يمكن استغلالها بأساليب مدروسة وطرق منحرفة للسيطرة على هذه الكتلة الجماهيرية الضخمة وذلك بإشاعة الأمية والجهل فيها وحبسها في سجن الاحتياجات اليومية ليتثنى لها الحكم في هدوء بينما آفة ملاحقة الرزق اليومي مسيطرة على عقل إنسان العشوائيات المنبوذ والمغلوب على أمره فينحصر جل همه في كيفية إشباع شهوتي البطن والفرج ويتم تحييده تماما عن الشأن العام والقضايا الوطنية ووضعه رهن معتقل "الأنا السفلى" وهذا هو المدخل السحري الذي اكتشفته تيارات الإسلام السياسي وولجت منه لقلب العشوائيات السكنية لتجد كنز الأصوات الانتخابية الرخيصة وتستغلها أبشع استغلال دون واعز ديني أو أخلاقي يحرم هذا الفعل المشين. (4) هذا الأسلوب الرخيص لحشد الجماهير الفقيرة اعتادته جماعات الإسلام السياسي وتمرست عليه وأتقنته جماعة "الإخوان المسلمين" في مصر منذ مشاركتها الفاعلة في الانتخابات البرلمانية في ظل النظام السابق وهو ما يفسر فوزها بثمانين مقعد في آخر برلمان لنظام مبارك المخلوع دون أن تفكر مرة في نشر الوعي أو محاولة انتشال إنسان العشوائيات من حالة الضنك والجهل بإنشاء مدارس تستوعب الفاقد التربوي أومشاريع تنموية صغيرة تساعد الأسر الفقيرة على تحسين ظروفها المادية والخروج من دائرة العوز فهذا الأمر يتعارض ومصالحها الانتخابية لذا، اكتفت بتقديم المعونة الموسمية من مواد غذائية وكساء كلما اقترب موسم الانتخابات لتظل الكتلة البشرية البائسة دوما تحت رحمتها ورهن إشارتها ، يتسابق أفرادها في فرح ورضى لتصوت لمرشحي الجماعة الطاهرة. (5) هذه الكتلة البشرية المسحوقة جهلا وعوزا هي نتاج سياسات الانفتاح والخصخصة واقتصاد السوق التي نفذها نظام المخلوع مبارك طوال ثلاثين عاما وتم عبرها ضرب وتفتيت الطبقة الوسطى وتذويب قوى الإنتاج الحقيقية وخلق مجتمعات ضخمة من أصحاب المهن الهامشية الذين يعيشون في مجمعات عشوائية في ظروف لا تمت للإنسانية بصلة تعج بها أطراف المدن الكبرى فيما تعرف وتصنف طبقيا ب "البروليتاريا الرثة" وهي فئات تعيش على هامش الأعمال الاقتصادية، مثل مساحي الأحذية، وخدم المنازل وصبيان العوالم والعاهرات وغيرهم وتعاني من التخلف، ويصعب إكسابها الوعي البروليتاري الحقيقي. (6) فهذه الفئات من التعساء لم تر أحدا يمد لها يد العون داخل عشوائيتها سوى فتية الإخوان الملتحين وعلى الرغم من أن مساعدات "اللحى" تأتي متباعدة خلال العام ومكثفة مع اقتراب موسم الانتخابات إلا أنها قد أثرت وعملت في العشوائيات عمل السحر وخلقت في أوساطهم جيشا جرارا من المناصرين المخلصين لجماعة الإخوان كيف لا؟! واليد البيضاء الوحيدة التي امتدت لهم بالعون على قلته كانت يد الجماعة وليس مهم إن كان هذا العون بغرض أو مبرأ منه المهم سد الرمق وإسكات عصافير البطن. إذا فقد انتصر إخوان مصر على القوى المدنية والديمقراطية القابعة في أبراجها العاجية بالمدن الكبرى والأحياء السكنية الراقية يوم عرفت كيف تتعامل وتكسب لصفها "البروليتاريا الرثة" التي تناسلت ونمت في عصر المخلوع مبارك. (7) تخدع القوى المدنية والديمقراطية المصرية نفسها لو حصرت صراعها مع جماعة الإخوان المسلمين في البرامج والرؤى السياسية وجعلت من البرلمان ساحته الوحيدة فجوهر الصراع في هذه المرحلة ميدانه الحقيقي هو المجمعات العشوائية وبيئتها الصالحة لإنتاج واحتضان الأفكار والبرامج الشاذة فالجهل والغبن الاجتماعي والحقد الطبقي إن لم يجد الوعي والتوجيه الرشيد وترك تحت رحمة تجار الدين سينتج جماعات التكفير الإرهابية وهي أداة مهمة من الأدوات التي يستعملها "الإخوان" لإرهاب المجتمع وابتزازه وإخضاعه لمشيئتهم فواجب المرحلة يقتضي على القوى المدنية المستنيرة النزول لتلك العشوائيات واستحداث برامج لإزالة الجهل والأمية وتمليك الفاقد التربوي من الشباب الوعي وتدريبه على إتقان مهن حرفية تساعده على الخروج من حالة الفقر المزمن وتفتح أمامه آفاق المستقبل وحينها فقط ستهزم أساليب الإخوان الرخيصة القائمة على ابتزاز العقول والبطون الخاوية. ** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.