إليكم الطاهر ساتي [email protected] قيمة أن يكون المجتمع والياً ..!! ** هنا، للسودان طعم آخر..مابين المطار وقلب المدينة (30 كلم)، وشقيقي يتصل (بانتظرك في المطار)، ولكني اعتذر شاكراً، فالتجارب علمتنا بأن ثرثرة سائق التاكسي هي دائماً لسان حال الناس وعنوان حياة أهل المنطقة..فالتكاسي تقف خلف بعضها في خط مستقيم، وليس للراكب حق الإختيار، بل يشيرون إليك، أوكمافعلوا (الدور على عم محمد)..ولم يكن لي غير حق القبول، وكل التكاسي كما أحجأر الزمرد ناعمة وذات بريق من آثر النظافة.. وكان عم محمد - لحسن الحظ - ثرثاراً.. من أم روابة، طاب به المقام هنا، وعربته أنيقة، ولم يمتكلها بعد، يدفع للمصرف عبر النقابة وحكومة الولاية قسطاً شهرياً مقداره (750 جنيهاً)، وتبقت أقساط قليلة ليكتمل المبلغ المطلوب (54 الف جنيه)، ولكن سعر عربته في السوق يتجاوز (المائة الف جنيه)، ولذلك يضحك ويختم الحوار : ( والله ماقصروا معانا)..وتقريباً هكذا لسان حال أكثر من (250 سائق)، دعم وتقسيط، ليعيشوا، ولتجميل وجه الولاية التي تحدت الصعاب وقاومت شح الموارد وأعلنت عن ذاتها بأنها لم تعد محض معبر للصادر والوراد، بل هي رقعة سياحية أيضاً..!! ** قبل عام، كان بهذا الشارع مسارين، ولكنه اليوم بمسارين آخرين، فصاروا (أربعة)، والإنارة بطول الطريق، وكذلك أشجار النخيل ذات الذؤابات الخضراء..ولوحات الشركات والأندية وبعض منظمات المجتمع المدني تنافس ذاتها في الإبداع وفن الإعلان..والعربة تتجاوز ما كان يسمى ب(خور كلاب)، ولم يعد المكان خوراً للكلاب، فالأبراج على وشك السمو، وحولها الأرصفة والأشجار والبحر ومجالس الأُسر ..وعم محمد يعلق ( المحل ده كان كوشة، شوف القرش بيسوي شنو)، ثم يضحك ويستغفر الله وكأنه إقترف ذنباً..فالأرض مالحة بالمدينة ، وكذلك وزارة المالية تضن عليها وعلى أهلها بخطاب ضمان يكمل مشروع نقل مياه النيل، ومع ذلك الأشجار الخضراء على مد البصر في كل شوارع أحياء المدينة..تأتيك اللجنة بالشجرة والطمي والقفص الحديدي، ثم تنصحك بالرعاية ولكنها - ذات اللجنة - تواظب على السقي، ولذلك لم يعد هنا جدارا لاتزينه الأشجار..تبحث عن الأتربه في الأحياء ولاتجدها إلا خارج حرم المدينة أو الحي، فالكل ملزم بتسوير قطع الأراضي التي لم تشيد، بحيث لا ترسل ترابها إلى الطريق العام، فالتسوير أو (الغرامة)..!! ** وهي العاصمة التي لاتنام هذه الأيام إلا بعد منتصف الليل بساعات، فالطرقات وشواطئ البحر تضج بالحياة وبراءة الأطفال ونداء الباعة.. وبعد أن إمتلأت الفنادق والشقق الفندقية بالأسر الزائرة ، أغرت قيمة إيجار المنازل بعض أهل المدينة بالرحيل المؤقت، فالقيمة تتراوح (150/ 250جنيها)، اليوم وليس الشهر.. والباعة لايشكلون زحاماً ولايعيقون حركة المارة والسيارة، وكأن جهة ما وزعتهم بخارطة هندسية..ومراجيح الأطفال متناثرة قبالة البحر وكذلك أحواض السباحة، وحولها مقاعد ولاة أمورهم، ينظمون بعضهم بعضاً، ويفرحون مجاناً في الهواء الطلق..لاتميز أطفال الأثرياء عن أطفال الفقراء، أي كما البحر والهواء للجميع، كذلك ألعاب الصغار..هل حدثتكم، قبل عام، عن موسى الذي كان معاقاً ولم يعرف تفاصيل مدينته إلا بعد أن بلغ العقد الثالث من عمره، بفضل الله ثم بفضل عربته المسماة شعبياً بالدباب ؟..نعم، فاليوم على الشواطئ والطرقات عربات رفاق موسى تبيع لعب الأطفال والأزاهير والهدايا.. لقد زادت عدداً، ولم يعد بالولاية معاقاً بلا عربة، فاللجان تبحث - عبر اتحادهم - لتحريكهم ثم الدفع بهم إلى مضمار الحياة، وهي اللجان التي ألزمت مركبات الولاية العامة بتخصيص مقعد للمعاق مجاناً، وكذلك ألزمت بصات الخرطوم ومدني وكسلا والقضارف بتخصيص مقعد مجاناً للمعاق، ثم ألزمت دور الرياضة بتخصيص أمكنة لهم حول الملاعب مجاناً، ليشجعوا فرقهم بلا متاعب ..!! ** والمدهش في البحر الأحمر ( لكل قطاع لجنة، وليست وزارة)..لجنة يختارها المجتمع، ويراقبها المجتمع، ويدعمها المجتمع، والوزارة التي يتبع لها القطاع مجرد (جهة رقابية وتنسيقية)، وطبيعي جداً أن يكون الوزير عضواً في اللجنة وليس رئيساً لها..لجنة تعليم، لجنة صحة، لجنة سياحة، لجنة نظافة ، لجنة تشجير، لجنة فقراء، لجنة معاقين، لجنة إستثمار، و..و.. ذوي الحاجة، في أي قطاع، لايبحثون عن الوالي والوزراء، بل يبحثون عن رؤوساء اللجان..منذ أسبوع ونيف، رؤساء اللجان الشعبية بالأحياء ، برفقة بعض أفراد الشرطة، يطرقون أبواب الناس، لا لتحصيل رسوم النفايات أو الحبس لحين السداد، ولكن لإخطارهم بأن منزل رئيس اللجنة الشعبية هو المكان الذي عليهم أن يقصدوه نهار اليوم لإستخراج (الرقم الوطني)..هكذا المجتمع هنا، لاينتظر، بل يبادر .. كيف نجحت حكومة البحر الأحمر في تفعيل المجتمع وكسب ثقته، بحيث يكون شريكاً وصانعاً لحياته؟..فليبق السؤال مؤرقاً لأذهان الولاة الذين لايتقنون غير الإستنفارو( سب أمريكا ولعن حكومة الجنوب)، لتغطية عجزهم وفشلهم عن أداء واجبهم ..!!