كسلا الموقع .. لم يسعدني الحظ بزيارة كسلا ، الا لمدة خمسة أيام في عام 2000 حاصرتني فيها دعوات اعلاميها في الاذاعة والتلفزيون المحليين هناك واتحاد طلاب جامعتها ببرامج أخجلت تواضعي باهتمامهم الزائد وغير الغريب في اكرام زائريها ، وقد حال عمر الزيارة القصير دون تغطية كل مساحات جمال تلك المدينة التي ترقد كنقوش الحناء عند أقدام الجبال ، وتتوسد خضرة الطبيعة في خفر وخدر العذارى . غير أن ذلك لا ينفي معرفتي لتفاصيل ملاحة كسلا منذ نعومة الأظافر ، وهي ترسل لنا من على البعد في نفحات شبالها كل ما جادت به قريحة المبدعين من عصارات عطر مواهبهم المفعمة بالعشق االمترف هياما بها انسانا ومكانا . منظر من كسلا... كسلا التي أشرقت بها شمس وجد توفيق صالح جبريل ، فهي في الحق جنة الاشراق ، وهي التي تمازج فيها حس صديقي اسحق الحلنقي مع نبضات تؤام روحي التاج مكي وقد تسارعت بحب كسلا لأجل عيون نامت في ثنايا دلا لها ، وأسهرت الشاعر المتيم بحمى القصيد في تناغم فريد مع لحن المغني العاشق ! وكثيرون هم من نقلونا بقطار الشعور لنتفيأ ظلال تلك اللوحة الطبيعية التي رسمتها يد الخالق نعمة للناظرين وقبلة للزائرين! وكسلا المبدع .. بالأمس كان اللقاء مترعا بالذكريات في النادي السوداني ، بمدينة العين ، أخت كسلا في المقدرة على خلب الألباب بطيبة ألأهل وجاذبية الروعة ، حيث استضاف ملتقى النيلين الثقافي الكابتن والدكتور محمد حسين كسلا الذي شّرف الرياضة داخل السودان وخارجه ، فنقلها من مربع الفرجة واللهو وتزجية الوقت خارج البيوت ، الى مدرسة اخلاقية لبناء الروح والجسد معا ، فتجلى العلم وتعدد المواهب واحترام الذات في تكوين شخصيته كانسان قبل ان يكون لاعبا مثاليا أو طبيبا مثقفا ! وثمثل ذلك في عدم حصول ذلك الفتى في كل سنوات ركضه الممنهج داخل المستطيل الأخضر ، لا على بطاقة حمراء ولا حتى صفراء ! فحق له أن يكتب على صفحات تاريخه الناصعة ، كتابا أسماه ( محطات في حياتي ) حيث تمددت لحظات تدشينه له في ليلة أول البارحة الى محاضرة تكمن قيمتها في السرد المبسط والمباشر دون تجمل أو اعطاء النفس براحات من الحديث حولها الا وفق حقائق صاغها الرجل بسلاسة يغلفها صدقه المعهود كما عرفته صديقا يرتفع مقامه في أعين الناس كلما زاد تواضعه في محاولة تحجيم عطائه المشهود له بالعظمة ، ففتح كل ذلك شهية المتداخلين ، حتى تمنّى الجميع أن يتباطأ ذلك الليل و يحبو طفلا حتى مشرق صباح اليوم التالي ! حقا انه فتى لله دره ، فمالغريب في ذلك طالما انه واحد من خيوط شموس كسلا التي ترتمي كل صباح بجدائلها المضمخة بالعبق الطيب على هامات جبالها الشماء فترسل عطائها مفردة ونغما عناقا لكل أهل الوطن ، مثلما تتراقص أحياوها تثنيا في مساءات أفراحها ، بعد أن يهدأ غبار عصريات ميادينها العامرة بتجمعات أهل الكرة ..اذ ينتظرها الغد على مدرجات الأمل لترفد السودان بالنجوم من الطراز المثالي كمحمد حسين كسلا، سلوكا ولعبا وخلودا في ذاكرة التاريخ ..التي لا تكذب سجلاته ولاتعرف النفاق . محمد عبد الله برقاوي.. [email protected]