راعي أبقار صاحبي.. يتعامل مع الأبقار كأنها جزء من كيانه.. فهي تمثل عالمه الخاص جداً.. يعرف معاناتها وآلامها وإرتياحها وبخبرته المتعمقة يشخص أمراضها ويعرف مداواتها.. ويتألم إذ تتألم.. مرضت في المزرعة البقرة الصفراء.. إنزعج صاحبها أتى بالطبيب البيطري المشهور.. حاول مع البقرة.. كان الراعي ينظر شذراً لهؤلاء العلماء ويكتم غيظاً صاح فيهم: (يا جماعة الخير البقرة دي خلوها لي دايرة ليها عطرون) لم يستمعوا إليه.. أعطاها الدكتور حقنة بالوريد وكينين بالدرب لغاية ما حصلت مناسك أوهاج ذات الأعوام الستة التي إغتالتها قرارات الوزير مأمون حميدة.. المهم أن البقرة ماتت وهم وقوف حولها.. إستل الراعي سكينة من ذراعه قذف مافي صدرها أمام الدكتور ومضى.. دهش الدكتور من هذا الدرس في علم التشريح.. وتأكد من الحاجة الماسة لمشرحة.. عندما مرضت البقرة الثانية بذات الأعراض أعطاها الراعي العطرون ووسط دهشة صاحبي شفيت البقرة.. ففي الوقت الذي يجيد راعي البقر فكرة أهمية علم التشريح يصر أستاذ الباطنية وزير صحة حكومة الخضر على إزالة مشرحة الخرطوم ونقلها إلى مستشفى بشائر وهنا تتدافع التساؤلات.. فالوزير المحترم قد أقام معهد الطب العدلي.. وكون له مجلساً ولكنه لم يقم بنشر هذا المجلس وتكوينه ومهامه وما يخدمه برغم غرامه الشديد بالإعلانات الصحفية التي يدفع من مال الوزارة قيمة إعلان كل رسالته أن الموظفين الذين عيّنهم سيقابلونه ليهنؤهم بالعمل؟! أما هذا المجلس فإننا سننقب حتى نعرف.. رغم أن أصحاب الشأن قد قالوا أنه عمل جيد ولكننا مع موافقتنا على ما ذهبوا إليه إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه هل أن تقيم معهداً للطب الشرعي معنى ذلك أن تزيل مشرحة الخرطوم التي تخدم قطاعاً عريضاً في الجانب التعليمي والإحصائي والجنائي؟؟ أليس راعي البقر الذي عرف أن العطرون يزيل دوالي الحلق أليس هو نوعاً من نتاج خبرات التشريح؟! ووفياتنا الغامضة ألا تحتاج للمشرحة حتى نعرف بماذا نموت؟! ثم إن المستشفى التعليمي كيف سيكمل رسالته بدون وجود مشرحة للأغراض العلمية؟! والبروف نفسه ألم يكون أحد رواد هذه المشرحة التي عمل على إزالتها؟! ثم دور المشرحة الأهم أليس هو لحصر الأمراض وليس الحوادث الجنائية فقط؟! وحتى في حال رفض اهل الميت للتشريح ألا يشكِّل في حقيقته دفناً لأسباب الوفاة مع الميت؟! وبعد كم من الزمن سنلحق بالعالم إذا لم تكن في كل مستشفى مشرحة تكشف الأسباب غير المباشرة للوفاة؟! بروف حميدة أراد أن يقول بإزالته لهذه المشرحة أن دورها يقتصر على حفظ الجثث مجهولة الهوية فقط.. وهذا منطق أقرب لمنطقه حين قال: (نحنا بعنا الأرض أم المستشفى) فإختزال المفاهيم بهذه السرعة تشير إشارة ما أحببنا أن نرسلها للسيد الوزير؟! إن البروف حميدة وهو يمضي في مسيرته القاصدة نحو تدمير القطاع الصحي إنما يفعل فعلاً لم يسبقه عليه أحد في الغابرين.. فهو بالأمس ترك حوادث الأطفال القديمة أثراً بعد عين.. وهو اليوم بدأ بإزالة أنقاض المشرحة.. ونحن نكتب ونعرف أنك (اسمعت إذ ناديت حياً ولكن لا حياة لمن تنادي) والبروف يغلق ويدمر.. ويفعل ما يعن له ليلاً لينفذه نهاراً.. وليته فيما ينفع الناس.. فلا المجلس التشريعي يقول: توقف أيها الوزير إنها مشرحة الشعب؟ أو توقف أيها المستثمر إنها مستشفى أطفال جعفر بن عوف.. المختص الوحيد بأطفال السودان.. ولا نخبة تقف في وجهه وتقول: كفى أيها الوزير إنها أملاك أمة.. والمواطن المغلوب على أمره لا يعطونه المعلومات.. فقط سيكون مستشفى مرجعي؟! حديث مفخخ ومضخم والمؤامرة تسير على شعبنا سيراً حثيثاً تحت لافتة (نحن بعنا الأرض أم المستشفى؟!) أدركوا الصحة.. فهاهو راعي البقر قد حسم أمر المرض.. فلا تدعوا المشرحة تلحق بما لحق بحوادث مستشفى جعفر بن عوف للأطفال تحت وطأة ومطامع والقلم الأخضر الذى يمسك به البروف حميدة. جريدة الجريدة 7/2/2013م سلام يا وطن حيدر أحمد خير الله [email protected]