خبر وجود (316) موظف حكومي في كشف الرواتب و الأجور, رغم أنهم قدموا إستقالتهم و تركوا العمل منذ مدة طويلة, هو خبر يثير عدة علامات إستفهام : أين المراقب المالي ؟ و أين المراجعة الداخلية و الخارجية ؟ و أين المحاسبة عن هذه التجاوزات ؟ مثل هذه الممارسات الخاطئة, ليست حديثة, و إنما تحدث منذ زمن بعيد. لكنها لم تكن بهذا الحجم و هذه الصورة اللافتة للنظر. و كانت في معظمها, تشير إلي تواطؤ يحدث بين الموظف و جهاز الرقابة, في بعض المصالح الحكومية. سمعنا عن الموظف الذي يسلف زميله ( حق السماية ) من الخزينة العامة. و سمعنا عن الموظف الذي يسلف زميله ( حق العيد ) علي أن يسدد السلفة, فور إستلامه لراتبه. كما سمعنا عن بعض الموظفين الذين إستغلوا المال العام الذي في عهدتهم و فتحوا أكشاك في السوق. و رغم أن بعض هذه الممارسات يبدو إنساني, لكنها تعني تجاوز للوائح الرقابة و الضبط المالي, و هي سلوك يدين مثل هذا الموظف, في حالة إكتشافه. مثل هذه الممارسات, قديمة و تحدث في كل المجتمعات بإسلوب أو آخر, فالتجربة الإنسانية واحدة. و منذ أيام كنت أقلب في الشبكة و قرأت خبراً عن إكتشاف عدد 17,000 موظف وهمي Ghost employees في كشف الرواتب و الإجور, لدي أحد الشركات, في أحد الدول الأفريقية . و في بلد آخر, إكتشفوا وجود عدد 43,000 موظف وهمي في كشف الرواتب و الإجور. و رغم أن هذه الأرقام يبدو مبالغ فيها, إلا أنها تشير إلي إنفراط عقد الرقابة في هذه الدول التي يعشعش فيها الفساد. و بمعني آخر, أن الفساد أصبح آلية من آليات إدارة جهاز الدولة, أي أطعم الفم , كي تستحي العين و تغض الطرف عن ما يحدث من عبث. و يعني هذا السلوك, أن الفساد أصبح ثقافة و طابع مميز لسلوك المواطن, في هذه البلاد الأفريقية التي إبتليت بحكام جهلاء و فاسدين. و ما دام أن رب البيت فاسد, إذن ستكون شيمة الآخرين التخلق بأخلاقه. و من الأخبار المحيرة, خبر ( مواطن يسحب نقود مزورة من صراف آلي ). جاء في, الخبر أن الحدث وقع في وسط الخرطوم منذ أيام خلت. و الذي يحير المرء, أن الصراف الآلي ذاته فاشل, أو ربما تم تعطيل وظيفته في التحقق من صحة النقود. و من المعلوم, أن هذه الأجهزة تعمل وفق تقنية عالية, فهي تعمل علي التحقق من صحة النقود, قبل إيداعها أو سحبها من الجهاز, أي هي ترفض النقود المزيفة Fake money. و إذا تأكد صحة هذا الخبر, فهذا يعني أن ذاك الذي كان يمارس التلاعب يدوياً, لجأ إلي إسلوب آخر ليمارس تلاعبه و يضر بمصالح العملاء. من السوابق القضائية الشهيرة و التي تشير إلي نشوء التلاعب في حالة ضعف أو إنعدام الرقابة , قضية شركة Mckesson & Robbins ,1939 وهي من شركات الأدوية الكبيرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية. لم يكن من واجب المراجعين حتي ذلك الزمان , أي حتي عام 1939م, أن يعملوا علي ملاحظة جرد المخزون, بل كانوا يكتفون بفحص السجلات التجارية. عمل محاسبو هذه الشركة, علي تضمين مبلغ 19,000 مليون دولار كأصول وهمية في قائمة المركز المالي و هو رقم يمثل ربع قيمة الأصول في الميزانية. و من هذا الرقم مبلغ عشرة مليون دولار, تمثل مخزون لا وجود له. و منذ إثارة هذه القضية , أصبح من مسئوليات المراجعين, ملاحظة جرد المخزون و المصادقة علي حسابات المدينين. إن التجربة الإنسانية واحدة كما قلت, و أن الإنسان يحمل بين جانبيه عنصري الخير و الشر. و مهما إبتدع الإنسان من تقنية ليحد من مثل هذه الممارسات الخاطئة, لكن لن يعدم الآخر الحيلة ليتلاعب , ما دام أن نفسه أمرته بالسوء. لكن تبقي وسيلة أخري لتحد من التلاعب, هي الرقابة. دون هذه الرقابة, سينفرط العقد و سيحدث الإنهيار. [email protected]