الحزن على محمود عبد العزيز له طعم مختلف أ. شذى عبد الحفيظ محمد رحمة [email protected] فقدنا في السنوات القليلة الفائتة عددا من رموز الفن والادب في السودان ، فقد فقدنا اديبنا العالمي وجه السودان المشرق الطيب صالح وفقدنا فنان افريقيا الاول الامبراطور الحقيقي محمد وردي وقبله العندليب الاسمر زيدان ابراهيم والشاعر حميد، وقد فجعنا قبل فترة بسيطة بوفاة الفنان الشاب المهذب الخلوق نادر خضر وها نحن نفجع مرة اخرى وجرح نادر لم يندمل بعد برحيل الفنان الشاب محمود عبد العزيز على نحو ماساوي – اذا جاز لي التعبير. نحن الشعب السوداني أحدى صفاتنا التي لم يجردنا منها هذا الزمن القبيح هي قدرتنا على الحزن، فنحن شعب نعرف الحزن والاحساس به ونتشاركه ونتقاسم مراراته بكل صدق ، فقد حزنا ايما حزن على كل هؤلاء الذين ذكرتهم وغيرهم ممن غادرونا قبلهم ، فقد حزنا على وردي وشعرنا اننا فقدنا فنانا محترما وملتزما وركن من اركان الغناء والفن عموما وبكينا على نادر خضر واصابنا موته الفجائي بحالة من الصدمة والالم وكذلك حزنا على حميد وزيدان وعلى اديبنا الطيب صالح ..... الا ان الحزن على الفنان الشاب محمود عبد العزيز حزن مختلف، له طعم اخر ... عميق وغائر في النفس والقلب والكبد .... حزن بطعم الحنضل ... مرير ولاذع ... اتدرون لماذا؟ لانني اعتقد اننا كنا كلنا شهود على موته والحقيقة ان موته كان يحدث امام اعيننا بالحركة البطيئة على مدى الاربع او الخمس سنوات الماضية ونحن لم نحرك ساكنا وتركناه هكذا يحمل عذاباته وتاكل جسده النحيل وروحه المرهفة حتى اتت عليه ونحن لم نحرك ساكنا .... ليست لي علاقة كثيرة بالغناء والاغاني ولا اعرف غير العناوين الرئيسية والخطوط العريضة في هذا المجال ... الا ان هذا الشاب النحيل ذو الصوت الرخيم والعيون الحزينة الذي قلما يبتسم لفت نظري في برنامج اغاني واغاني وسالت اولادي عنه واجابوا انه محمود عبدالعزيز او ما يعرف بالحوت، وظللت بعد ذلك ارى تعلق الشباب به واسمع اغانيه في الاسواق والمواصلات واتابع اخبار حفلاته الجماهيرية وما اطلق عليه من القاب كما كنت اراه بين فترة واخرى على التلفزيون، في كل مرة كنت اراه ينفطر قلبي ويتلبسني حزن عميق واحس انه ماض الى هاوية عميقة .............. لعلنا نتذكر قبل سنوات قليلة عندما مرضت المغنية الامريكية الشابة – بريتني سبيرز - لا ادري ما اصابها ...... لعله حالة نفسية او عقلية وطالعتنا صورتها في الصحف وهي حليقة الراس تماما تائهة النظرات، عندها قامت القيامة في امريكا كلها على المستويين الشعبي والرسمي – لقد سمعت باذني مقدم البرامج الاشهر دكتور فيل وهو يفرد حلقة خاصة لمناقشة حالتها وقد نوه بانه لا يعرفها وحتى لم يسمع اغانيها ولا تربطه بها اي علاقة، الا انه شدد بانها ام صغيرة وفنانة موهوبة ويجب الا نتركها تضيع من بين ايدينا حتى لا نندم وحتى لا تعذبنا ضمائرنا حينها. لم تقعد هذه القيامة الا عندما عاودت بريتني الظهور بكامل جمالها وشبابها وعقلها وقدمت البومات غنائية جديدة واعتقد انها كانت جيدة جدا حتى انها فازت في تلك ذات السنة بجائزة ما رفيعة المستوى في عالم الموسيقى والغناء. كلنا كنا نرى الفنان محمود عبد العزيز وهو يغوص ويغرق في احزانه ربما ، لعله كان مصابا بنوع من الاكتئاب، لعلها احزان شخصية وخصوصا اذا عرفنا انه فقد اخوه الاصغر في حادث حركة عام 2007 ، لعلها معاناة من مشاكل اسريه من فئة زواج ........ طلاق .... حب، لعله لم يتحمل امواج الشهرة التي غمرته بصورة كبيرة ومدهشة وحولته الى ايقونة ..... ولقد سمعنا وقرانا قصة السيدة البريطانية القروية (سوزان بويل) التي غنت في برنامج المواهب وادهشت العالم بصوتها الساحر ، الا انها بعد ذلك تم ايداعها مصحة عقلية وكان تقرير الاطباء انها لم تتحمل ولم تستطع تقبل تحولها من شخص عادي الى فنانة مشهورة تحلق طائرات الهيلكوبتر فوق منزلها حتى تتمكن من التقاط صورة لها. ربما جرحت نفسيته عندما بثت صورته وهو يجلد في الفاشر، ربما تضافرت عليه كل هذه الاسباب فلجا الى مواجهتها باشياء واساليب ذادت مصيبته مصيبة وجرفته بعيدا. كان يذوي امام اعيننا ولم نحرك ساكنا ولم نهب لنجدته – لا ادري حقا شيئا عن هذا الموضوع ولكن المحصلة النهائية انه مضى في عمر جدا صغير مخلفا اطفاله ووزوجاته ووالدته وكل الشعب السوداني متسربل بحزن كبير..... الله اعلم متى يفارقنا ...... اتمنى ان ناخذ العبرة من هذه القصة التراجيدية لمرض ووفاة الفنان الشاب محمود عبدالعزيز. اتمنى ان ياتي علينا وقت نتعلم فيه ان نحافظ على المبدعين ونتمسك بهم ونتركهم يتفرغوا للابداع فقط وخصوصا اذا كان هذا الابداع هو بث الفرح في نفوس الشباب المحبطين. نسال الله العلي القدير ان يرحمه بواسع رحمته ويعفو عنه ويكرم نزله وجميع موتى المسلمين.