عبد الله حمدوك.. متلازمة الفشل والعمالة ..!!    بريطانيا .. (سيدى بى سيدو)    كريستيانو يقود النصر لمواجهة الهلال في نهائي الكأس    المربخ يتعادل في أولى تجاربه الإعدادية بالاسماعيلية    شهود عيان يؤكدون عبور مئات السيارات للعاصمة أنجمينا قادمة من الكاميرون ومتجهة نحو غرب دارفور – فيديو    الغرب "يضغط" على الإمارات واحتمال فرض عقوبات عليها    دورتموند يسقط باريس بهدف فولكروج.. ويؤجل الحسم لحديقة الأمراء    وزارة الخارجية تنعي السفير عثمان درار    العقاد والمسيح والحب    واشنطن: دول في المنطقة تحاول صب الزيت على النار في السودان    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    شاهد بالصور.. المودل والممثلة السودانية الحسناء هديل إسماعيل تشعل مواقع التواصل بإطلالة مثيرة بأزياء قوات العمل الخاص    شاهد بالصورة والفيديو.. نجم "التيك توك" السوداني وأحد مناصري قوات الدعم السريع نادر الهلباوي يخطف الأضواء بمقطع مثير مع حسناء "هندية" فائقة الجمال    شاهد بالفيديو.. الناشط السوداني الشهير "الشكري": (كنت بحب واحدة قريبتنا تشبه لوشي لمن كانت سمحة لكن شميتها وكرهتها بسبب هذا الموقف)    محمد وداعة يكتب: الروس .. فى السودان    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    «الذكاء الاصطناعي» بصياغة أمريكية إماراتية!    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    طبيب مصري يحسم الجدل ويكشف السبب الحقيقي لوفاة الرئيس المخلوع محمد مرسي    "الجنائية الدولية" و"العدل الدولية".. ما الفرق بين المحكمتين؟    السودان..اعتقال"آدم إسحق"    فلوران لم يخلق من فسيخ النهضة شربات    رئيس نادي المريخ : وقوفنا خلف القوات المسلحة وقائدها أمر طبيعي وواجب وطني    لأول مرة منذ 10 أعوام.. اجتماع لجنة التعاون الاقتصادي بين الإمارات وإيران    فينيسيوس يقود ريال مدريد لتعادل ثمين أمام البايرن    دولة إفريقية تصدر "أحدث عملة في العالم"    والي الخرطوم يدشن استئناف البنك الزراعي    أول حكم على ترامب في قضية "الممثلة الإباحية"    بعد اتهام أطباء بوفاته.. تقرير طبي يفجر مفاجأة عن مارادونا    تعويضاً لرجل سبّته امرأة.. 2000 درهم    الحراك الطلابي الأمريكي    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الثلاثاء    أنشيلوتي: لا للانتقام.. وهذا رأيي في توخيل    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    شاهد بالفيديو.. الفنانة ندى القلعة تواصل دعمها للجيش وتحمس الجنود بأغنية جديدة (أمن يا جن) وجمهورها يشيد ويتغزل: (سيدة الغناء ومطربة الوطن الأولى بدون منازع)    سرقة أمتعة عضو في «الكونجرس»    شاهد بالصورة.. بعد أن احتلت أغنية "وليد من الشكرية" المركز 35 ضمن أفضل 50 أغنية عربية.. بوادر خلاف بين الفنانة إيمان الشريف والشاعر أحمد كوستي بسبب تعمد الأخير تجاهل المطربة    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذباب حارتنا
نشر في الراكوبة يوم 16 - 01 - 2013


[email protected]
عندما انقشعت موجة الجراد الصحراوي التي استمرت لمدة ساعتين كاملتين , والتهمت كل أشجار الزينة أمام البيوت قال أبو العيون : إن مظلة الجراد أفضل من أي مظلة في العالم , ومع الجراد الذي كان كبير الحجم منتفخ البطون جاء هواء عليل ونقي كان يحمله تحت أجنحته , ولذلك جر أبوالعيون سريره الهباب , ونام تحت المظلة الواسعة أجمل ( نومة ) وغرق في بطن حوت لزج , وقال حينما استيقظ إنه في حالة نشاط غريبة لم يشعر بها من قبل , ويريد أن ( يعير كجحش حمار ) .
عندما انطوى بساط الجراد الضخم صار الناس يقبضون المتخلف والمتساقط منه , ويقبضون على الإناث حاملة البيض , وعلى العصافير التي تساقطت أثناء تلك ( الزخات ) الرهيبة , وأقاموا حفلات شواء عظيمة في الشوارع حتى أن أحد ( الخواجات ) وهو دبلوماسي إسمه ( قرانفيل ) كان يحمل كاميرا ( ديجتال) سأل سائقه السوداني - الذي قتل فيما بعد- عما يفعله هؤلاء الناس , فقال له " كما ترى , إن الله أرسل إليهم المن والسلوى وها هم يأكلون مع أطفالهم . " وما أن إنتهى ذلك الضجيج والهرج والمرج وأصوات التجشؤ الفرحة وصرخات الأطفال الشبعى وساد شيء من سكون الأمن والنعمة الإلهية حتى فتحت شبابيك البيوت واشرأبت الأعناق وجحظت العيون عندما سمع الناس أصوات ( الكعب العالي ) في شارع ( الظلط ) الذي بنته المحلية قبل أيام على عجل من أجل الانتخابات , إنها ( ستنا ) بنت صانع العاج تعبر شارع ( الجامع ) كما تفعل كل مساء , وتخطو خطوة خطوة كأنها فرس زينة , وكل خطو لها إيقاع مميز في نوتة العذاب الموسيقية ولها معنى محدد في قاموس العشق والعشاق وفقدان الهوية , وكانت القلوب تخفق وتتلوى وتنادي وهي تتخيل تلك السيقان الذهبية الطويلة اللدنة تتبادل المشي في ضوء المئذنة المسائي , كانت ( ستنا) طويلة القامة كصاري السفينة , ومع ذلك تلبس ( الكعب العالي ) الذي يجعلها تتمايل كشجرة وسط العواصف وتضع كحلا كثيفا حول عينيها تظلله رموشها الطبيعية الطويلة فتصبح مثل زرقاء اليمامة وتضع (الروج) وفوقه مسحة عتيقة من ( اللب شاين ) كأنها تتوقع صفا مرصوصا من القبلات , وتتابعها سهام كيوبيد والأيدي التي تعودت على القطف إلى أن تغوص في الزقاق المقابل للجامع وتدفع باب ( الزنكي ) وتدخل البيت .
كان أطفال حارتنا يلتقطون آخر ما تبقى من أفخاذ وصدور ورؤوس الجراد عندما لاحظوا فوجا غريبا من الذباب الأخضر , أكبر حجما كأنه معدل وراثيا , وله أجنحة مزدوجة كثيفة , وأرجل طويلة بها شعيرات بارزة , وله ( ماصة ) تنتهي بحافة مفلطحة , ولاحظوا أنه لا يأكل بقايا الجراد وحسب وإنما يحمل بعض الاجزاء معه ويحلق عاليا فوق البيوت على غير عادة الذباب ويدفع الهواء برجليه كأنه طائرة ورقية ثم يختفي ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل جاءت شائعة أن الذباب قتل امرأة عجوز كانت تغربل حبات الذرة أمام الطواحين , وعند هذا الحد ذهب الأطفال ليتضوروا جوعا وليحلموا بمستقبل فيه مظلات الجراد والذباب الأخضر وحفلات الشواء في الشوارع التي تجمع لفيفا من الخواجات للتصوير ولفيفا من الصحفيين لكتابة التقارير إلى أن فتح الناس الشبابيك ذات مساء , وكانت الأE@،€‍T
QsCں,`CPTM,®آ»p€TMPû|qîهو يحمل مسبحة اللالوب التي احضرت له من مسيد في كردفان ويلبس طاقية خضراء فوق هامته الضخمة التي تشبه رأس الثور وبين شفتيه يبدو شيء كالزبد وفي عينيه غثاء كغثاء السيل وعندما سمع وسط الضباب والصلصلة صوت ( الكعب العالي ) صار يكبر ويهلل كأنه في حضرة قذيفة ( أر بي جي ) وحينما تجاوز تلك الرؤية ووصل إلى حالة الإنجذاب الصوفي أخرج ورقة صفراء من جيبه وصار يقرأ أمام حضرة الذباب أناشيد ابن الفارض وابن عربي والحلاج وكان يشعر أنه تخطىهو يحمل مسبحة اللالوب التي احضرت له من مسيد في كردفان ويلبس طاقية خضراء فوق هامته الضخمة التي تشبه رأس الثور وبين شفتيه يبدو شيء كالزبد وفي عينيه غثاء كغثاء السيل وعندما سمع وسط الضباب والصلصلة صوت ( الكعب العالي ) صار يكبر ويهلل كأنه في حضرة قذيفة ( أر بي جي ) وحينما تجاوز تلك الرؤية ووصل إلى حالة الإنجذاب الصوفي أخرج ورقة صفراء من جيبه وصار يقرأ أمام حضرة الذباب أناشيد ابن الفارض وابن عربي والحلاج وكان يشعر أنه تخطى خطوط الشريعة الحمراء وانه يخاطب الله كفاحا بلا واسطة وهكذا قضى أبو العيون ذلك الصيف وهو ينتظر ( ستنا ) بالتهليل والتكبير وهو يحلم بثوبها الحريري المورد الذي يترجرج تحت أثقالها كأنه تل رمل وسط العواصف , وفي مساء يوم عطفت على شقائه ووحدته إذ أنه ظل إلى يوم مقتله بلا زواج فرمت له كتاب في ضوء المئذنة فإحتضنه في الظلام وغاص في الزقاق وحينما جاء في اليوم التالي لصلاة الجمعة كانت خطبته كلها قصائد شعر فقام شاب من وسط المصلين وقال له : " يا مولانا كلامك دا كلو غزل , والشعر البتقول فيهو دا شعر نزار قباني . " فقال له أبو العيون بحنو ظاهر وهو معترف بكل ذنوبه : " يا ولدي دي رموز وتأويلات ما بعرف تفسيرها إلا الله الخلقني وخلقك . " ثم قطع الخطبة وقال للناس قوموا لصلاتكم يرحمكم الله ..
كانت حارتنا كأي حارة من حارات مدينة أمدرمان تجمع أشتات الشعب السوداني كله شمالا وجنوبا وشرقا وغربا إلى درجة أن عربي ( جوبا ) وعربي ( الجنينة ) صارا من اللغات الرئيسية في شوارع حارتنا وصار أولاد العرب يتحدثون بها ويتبارون في إتقانها , كانوا يتجاورون بسلام من دينكا ونوير وجعليين وشايقية ونوبة وزغاوة وهدندوة وبني عامر ومسيرية ورزيقات .. الخ , وكان شعارهم دائما ( نحن في الشدة بأس يتجلى وعلى الود نضم الشمل أهلا ) إذ أن الهجرات لم تتوقف لهذه المدينة منذ ظهور الإسلام وفتح طريق الحج ومنذ الثورة المهدية التي جعلتها عاصمة لها وحتى هذه اللحظة , وكانت كل هذه الأشتات تتعايش باحترام تام وبإعتراف متبادل بالمشاركة في الوطن وفي الرزق وفي التعليم وفي ما تعطيه لهم الحكومة من صحة مجانية ودعم للطعام والشراب وتمثل لهم قدوة في الأخلاق والإلتزام ورغم هذا الإحترام العميق كانوا لا يتزاوجون من بعضهم البعض إلا فيما ندر وكانت الزيجات تسير في مسارات محددة بين بعض القبائل دون الأخرى كنتيجة لسيادة الإقتصاد الريعي وفشل التنمية وتهميش الأقاليم وسيادة عصور الرق الطويلة في السودان حيث جاء نهر النيل الذي يصب على مشارف أوربا بأهم حملات البحث عن الرجال والجنود إلى جانب سيادة المجتمع الصوفي التراتبي حيث المزارع الواسعة وضرورة العمل اليدوي مما حتم جلب الأتباع والحواريين وسيادة نظام السخرة , وكانت الأمور ستسير في حارتنا كما سارت منذ الآف السنين لولا انتشار ذلك الوباء فجأة في كل بيت في أيام ابو العيون وتبادل الإتهامات بين قبيلة وأخرى ووصلت الإتهامات إلى حد أن قبيلة إتهمت أختها بأنهم أكلة ( الجراد ) وأخرى إتهمت أخرى بأنهم لا يعيشون إلا و ( القراد ) في جلودهم واخرى قالت إنهم عبدة الأصنام وأخرى قالت إنهم أتباع المستعمرين وأخرى قالت إنهم مع الصهيونية العالمية وأنهم ربوا ( نتنياهو ) وأدخلوه المدرسة وأخرى أتهمت أخرى بانهم قردة خاسئين وأخرى تحدثت عن العبودية وأخرى عن السيادة وواحدة افتخرت بأن والد ( اوباما ) من أبنائها وأخرى قالت إنها تنتمي لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه وخرج رجل وقال لبعضهم أنتم ( شذاذ آفاق ) وذهب آخرون ووقعوا على وثيقة الفجر الجديد بينما قال آخرون إنهم لابد أن يتشاوروا حولها _ أي أن يعرفوا رأي الحكومة النهائي – قبل العواصف التي تكسر الأشجار وتقبض على مجموعة ( الواحد وخمسين ) , وكل ذلك الصراع بدأ عندما تحركت (المحلية ) بقوة عسكرية من ( أبوطيرة ) تبحث عن(دجانقو) وهو شاب طويل القامة , مفتول العضلات , وسيم الطلعة, من أبناء دينكا نقوك ويضع ( طبنجة ) عمه الفريق بالجيش في حزامه بين وقت وآخر و يقال إن ( ستنا ) بنت صاحب العاج كانت تستلطفه جدا وترمي كبريائها حين تراه كأنها صبية ( غريرة )وأنها كانت ترسله بين وقت وآخر ليورنش لها الكعب العالي في السوق أو أن يذهب الى الخياط ليصلح لها ثوب الحرير أو أن يذهب ليحضر لها تفاح من ( الملجة ) وفي ليلة من الليالي تأخر ( دجانقو) الى ما بعد صلاة العشاء لأنه تأخر في الصلاة لمشادة كبيرة حدثت بينه وبين أبو العيون الذي إكتشف أن الكعب العالي موضوع داخل المسجد في رف الأحذية مع بقية أحذية الرجال فإستشاط غضبا وقال إن المذاهب الأربعة تمنع ذلك , وأراد أن يصادر الحذاء ولكن ( دجانقو ) تصدى له و (لاواه ) وحاول بكل سبيل أن يقلعه منه ولما لم يستطع قال ل ( ابو العيون ) : لو ما جبت البتاع دا انا ولله العظيم بكتلك " فزاد غضب ابو العيون وقال له مزبدا وفي عينيه غثاء كغثاء السيل " تكتلني أنت يا حشرة ؟ " وهنا قفز ( دجانقو) قفزته الأخيرة التي تعلمها في أفلام ( اميتاب باتشن ) ورفس أبو العيون رفسة قوية كأنها رفسة حصان آلي وإختطف الكعب العالي من أحضانه وبينما كان ابو العيون ( غمران ) يشخر في عتبات المسجد كان ( دجانقو) قد سلم الكعب العالي لصاحبته و – عمل الاستفتاء – ومن هذه العلاقة الودية ظهرت الشائعة الأولية التي إنتشرت في الحارة أن دجانقو في تلك الليلة لم يذهب إلى البيت لينام ولم يذهب للمطعم ليتعشى بالفول الذي يحبه ولم يتجول مع أصحابه في الشوارع لمغازلة ( ستات الشاي ) وإنما دخل الغرفة وتلمس طريقه في الظلام و عري ( ستنا ) من ملابسها الخفيفة التي كانت تلبسها في الصيف , وأطلق عدة طلقات في أحشائها بالطبنجة , وكان ( جلي ود المنجلك )- وهو ناقل الأخبار ونسابة القبائل وحافظ قصص الأسلاف في حارتنا والمتخصص في أخبار معركة كرري كأنه شاهدها يتقصى كل حقيقة ويقتفي كل أثر وهو الذي دل الدكتور ( جرجيوس ) القبطي على الذي سرق (الميكرسكوب) من عيادته في شارع الدكاترة ووضعه في البيت المجاور لمسكن أبو العيون– كان يتابع ( ستنا ) وهي بين الضباب وهو يقول لها :
" كلمينا يا بتي منو السوا فيكي كدي ؟ "
وكانت تقول له :
" ولا زول "
" يا بتي الشي دا ما بيحصل ساكت . قولي الحقيقة . "
وفجأة توقفت أمام المطعم عندما سار معها طريقا طويلا , وخرجت من بين الطنين , وانزاحت سحابة الضباب من وجهها , وقالت له .
" إلا يكون ملك من السماء . "
وكان يتابع ود المنجلك مجموعة من صعاليك الحارة الذين يلعبون ( الملوص ) و ( الرندوك ) من أمثال ( الشنفرى ) و ( تأبط شرا ) ويقرؤون قصص ( البرتو مورافيا ) الإباحية ويحضرون كتب من أمثال ( ماذا تفعل في ليلة الزفاق ؟ ) من البوستة ويتحدثون بعربي ( جوبا ) كدلالة على معارضتهم لعنف ( المحلية ) التي فرضت عليهم ضريبة على محصولهم من القمار وهم الذين علموا كل أبناء الحارة البالغين أساليب ممارسة ( العادة السرية ) وزعموا أن الوزراء أيضا يتقنون فنون هذه اللعبة المدمرة ومعهم شخص آخر ( خافوا من ذكر اسمه ) , وزعموا أن الشريعة تبيحها للمحاربين في الغزوات , وكان هؤلاء الصعاليك الأمنجية يمثلون الذراع الضاربة لود المنجلك المعين من قبل ( المحلية ) في نشر الأخبار التي يريدون نشرها وتزوير الحقائق ويشكلون له جهاز أمنه لمصادرة الحقائق والوثائق مثلما صادروا وثيقة الفجر الجديد وجريدة السوداني وجريدة الميدان وسجنوا من ( بلها وشرب مويتا ) , وعندما توقفت (ستنا ) بنت صانع العاج أمام الكوخ الفرنسي في شارع العرضة توقف الصعاليك بإشارة من ود المنجلك الذي إستغرب من رد ستنا في أن ملك من السماء هو الذي رفعها مكانا عليا فإلتفت لأول مرة لصعاليكه وقال لهم .
" يا جماعة . نصدقا . "
فقالوا له بصوت واحد كله إقتناع وفلسفة كأنهم في برلمان معين .
" أأأأأأأي صدقا . "
فقال لهم وإحساس بالرعب يرفعه من رجليه .
" يا جماعة لو صدقناها . دا معناتو انو المسيح حا يتولد في حارتنا . "
وعندما نشر ود المنجلك هذه الأخبار خرجت جماعة سلفية من حارتنا مكونة من اولاد ( عيدو ) النجار وهم جماعة كبيرة وأولاد الدكتور ( سعيدو ) وهم جماعة أكبر وقالوا إنهم سيقتلون هذا الطفل فور ولادته حتى ولو تكلم في المهد وهددوا ( المحلية ) بأنهم سيستعينون بقوات من ( مالي ) و ( أفغانستان ) لأن والده ربما كان من دينكا نقوك وأن هذا المسيح هو المسيح الدجال بصفاته كلها , وحاولت جماعة أخرى الدفاع عنه بحجة أن والده ربما كان هو أبو العيون نفسه , ولكن عندما إنتشر الوباء ذلك الإنتشار السريع نسي الناس أمر المسيح الدجال وأمر ( دجانقو ) الفتى اللعوب الذي انخرط في جيش الحركة الشعبية وساهم في الإستفتاء على الإنفصال وصار وزيرا محليا وأصبح يرسل الدولارات المغمسة في النفط المصدر عبر كينيا لوالد ( ستنا ) التي إنقطع عنها الطمث , و غيرت الفستان الضيق بآخر فضفاض , وملصت الكعب العالي ولبست ( سفنجة صينية) وانجلى عنها جيش الذباب وسحابات الضباب وتلاشي في شارع الأسفلت تكبير وتهليل أبو العيون المعذب بعد أن اكتشفوا أن 7 من فتيات الحارة أيضا لبسن الفساتين الفضفاضة ثم خمس عشرة فتاة وتصاعدت الأعداد وهنا وضعت المحلية عسكريا مدججا بالسلاح من قوات الدفاع الشعبي في رأس كل شارع حتى لا تصطرع القبائل لأن الإتهامات القديمة ظهرت مرة أخرى وكل قبيلة تتهم الأخرى بأنها قد ثأرت منها بهذه الطريقة القذرة ولكن المحلية كان لها رأي آخر فقد طلبت من الحكومة إخطار حكومة الجنوب سرا بما يدور في تلك الحارة المنكوبة وأن ترسل (دجانقو) لمعرفة الحقيقة ولمزيد من الفحوصات حسب توصية ود المنجلك وصعاليكه الذين روعوا الحارة ولكن دجانقو أرسل خطابا للوالي وقال له ( انتم جلابة مجانين ساكت . حلوا مشاكلم براكم . دجانقو شنو البجيكم , ودجانقو شنو العندو ليكم حقيقة ) وسمع أبو العيون ذلك الرد الصاعق فإستشاط غضبا وندم على أنه لم يستطع الدفاع عن ( الكعب العالي ) ذي السيور المزركشة حينما فاحت عطوره الأنثوية في المسجد , وترك ( دجانقو) المفلس الغامض الذي يشرب ( العرقي ) ويدخن ( البنقو) يمرح ويسرح بلا رقابة وسط البيوت حيث الفتيات يصل شعرهن الى وسطهن وأنه على الأقل – وذلك حينما يتحول غضبه إلى نوبات من تأنيب الضمير ويتخيل نفسه راقدا تحت ظلال الجراد عندما كان الراحل ( قرانفيل ) يحضر لهم السمن النباتي من أمريكا _ فيسأل نفسه محرجا عن الأسباب التي منعته أن يتوسط لدجانقو السوداني الطيب أن يتزوج( ستنا ) بنت العرب العاربة , الحسناء , الطويلة , البيضاء , ذات الشعر المنساب على أردافها وأن يعيش معها (دجانقو) بلونه الفحمي في (سبات ونبات) كسوداني محترم له كافة الحقوق وعليه كافة الواجبات حتى لا يرتمي في أحضان الأجنبي ويرفض ضخ النفط عبر الأنابيب ويجعل الدولة المسكينة مسخرة عالمية في المفاوضات حينما توافق على كل الشروط وكل الإملاءات وكل الصفعات وفي وقت التنفيذ والركوع ولعق الأحذية يقولون عنها إنها قصفت وضربت وقتلت ويرفضون حتى أن يكونوا آلهة لها , كيف يسبب دجانقو كل هذه الكارثة الرهيبة لأبناء حارته ويرسل إلى الوالي ويقول له ( يازول هوووي , مشكلتك مع باقان , ما معاي أنا المسكين دا ) .
بعد أيام ظهر ود المنجلك بنظارته السميكة وجسده الضئيل وعينيه الثاقبتين وهو يلبس ( أبرول) أبيض كأنه طبيب ومعه الدكتور جرجيوس القبطي وهما يبحثان في أزقة الحارة ( بيت بيت , زنقة زنقة ) ويقرعان الجدران بعصا قصيرة ويتفحصان التراب كأنهما يبحثان عن الذهب الذي تخلى عنه من قبل ( محمد علي باشا ) إلى أن وصلا إلى بيت مجاور لبيت أبو العيون يسكنه طالب جامعي ومعه والدته المعلمة في مدرسة الحارة, ووالده في السعودية , وهنا أشار لصعاليك جهازه بأن يقتحموا البيت الذي كان بابه فاتحا فقالوا له ندخل بالباب فقال لهم " لا أقتحموه " , وهناك في ( الطربيزة ) كان ( الميكرسكوب ) نظيفا ولامعا ومحمود في السنة الأخيرة من الجامعة يحدق في أشياء داخله وكميات هائلة من الذباب الأخضر المحنط معلقة في خيوط دقيقة وحشرات جمعها من الخيران ومن بطون الحيوانات النافقة التي يجدها مرمية في شوارع الظلط الرئيسية , وذلك عندما هاجموه ذلك الهجوم الكاسح , وأخرجوه من الدار ولكن الدكتور جرجس عندما عرف أن السارق طالب علم موسوس بالعلوم والمعرفة وأنه سبق وأن أجرى أبحاث في الطاقة الشمسية رفضتها المحلية بحجة أن سد مروي سيوفر الطاقة للسودان وأثيوبيا وتشاد سامحه بل وأهداه الميكرسكوب وقال له وهو يبتسم .
" أتمنى يا ولدي أن تصنع أشياء تخدم بها البشرية . "
دعاهم محمود إلى الجلوس وأحضر لهم ( كركدي) بارد فشربوه ودعاهم إلى أن ينتظروا الغداء ولكن الدكتور جرجيوس اعتذر بأن مواعيد العيادة قد أزفت وعندما كان يودعهم قرب الباب , إلتفت إليه ود المنجلك وقال له : " تاني ما تعمل كدا يا بتاع الفجر الجديد . " ولكن الحقيقة التي أخفاها محمود هو أنه لم يسرق الميكرسكوب بل إشتراه من سوق أمدرمان بعد أن لاحظ أن أحد الناس يدور به منذ أسبوع وأن السعر في الأرض .
وبعد أيام أخرى ظهر أيضا ود المنجلك وكان ذلك بعد أن تجاوزت حالات لبس الفساتين الفضفاضة المئات وعينت المحلية ترزيا ضليعا يمارس المهنة منذ أيام الإستعمار حتى يخيط فساتين ملتزمة بالشريعة وأعلنوا بعد تعب شديد ومشاورات مكثفة مع اللجنة الشعبية ومع المجلس التشريعي ومع بقايا الدفاع الشعبي الذين إنفضوا من الحكومة بعد توقيع نيفاشا أن حارتنا هي ( دار المايقوما ) بأبعاد ( اينشتاين ) الثلاثة , المكان , والزمان , والزمكان , وأن الطرق التي تؤدي إلى روما لا تؤدي إليها , وأن فلول قوات الدفاع الشعبي التي يقودها ود المنجلك قد ضربت حولها حصارا أشد قسوة من حصار ( برلين ) في الحرب العالمية الثانية وشرع ود المنجلك مع بعض صبية المدارس وجهاز الأمن الذي يترأسه ( أخوه ) في توزيع العازل الذكري الذي أوصى به البرلمان وجلبه الوالي بنفسه في كميات كبيرة من الكراتين وشرح لود المنجلك المذهول المفجوع كيفية إستعماله عمليا عندما أوقف عربته في مكان بعيد مع موكبه المسلح وأخذه معه إلى مكان ( فاضي) وود المنجلك المتعرق الوجه والذي يلبس ملابس الدفاع الشعبي يحوقل ويقول إنا لله وإنا إليه راجعون , ما غلبكم شيء , وعندما ربط الوالي حزامه وأدخل قميصه داخل البنطلون همس بعدة كلمات في أذن ود المنجلك الذي كان يهز رأسه ويرسم على وجهه ملامح الجدية والمسؤولية ويعد أن فرغ من ذلك قال له " هل فهمت ؟ " فهز ود المنجلك رأسه فقال له الوالي " يلا شوف شغلك " وكانت نتيجة هذه الإرشادات السامية حاسمة جدا في قضية الفساتين الفضفاضة فما هي إلا ليلة واحدة حتى قفز ود المنجلك مع عدد من جهاز أمنه فوق جدران بيت عمك ( عيدو ) السلفي الذي دخل على الزوجة الرابعة قبل يومين وأخرجوه في الشارع وأمروه تحت تهديد ( البازوكا ) بأن يخلع كل ملابسه بينما أمر ود المنجلك أربعة الشهود الذين إختارهم أن يكشفوا ضوء البطارية العسكرية في عمك ( عيدو ) الذي وجد مخالفا للتعليمات ولا أثر للعازل الذكري في جسده , فرفعوه على الفور في سيارة الدفع الرباعي المزودة بالدوشكا إلى بوسط الأمن الشامل ثم قفز على الدكتور ( سعيدو ) في الثالثة صباحا وهو رجل تكفيري يقال إنه قد كفر النمل والنحل وأنه أيضا في لحظة ( زعل ) كفر نفسه , ووجدوه قد نفخ العازل كالبالون وربطه قرب فراشه فقال له ود المنجلك " أنت رجل مستهتر ؟ " فقال له عمك سعيدو " يا ود المنجلك السلاح الشايلو دا ساهل شديد . والكلام دا بلومك " فإرتجف ود المنجلك من نبرة الصوت التكفيرية وكاد أن يتراجع ولكنه بإلهام غير متوقع قال للرجل الواقف على يمينه " شوف في الورق العندك . الزول دا موقع على وثيقة الفجر الجديد ؟ " فجاءته الإشارة بنعم , فنظر لعمك سعيدو وللبالون في الفراش وللحية الكثيفة التي كادت تلتصق بوجهه وقال في نفسه " طيب والي السجم دا معاهو منو ؟ " ولكنه خرج من هذا الوسواس سريعا لعلمه أن الأيام تخفي تفاصيل أخرى وقال لعمك ( سعيدو) بعربي جوبا والذي يستعمله عندما يكون في ورطة حتى يبدو مظلوما ومتساهلا " الحكومة قالت ألبسوا العازل . يا أخي البسوا وخلصونا . " وعاث ود المنجلك وقواته الشعبية فسادا في تلك الليالي المظلمة بحجة إرتداء العازل الذكري كالبنطلون , وإختطفوا شابة غاية في الحسن وحلقوا شعر رأسها وكووا جلدها بالنار وقال لها ود المنجلك الذي رفض منذ اللحظة الأولى مع الوالي لبس العازل " والله أ كان الليلا نسوي ليك فستان فضفاض " وقتلوا إمرأة دافعت عن أهل بيتها وعرضها وأخوانها بإطلاق رصاصة في رأسها , وأعتقلوا أخريات وعذبوهن بالسياط وجلدوا الصحفية الوحيدة في الحارة بسوط الإبل إلى أن تصدى لهم رجل يسكن في أقصى الحارة وكان من الذين فروا من دار الهاتف أيام حركة 76 التي قادها محمد نور سعد ودفن الكلاشنكوف في الحوش منتظرا اللحظة المناسبة التي سيخرجه فيه في الأيام القادمة , فقد إنتزع السوط من يدك ود المنجلك بعنف ونظر بقوة وشراسة متناهيتين في عينيه الثاقبتين فلم يخطئ ود المنجلك الرعديد النظرة وفورا شرع يتحدث بعربي جوبا .
جولات ود المنجلك الليلية لم تكن كل نتائجها مآس , فقد نشرت التقارير الصحفية فيما بعد أن هذه الجولات المأساوية كانت حجر الزاوية في كشف قضية الحارة الغامضة ولعل مرد ذلك أن ود المنجلك كان لا يستثني أحدا لورعه أو لأسرته أو لزعامته أو لماله بل كان يهاجم أكثر الناس بعدا عن الجريمة ويفترض أكثر الإحتمالات إستحالة ولذلك كان يشدد مراقبته وتتبعه ل ( أبو العيون ) الذي ظل الذباب يطارده حتى في المسجد إلى درجة أن ود المنجلك قال له بعد صلاة الجمعة بأن يتوقف عن أكل ( السكر ) ظنا منه أن الذباب يدمن هذا المحصول النقدي الهام ولكن ود المنجلك لم يخطر له ببال إطلاقا أن السر يكمن في أن ابو العيون هذا غير متزوج وأنه عاشق فقط وفي الليلة التي تسور له فيها الحائط وجده في (الحوش ) عاريا تماما كما ولدته أمه , فقرر أن يأخذه إلى ( المحكمة الجنائية ) وتمنى لو أنهم حددوا جائزة بكمية من الدولارات المعتبرة للقبض عليه , فلربما رجع كل الذين ذهبوا إلى ( الدهب ) من الأجل الإحاطة به , مثلما فعل الأمريكيون وأعلنوا عن جائزة عشرة الآف دولار لمن يقبض على قتلة ( قرانفيل ) ثم خطر له أن ( ابو ) العيون ربما كان أحد القتلة المفقودين وأنه يتخفى بوجه مستعار به لحية كثيفة , وأراد أن يتحرش به وأن يطلق عدة طلقات بالقرب من فراشه ولكنه تراجع خوفا من الوالي الذي أوصى به خيرا في مرة من المرات وقال إنه رجل صوفي معذب لا يقتل ( حشرة ) ولايؤذي ذبابة , ولكن كل هذه الأقوال وهذه المساندة كانت تقول لود المنجلك أشياء أخرى غير التي يريدها الوالي ولذلك فعندما قرب البطارية العسكرية من الفراش رأى أبو العيون يسبح في مديدة الذرة التي إعتاد أن يتعشى بها ليلا ورأى كميات هائلة من الذباب الأخضر متجمعا في المديدة التي لوثت فخذي وساقي أبو العيون وهنا خطر لود المنجلك الخاطر الرهيب الذي جعله يكاد يصرخ في الراقد ويقول ( له قم جاتك داهية ) عندما خطر له وجه دكتور جرجيوس القبطي وهو يقول لمحمود صاحب الميكرسكوب ." أتمنى أن تصنع أشياء تخدم بها البشرية " وهنا أغلق ود المنجلك البطارية العسكرية وترك ابو العيون ينام في هدوء وسط الذباب وقفز من الحائط مع مجموعة كبيرة من قوات الدفاع الشعبي الذين جاءوا بأسلحة خاصة لهذه المهمة .
بدأت الأخبار تتوافد سريعا أن الحارات المجاورة لحارتنا بدأت تظهر فيها أيضا حالات من الفساتين الفضفاضة , ولم يكن أحد يعلم بأن هناك احد طلاب الجامعات يبحث ليلا ونهارا عن السر وكانت أداته ليس البازوكا أو الدوشكا وإنما الميكرسكوب والبحث المضني , فبعد أن نشرت المحلية شكوكها بأن إسرائيل ربما نشرت فيروسا قادرا على إختراق أرحام النساء من أجل بث الفرقة والصراعات بين الناس والرعب في نفوس السكان أو أن الماء ملوث بملوثات كيميائية تظهر في عكورة الماء المستمرة أو أن الجرجير الذي يستورد من الأردن أو البطيخ الذي يستورد من جنوب أفريقيا أو الثوم الذي يستورد من الصين أو العجور الذي يستورد من تشاد أو البيض الذي يستورد من أفريقيا الوسطى ربما كان معدلا وراثيا بحيث يجعل الحيوان المنوي يتولد تولدا ذاتيا من البويضة في المبيض قبل أن يحدث الإخصاب في قناة فالوب دون أن تتذكر المحلية من قريب او بعيد دجانقو الذي صار ثريا ووزيرا للبترول وتزوج فتاة رائعة الجمال من النوير , وفي تلك الأيام كان محمود الذي يدرس الفيزياء بجامعة (×) يمكث أياما بلياليها دون أن يأكل أو يشرب وهو يفحص كل شيء من الذباب إلى الصراصير إلى الدبابير إلى الفئران إلى العازل الذكري الذي رمي في الشوارع بالمئات وهو ملوث وفوقه تجمع النمل - إلى أن طرق له الباب ذات مساء ودخل ود المنجلك لوحده بملابس مدنية كي يستقصي ويجمع معلومات عن ابو العيون وفي أثناء الإستجواب سأل ود المنجلك عن مديدة الذرة وكيف تصنع ومتى تشرب ولماذا يتجمع فوقها الذباب , وكانت تلك الأسئلة هي ما يحتاجه محمود ليكمل نظريته ويوثقها معمليا وعلى الفور كتب رسالته إلى الوالي وطالبه بإبادة الذباب الأخضر ولكن الوالي رد ردا مبهما في لقاء مع بعض الباعة المتجولين في السوق وهو يقوم بزيارة مفاجئة حيث لطم رجلا عجوزا طالبه بكرتونة عازل من النوع الجيد وقال " نحن هسع نكافح الذباب الأخضر ولا نوفر السلع ولا نخفض الأسعار " ثم كتب محمود إلى الصحفية التي جلدت من قبل بسوط الإبل من أجل بنطلون جينز يساعدها على الحركة ويقيها برد الشتاء في بلد ( الجوع ) خطابا طويلا كانت خلاصته أنه لاحظ أن الذباب الأخضر لا ينام ليلا كما هي العادة وأنه يتجمع في بيوت الأعراس وخاصة في الغرفة التي ينفرد فيه العريس بعروسه أو يتجمع في المراحيض البلدية التي تنتشر في الحارة أو الحمامات التي بلا سقوف أو مراحيض الأسواق القريبة التي لا تجد العناية الكافية أو في خيران العاصمة المثلثة التي يتبرز فيها الناس جهارا نهارا ويبحث في ملابس النائمين ليلا عن مديدة الذرة او التمر أو في ثياب النساء عن العطور وبقايا العرق أو بقايا الشعر ثم قال إنه وضع الآف الذباب الأخضر تحت (الميكرسكوب) ولاحظ لذهوله الشديد أنه جميعا يحمل في بطنة اللزجة وفي أرجلة الخشنة ملايين من الحيوانات المنوية كاملة التكوين والتركيب ويطير بها إلى مسافات بعيدة وفي أثناء ذلك يستطيع أن يبقي الحيوان المنوي حيا لمدة شهر كامل بإفراز مادة بيضاء لا يعرف عنها شيئا كي تكون غذاء له ويرجو من المحلية أن ترسل هذه المادة إلى معامل متخصصة لكشف حقيقتها وما إذا كان ذلك بفعل الطبيعة أم بفعل الإنسان وقال إن هذا الذباب حساس جدا للهرمونات الأنثوية كهرمون الاستروجين ولذلك لوحظ أنه يتابع النساء والفتيات خاصة في لحظات القيلولة والإسترخاء ويتسلل إليهن ليلا ليتجول في أجسادهن العارية ويزعجهن بصورة مستمرة كما حدث ذلك من قبل مع الآنسة ( ستنا ) بنت صانع العاج التي كان يزيد عندها إفراز هرمون الاستروجين أكثر من المعدل الطبيعي كما دلت الفحوصات وختم رسالته بأنه يكتبها من بوسط الأمن الشامل .
صادر ود المنجلك (الميكرسكوب ) وإعتقل محمودا في ظهيرة ملتهبة ومزق مذكراته وكتبه ورمى بقوارير الفحص وعينات الفئران والسحالي في الخور وهدده بأنه سيشنقه بيديه هاتين و(كركج ) بأسنانه , وأنه سيجعل الجماعات الدينية وجماعة القاعدة في جامعة الخرطوم تتهمه بالردة وذلك عندما كتب مرة أخرى للوالى عن أننا أمة لا تعرف كيف تتذوق حلاوة الإيمان لأننا أمة من الحمقى والمغفلين الذي لا يستطيعون حمل رسالة المشاريع الحضارية للأمم المجاورة وعن ضرورة إبادة مليشيات الذباب الأخضر على جناح السرعة حتى لا تندلق البلد في موجات ( تكفير ) لا يحمد عقباها وعلق قائلا بأن المواليد في حارتنا سيشكلون طفرة وراثية مهمة في عالم التناسل الحديث وأن كثيرا من أولاد الذباب سيبلغ عندهم معدل الذكاء أكثر من المعهود في أبناء السودان , وأنهم سيشكلون نخبة فريدة مختلطة من أفضل مزايا الشعب السوداني لأن تلك النخبة في طريقة تخصيبها من الأبيض والأسود والمسلم والقبطي والنوباوي والدنقلاوي غير مقيدة بالقبلية أو الفوارق الدينية او الإثنية أو الزواج داخل الأسر وأن هذه هي بؤرة الأمة والأمل التي ستتشكل في المستقبل وتنبأ في رسالته بأن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بعد 40 عاما ربما سيفرش له البساط الأحمر في حارتنا من ( حوش الخليفة ) إلى مقابر ( الجمرية ) وسيلتقي الرئيس المنتخب من أحد أولاد الذباب وسيتناول معه الجراد المحمر بالأرز في ذكرى الراحل ( قرانفيل ) الذي وزع في سنوات ماضية أكثر من 200 ألف جهاز راديو يعمل بالطاقة الشمسية في قرى السودان وسيشرب معه أمام عدسات الإعلام العالمي ( مديدة ) الدخن التي ستصبح وجبة عالمية كالهمبورجر حينما يصبح السودان المصدر الأول للدخن في العالم , ورغم هذه الأمنيات الطيبة حولوا محمودا من بوسط الأمن الشامل إلى سجن ( كوبر ) في إنتظار إتهامه بالردة والهرطقة .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.