[email protected] فى العام 1997 عندما فرضت تدريب الخدمة الإلزامية كما كنا نسميها ومازالت تسمى ه ذا لعدم إقتناع المواطيني بها ، فرضت على كل الجالسين لامتحانات الشهادة السودانية والراغبين فى دخول الجماعات ، وكانت نتيجة هذا القرار هروب آلاف الطلاب لخارج السودان ، واصبح عدد مقدر من الطلاب اصبح فاقد تربوى او ضاعت منه سنين دراسية بسبب عدم دخوله للمعسكرات، وتم أخذ بعض المجندين بالقوة لأتون الحرب فى الجنوب ، حرب لا تعبر عنهم ولا يعرفون أسبابها ، فى خضم كل هذا كان الظهور القوى لمحمود عبدالعزيز وكانت هذه السنة من أبرز سنين عطاءه الفنى ، فصدرت له 3 البومات هى ( يامدهشة – يامفرحة – فى بالى ) ، وقد لاقت نجاح منقطع النظير ، فكانت مفارقة غريبة ، فبينما يتم تجييش الشباب فى داخل المعسكرات باغانى جهادية وفيها مقاطع مثل ( أمريكا روسيا قد دنا عزابها على ان لاقيتها ضرابها – فلترق كل الدماء ) وكانت فى المعسكرات تقام ندوات تبث الاحقاد اتجاه الجنوبيين ( الكفرة) ،و وعلى الرغم من كمية الهوس والتجييش الذى كان يبث فى كل وسائل الاعلام مثل برنامج ساحات الفداء، على الرغم ان كل المساحات التعبيرية الرسمية جندت لبث ثقافة العنف والكرهية والقتل ، كان بوصلة المساحات غير الرسمية تتجه فى اتجاه آخر ، ولكم أن تلاحظوا مسميات الالبومات الثلاثة ودلالاتها فى الدعوة للحب والجمال والتمسك بالحياة ( يا مدهشة – يامفرحة – فى بالى ) ، وقتها لا تكاد تجد كافتيريا او حافلة مواصلات عامة لا تبث فيها هذه الالبومات وماحوته من اغانى ، لدرجة ان البعض يحكى ان مجندى الخدمة الالزامية كانوا يتسللون من المعسكرات للذهاب لأقرب مكان يستطيعون فيه سماع هذه الالبومات متمسكين بحبهم للحياة كان الشباب يستمع لمحمود وهو يغنى (رغم بعدى ) و( لهيب الشوق ) يعبر عن حنينهم وشوقهم لأهاليهم وأحبائهم ولمناطقهم ، (ظالمنى شوف)وهى تعبر عن ظلم وطنهم لهم ، ووجدوا فى ( عينى ماتبكى ) ملا ذا يساعدهم على التماسك فى محنتهم ، ولقوا ( الودعوة ارتحلوا ) تعبر عن شوقهم للرفاق والحبيبات ولومهم لوطن لم يسال عنهم وعما يحدث لهم، فقد تعرضوا لمعاملات دعتهم للتمرد مرارا الأمر الذي أدى لقمع تلك التمردات بفظاظة ووحشية مثلما حدث في معسكرات ود الحداد والمرخيات والجزيرة أبا وجبل أولياء والقطينة والسليت والعيلفون ، وعما حدث لرفاقهم الذين قتلوا بالرصاص بسبب تمردهم بمعسكر العيلفون في أبريل 1998، وهربوا عابرين النهر - ولعهم كانوا فى إحدى عملياتهم المسماة ب(قد السلك ) ذاهبين لسماع اغانى محمود - فواجه أهل العصبة عملية التمرد هذه بالرصاص الحى ، فتوفى في الحال 169 طالبا إما تأثرا بطلقات الرصاص أو غرقا في النهر ولم يجر النظام تحقيقا في الأمر ،فكانى بنا وقتها كنا نرسل رسالتنا عبر وسيطنا محمودلأهلنا ووطننا (ليه يعنى خلونا مارسلو وسالو) . فى العام 1998 إنتهت الخدمة الالزامية لمن إستطاع البقاء داخل السودان وكنت من المحظوظين من الذين إستطاعوا الإستمرار فى الدراسةو الدخول للجامعات ، ولكن وجدنا فى الجامعات فقرات أخرى من مسلسل بث الكراهية والعنف ومحاولات حقننا به ، دخلت كلية الهندسة جامعة الخرطوم وقتها ، وجدنا وزملائى نفس الحال من هيمنة أهل العصبة واعوانهم من الهوس على المساحات الرسمية ، فكان جمعية الدعوة والارشاد تخصص لها مكاتب فى الكليات ،وهذه يتزعمها وقتها عبدالحى يوسف وعلاءالدين الزاكى ، وكانت متاحة لهم حرية اقامة انشطتهم فى اى مكان فى الجامعة ويمنع أى نشاط آخر يحاول ان يقيمه الطلاب فى القاعات او الساحات الا باذن رسمى من الإدارة( لا يعطى لاحدفى الغالب ) فى ظل تغييب وجود إتحاد الطلاب ، فكان يقام النشاط الثقافى والسياسى عنوة بإرادة الطلاب فى ساحات النشاط التى اختاروها، لم يمر العام الدراسى لنهايته ففى العام 1999 ونتيجة حتمية لبث الكراهية والعنف فى الجامعة وقعت حادثة حرق معرض الكتاب المقدس الزى اقامه الطلاب المسيحيين فى ساحة نشاط كلية العلوم ، حيث أصدر الهوس بقيادة عبدالحى يوسف بيان يدعو فيه لوقف المعرض وان هذا يخالف شرع الله فى ظل دولة اسلامية ، وبعدها قام عبدالحى بقيادة جموع الهوس لحرق المعرض ووقعت اشتباكات ليومين متتالين مما كان سيؤدى لحدوث فتنة دينية كبرى وخروجها للشارع لولا تدخل القوى السياسية المعارضة وقتها لنزع فتيل الأزمة وتهدئة خواطر المسيحيين ، وفى نفس السنة اغتيال الطالب محمد عبدالسلام بسبب دفاعه عن حقوق الطلاب فى توفير السكن اللائق لهم فى داخليات الجامعة ، وشهد العام الدراسى 1999– 2000 أحداث العنف التى وقعت بين طلاب مؤتمر الطلاب المستقلين ورابطة الطلاب الاتحاديين من جهة وطلاب الهوس الدينى وتحالفهم مع طلاب المؤتمر الشعبى من جهة أخرى ا لذين ظهروا بعد حدوث الانقسام من الوطنى، وكان وقتها ما يزال طلاب الشعبى يستولون على جامع الجامعة ، والذى كان وما زال بمثابة مخزن الأسلحة التى يستخدمها طلاب المؤتمر الوطنى فى احداث العنف وتوجد فيها مكاتب لجهاز الأمن ، من الطرائف انه عند بدء هذه الاحداث قامت احدى صديقاتنا من طالبات الشهادة العربية فى كلية الاسنان وكانوا وقتها يدرسون سنتهم التمهيدية فى كلية العلوم ، قامت بالتوجه لجامعة الجامعة ظنا منها- ويفترض - أنه سيكون الملاذ الآمن لها ، وكانت مفاجئتها بان أدوات العنف من سيخ وملتوف تخرج من الجامع فلاذت بالفرار من الجامع ، فالجامع بمثابة معسكر يستحدمه أهل الهوس فى معاركهم ضد الآخرين فى أى زمان وأى مكان، وكانمن ضمن هذه الاحداث التعدى بالضرب على أحد زملائنا فى كلية الهندسة بسبب رفضة إخلاء الجامعة لطلاب الهوس ورفضه لطلبهم بان يقول ( لا إله الا الله ) باعتبارها بمثابة تاكيد لايمانه بالله لديهم وكانما هم يمثلون الله فى الارض وأنه قد ارسلهم ليتاكدوا من إيمان الخلق ، فى ظل هذه الاجواء التى كنا نعيشها قام محمود عبدالعزيز باصدار البومه ( من درر الحقيبة 1) وا لذى لاقى نجاح منقطع النظير ، وكان يحتوى على اغانى موغلة فى الحسية اللطيفة لاهل الحقيبة فكان يحتوى على :الأهيف (ندك عبير فياح وقوامك المياح - وحياة خديك وجيدك وطريفك المكسور ) ، مساء الخير ( ياجميل الحبك شغل الضمير) ، ناعس الاجفان (لو مرَّ نسيم .يتمايل غصنك- الأعين تفعل فعل المكسيم ) إجلى النظر( داعجة ومكحلة ) ، وفيه أغنية الحجل بالرجل وكانما كان يعبر عن نفسه فيها (يا مسافر براك شاقي المفاذة بليل) فهو الفارس الوحيد الذى كان يشق ليل الهوس لينير لنا نفوسنا بحب الجمال و الحياةفى زمن زرع الموت والكراهية فى أرض السودان ، وأذكر وقتها انه اتانى احد اصدقائى عند سماعه للالبوم وكان قد اصدر بعد غياب لمحمود عن اصدار الالبومات لفترة تقارب السنة عدت للجمهور طويلة وكان بعض النقاد يرون ان محمود ظاهرة قد ماتت ، جاءنى صديقى وقال لى فيما معناه ان محمود قد ألجم كل الناس وخصوصا خصومه بهذ ا الاليوم فقد كان وقتها يواجه بحرب شديدة فى الصحف وللدرجة التى اصدر عليه وقتها احد الصحفيين لقب هناق وكانت تصدر الكاركتيرات وتشبه محمود عبدالعزيز بالحمار، هذا الالبوم يمثل علامة فارقة فى تاريح محمود الفنى فهو قد عرًف الشباب بتراثهم مما كان له ابلغ الاثر فى التمسك بوطنيتهم وجعلهم يتمسكون بحب الحياة والجمال بعد الهزة التى تعرضوا لها فى معسكرات الخدمة الالزامية ، ورفضهم لواقع يحاول تدجينهم وطمس أنسانيتهم بكل الوسائل فى ظل عدم قدرة قاد العمل السياسى على تغيير هذا الواقع المر . ختاما أقول ان محمود فى نظرى مثل إنتصار حب الجمال و الحياة على ثقافة الكراهية والموت ، قام بهذا عبر المنافذ التى اتيحت له فى ظل هيمنة الهوس على كل المنافذ الرسمية . وليد النقر [email protected]