- كندا [email protected] أعلنت مؤسسة الرئاسة السودانية ، ممثلة في النائب الأول على عثمان محمد طه ، نية الحكومة السودانية في تقسيم ولاية جنوب كردفان الى ولايتين ، و يبدو ان السلطة المركزية في السودان قد اعجبتها العزة بالإثم التي فعلتها في اقليم دارفور و تقسيمه الى خمس ولايات ضد رغبة اهل الإقليم التي تدعو الى اقليم واحد بسلطة اقليمية واحدة ، و لكن نفسها مؤسسة الرئاسة تتناسى دستورها الذي تحتج به على الناس ، و تتناسى مطالبتها للناس دوما بالإنصياع للدستور و المطالبة بالحقوق وفقا لنصوص الدستورو الوسائل السلمية لتداول السلطة .. فالناس رضت بالأمر على مضض و مارست حقها في المشاركة في السلطة عبر الإنتخابات التي تمت في خلال غضون السنتين الماضيتين..و انتخبت مجالسها التشريعية الولائية و انتخبت نوابها للبرلمان القومي ، و ان كانت سيطرة المؤتمر الوطني واضحة للغاية في الفوز بكل تلك الدوائر (ولائية و قومية) الإ أن المؤتمر الوطني دوما ما تأخذه العزة بالإثم و يصر على فرض سيطرته بالتدخل في شؤون الولايات و بالتالي الإصرار على عسكرة و ديكتاتورية الإدارة ، و هو الأمر الذي لا يترك للناس خيارا غير المطالبة بازالة سلطته الأثمة..! الأسباب الواهية الكاذبة: ان الأسباب التي ابداها اهل المؤتمر الوطني بان تقسيم ولاية جنوب كردفان بأنه باب من ابواب تقسيم السلطة و الثروة ، و ارضاء لمطالب الجماهير ، كل هذه الأسباب كانت ستكون منطقية و معقولة ان كانت البلد في حال استقرار و سلام و تداول سلمي للسلطة ، و لكن حضور ظاهرة الحرب في المشهد ، فان هذا يجعل الأمر وسيلة لتحقيق غاية اخرى و هي توسيع الموارد المالية لتمويل الحروب الخاسرة التي يخوضها المؤتمر الوطني . فالتقسيم الذي اعلنت عنه حكومة المؤتمر الوطني هو قرار يخالف الدستور الذي تحتكم اليه الحكومة و تدعي استمداد شرعيتها منه و بالتالي ممارسة الوصاية على ارادة اهل المنطقة ، و في نفس الوقت ، ان كان الهدف الظاهر هو التوزيع العادل للثروة ، فهذا الهدف يخفى ورائه غاية حقيقية هي نزع الثروة من الناس عنوة و مشاركتها في لقمة عيشهم التي يحصلون عليها بالكاد ، و ذلك عبر توسيع مظلة الضرائب التي سوف توفر بعض الموارد الإضافية لخزينة الحكومة و منها تمويل الحرب..! ان قرار تقسيم ولاية جنوب كردفان ، هو قرار خطير للغاية و يهم كل اهالي اقليم كردفان خاصة ، و اهالي السودان عامة ، و تجب مناهضته من قبل جميع ابناء و بنات الإقليم و كذا من قبل جميع اهل السودان ، لأنه قرار ينطوي على مزيد من الإضرار بمصالح السودان و مستقلبه..وهنا سوف نبين للناس لماذا مثل هذا القرار هو قرار خاطئ و ينطوي على اضرار كبيرة..و سوف نوضح لماذا هو قرار يهدف الى تمويل حروب المؤتمر الوطني..! جذور القرار: في انتخابات جنوب كردفان التكميلية في 2011 ، و عبر برنامجه الإنتخابي ، وعد مرشح المؤتمر الوطني لمنصب الوالي ، احمد هرون ، وعد اهالي الجزء الغربي من الولاية بانه في حال فوزه سوف يعمل الى اعادة ولاية غرب كردفان ..و تناسى السيد المرشح وقتها أن مثل هذا الوعد هو خرق للدستور الذي بموجبه خاض الإنتخابات ، فامر انشاء ولاية جديدة ليس هو حق يملكه المرشح و يهبه لجماهيره ، و انما الأمر تحكمه نصوص الدستور ، و نصوص الدستور لا تعطي المرشح حق تكوين ولاية جديدة أو الوعد بها..! حينما اشتعلت الحرب بين المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية/شمال ، حدث اتفاق يونيو 2011 و لكن المؤتمر الوطني رفض الإتفاق بدعوى انه يريد أن يحسم الأمر عسكريا و في غضون ايام (بالطبع استمرت الأيام لتكون سنوات و لم يتم حسم الأمر)..ثم تدخلت الإدارة الأمريكية و حشرت انفها في امر السودان بان دعت الطرفين للجلوس الى التفاوض و حسم الإختلافات بينهما ، و قدمت مقترح باعادة تقسيم الولاية الى ولايتين : ولاية تحت ادارة الحركة الشعبية/شمال وولاية تحت ادارة المؤتمر الوطني.. ثم تناول البعض من اهل الصحافة (خصوصا ابناء المنطقة) الأمر و اخذوا يطالبون بتقسيم الولاية الى ثلاثة ولايات و تحديد الحدود لتلك الولايات..و اعاد المؤتمر الوطني مقترح الولاياتالمتحدةالأمريكية عبر طرح الأمر كاقتراح من داخل البرلمان الفيدرالي السوداني ، و ذلك عبر المقترح الذي قدمه نائب من الولاية (مهدي بابو نمر/ تمثيل نسبي احزاب عن المؤتمر الوطني) و الذي يدعو الى تقسيم الولاية الى ولايتين و ذلك حسما للنزاع في المنطقة..ثم كونت الحكومة لجنة لدراسة الأمر و نتيجة الدراسة كانت محسومة سلفا ، و لكن الأمر يحتاج الى توابل شرعية صورية..و ذهبت اللجنة و خرجت بان التقسيم امر واجب..! خرق الدستور: حينما تمت انتخابات جنوب كردفان التكميلية في 2011 ، تم التعامل مع جنوب كردفان كوحدة دستورية و ادارية واحدة ، و شارك اهل الولاية في تلك الإنتخابات بهذا الفهم..و تم انتخاب مجلس تشريعي موحد للولاية..و هذا المجلس هو السلطة التشريعية التي من حقها أن تبتدر امر مثل امر انشاء ولاية جديدة عبر تقسيم الولاية القديمة..و يشترط الدستور اغلبية محددة (ثلثي العضوية المنتخبة)..ولا يقف الأمر هناك ، و انما لابد ان من رفع الأمر الى البرلمان القومي و يشترط اجازته بنفس الأغلبية ثم رفعه الى مؤسسة الرئاسة للمصادقة عليه و بالتالي اصداره كقانون ثم تطبيقه..و بحسب مفوضية الإنتخابات القومية ان نتيجة الإنتخابات التكميلية في الولاية جاءت بعدد (54) نائب/ة لهذا المجلس ، منهم (32) نائب/ة من الحركة الشعبية /شمال..وتفصيلها (14 مقعد من تمثيل المرأة ، 8 مقاعد من تمثيل الأحزاب ، و10 نواب من الدوائر الجغرافية الولائية)..و بالتالي اصبح المجلس يتكون باغلبية من حزب الحركة الشعبية/شمال..و ان للمؤتمر الوطني (22) نائب/ة..و هذه الوضعية تجعل استحالة تحقيق الأغلبية لتمرير القرار بصورة دستورية..وحتى النواب عن حزب المؤتمر الوطني في المجلس التشريعي الولائي ليسوا كلهم من الدوائر التي وعدها مرشح الوالي بولاية ، و انم هم من مختلف انحاء الولاية بعضهم من الأجزاء الشرقية و البعض من الأجزاء الشمالية ، و البعض من الجزء الأوسط في الولاية..! و بهذه الكيفية تسقط الحجة التي ادعاها المؤتمر الوطني بان تقسيم الولاية هو مطلب جماهيري..فالجماهير التي يدعي انها تطالب بولاية ليست لها التمثيل الكافي الذي يسطر على المجلس التشريعي الولائي..و ليس لها نفس التمثيل الكافي في البرلمان الفيدرالي حتى تحقق اهدافها ، فالطريقة التي ارتضت بها مثل تلك الجماهير المشاركة في الإنتخابات كانت تعلم جيدا أنها لن تأتي باغلبية كافية لتحقيق هدف انشاء ولاية..! مثل هذا الخرق الدستوري الفاضح ، لا يقف اثره فقط في جنوب كردفان ، و انما يمتد الى كل كردفان..فلقد كانت ولاية غرب كردفان السابقة.. تتكون من جزئين: المنطقة الغربية لشمال كردفان و المنطقة الغربيةلجنوب كردفان..و الحدود التي يقترحها تقسيم جنوب كردفان يستبعد المنطقة الغربية من شمال كردفان ، و يقوم على فرز اثني واضح و ذلك بضم محليات القطاع الغربي لجنوب كردفان اضافة لمحلية القوز (شمال الولاية) و كلها تقطنها ما يسمى بالقبائل العربية..و هو نفس الأمر الذي تبناه بعض من ابناء الولاية في الإعلام بضرورة تقسيم الولاية اثنيا.. حتى يكون للنوبة جزء خاص بهم..و للأخرين اجزاء خاصة بهم..! امر التقسيم ايضا سيؤثر على ولاية شمال كردفان ، لأن اهل المنطقة الغربية من الولاية (مراكز قبيلة حمر) يطالبون بتخصيص ولاية منفصلة عن شمال كردفان لتكون عاصمتها مدينة النهود..! كذبة العدالة في توزيع الثروة: من ضمن الأسباب التي ادعت حكومة المؤتمر الوطني تحقيقها عبر تقسيم كردفان انها ترغب في اعادة توزيع الثروة بصورة عادلة..وهذا الأمر ينطوي على اكذوبة كبيرة..فالدستور السوداني يحدد و يبين موارد الدخل القومي ، ومعظم الموارد تقوم على الضرائب بكل انواعها.. اضافة لعائدات البترول..و بديهي ان خلق اجسام ادارية جديدة يعني توسيع الموارد و بالتالي فرض ضرائب جديدة..فبدلا أن كانت اهالي جنوب كردفان تساهم عبر وحدة ادارية واحدة ، سوف تساهم في الضرائب عبر وحدات ادارية متعددة..و هذا يعني اثقال كاهل اهل الولاية بالضرائب الباهظة..! الدستور و برتكول منطقة جنوب كردفان ، منح الولاية نسب محددة من عائدات البترول..و ذلك بناءا على واقعة أن الولاية هي ارض انتاج البترول..و التقسيم الجديد يعني حصر انتاج البترول في جزء محدد من الولاية (الجزء الغربي) و بالتالي اخراج باقي الولاية من خانة الولاية المنتجة للبترول و حرمان اهلها من النسبة المخصصة لهم..و بالطبع سيكون تعويض هذا الدخل المفقود عن طريق زيادة الضرائب على اهالي المنطقة..! و بهذا الفهم ، فان تقسيم الولاية لا يعني اعادة توزيع الثروة بصورة عادلة ، و انما ينطوي على نزع الثروة (على قلتها) من جزء و ذلك بحرمانه من نسبته في عائدات البترول..! و اذا استمر الأمر بهذه الكيفية ، و نالت اهالي المنطقة الغربية في شمال كردفان ولاية جديدة.. فهذا يعني فتح موارد جديدة لحكومة المؤتمر الوطني و بالتالي استغلالها في تمويل الحروب..! خوافي التقسيم ، و التضحية بمنطقة أبيي: بالرغم من خطر الخرق الدستوري و فرض امر على الناس دون رغبتها ، و بالرغم من اكذوبة توزيع الثروة بطرق عادلة ، الإ ان قرار تقسيم جنوب كردفان ينطوي على مسألة استراتيجية خطيرة و تضر بمصالح السودان و مستقبله ، و هي التضحية بمنطقة أبيي..! يرى البعض ان قرار التقسيم هو ارضاء للمسيرية..و لكن معروف ان المؤتمر الوطني لا يعطي الهبات لله ، و انما يفكر جيدا و يقدر اموره بصورة تجعله في منطقة الكسب بصورة مستمرة..و الكسب المنشود هنا ، ا ن اهل المؤتمر الوطني وازنوا ما بين الإستمرار في الحكم و ضمان جانب الولاياتالمتحدة ، و ما بين الإضرار بمصالح السودان الإستراتيجية..و لقد اختاروا الخيار الأول..و ذلك بنيتهم المبيتة للتخلي عن منطقة أبيي لجنوب السودان . و مثل هذا الأمر لا يصعب حدوثه ، خصوصا غياب اهل السودان كافة و عدم تفاعلهم مع القضية كقضية استراتيجية تهمهم و تهم مستقبل البلد..فالغالبية من اهل السودان تنظر الى المشكل بانه مشكل يخص المؤتمر الوطني و الحركة الشعبية في الجنوب..و في أسوأ الأمور انه امر يخص المسيرية وحدهم..و هذه لا مبالاة غريبة للغاية و ستؤدي الى ضياع كثير من الحقوق..! الخاتمة: صحيح ان البعض من اهالي جنوب كردفان قد مل الحرب ، و صحيح أن الجميع هناك عجزوا في الوصول الى طريقة لترميم التعايش السلمي في المنطقة و الذي استمر الى قرون عديدة ، و صحيح ان البعض منهم صدق اكاذيب المؤتمر الوطني وذهب الى مؤتمر كادقلي للسلام (اكتوبر 2012) و نال ضربة موجعة بقرار تقسيم الولاية..نعم نفهم مثل كل تلك الإعتبارات ، و لكن نقول ان قرار تقسيم الولاية هو قرار ينطوي على اضرار كثيرة ، و مثل هذه الأضرار لا تهم اهل المنطقة فقط و انما تهم جميع اهل السودان.. فعودة ولاية غرب كردفان لا تعني ان نصيب اهل الولاية من عائدات البترول سيزيد الى عشرة في المئة مثلا..و لن يعني حسم ظاهرة انتشار السلاح في المنطقة و هي ظاهرة ظلت تهدد امن و سلامة المجتمعات الصغيرة هناك لعشرات السنين..لذلك ندعو الجميع لتبصر الأمر بعقلانية و مناهضة قرار تقسيم الولاية..و في نفس الوقت ندعو كل اهل السودان ليكونوا اكثر جدية.. فالسودان ليس حاكورة خاصة للمؤتمر الوطني ليعبث بها كيفما شاء..!