تدخل أزمة دارفور عامها العاشر دون أن يظهر أي ضوء في نهاية النفق ومع عدم وجود بوادر لحلول منطقية ونهائية وشاملة للأزمة وتداعياتها الكثيرة ومنها الوضع الإنساني المتدهور في معسكرات النزوح واللجوء ، في الوقت الذي لاتزال فيه الأوضاع علي الأرض كماهي دون حدوث تقدم ملموس رغم أن حدة الصراع قد خفت في بعض أنحاء الأقليم كماتقول بعض وكالات الأممالمتحدة يشهد منبر الدوحة التفاوضي إنتاج اتفاق جديد يضاف إلي جملة من الاتفاقات والتعهدات وإبداء حسن النوايا ذكرت وسائل الإعلام أن الحكومة السودانية وجماعة متمردة منشقة في دارفور وقعتا اتفاقا لوقف إطلاق النار برعاية قطر في محاولة جديدة لإحياء عملية سلام متجمدة من أجل إنهاء صراع دائر منذ عشر سنوات. تري الحكومة السودانية أن اتفاق وقف العدائيات الذي تم توقيعه بين الحكومة السودانية وحركة العدل والمساواة بالدوحة مؤخرا "خطوة صحيحة" باتجاه إرساء دعائم السلام الشامل بدارفور. وبالمقابل تري قيادات دارفورية أخري أن اتفاق وقف العدائيات لن يحدث أي تغيير جوهري في بنية الأزمة الدارفورية بل ستعمل علي إعادة إنتاج الفشل الذي ملازماً لمسار العملية السلمية في الأقليم. وكانت المحاولات الفاشلة في مسيرة الأزمة تعول علي القوة الميدانية للحركات وتسعي الوساطة إلي جذب الحركات المؤثرة عسكرياً إلي طاولة التفاوض دون الإنتباه أن مثل هذا التوجه يفرخ المزيد من الحركات المسلحة وضاعت الكثير من معالم القضية وكلما وقع فصيل يقال أنه قوي مسيطر علي الأرض أفرز الواقع المعقد فصائل أخري قادرة علي تهديد الأمن والسلم في الأقليم وفي ذات المسار والرؤية المسيطرة علي طريقة الحل والتفكير لدي فرق الوساطة والحكومة السودانية جاءت تصريحات محمد يوسف التليب وزير مجلس شئون السلطة الإقليمية لولايات دارفور حيث قال: "أن التقدم الذي تشهده المفاوضات بين الحكومة وحركة العدل والمساواة ينصب في مصلحة أهل دارفور و أن حركة العدل والمساواة بقيادة محمد بشر تعد قوة ميدانية وعسكرية لا يستهان بها، وانخراطها في السلام يشكل قاصمة ظهر لبقية الحركات الرافضة وعلى رأسها مجموعة جبريل إبراهيم ". يقول المحلل السياسي محمد علي جادين الرؤية المتبعة من قبل الوسطاء هي التفاوض مع الفصيل الاكثر تواجداً في الارض وذلك بالاتفاق معه على وقف العدائيات اولاً ثم إلحاق الفصائل الاخرى بالعملية التفاوضية، و تكمن خطورة هذه الرؤية في انها يمكن ان تعيد انتاج أزمة أبوجا بكل تفاصيلها وربما بتعقيدات اضافية. ويخشى عدد من المراقبين ان يمضى قطار الدوحة في سكة ابوجا ويصطدم بذات العقبات وتتبع الوساطة سياسة نظام المراحل بحصر التفاوض في المرحلة الاولى بين الاطراف المؤثرة في الميدان للمساعدة في وقف العدائيات وتهيئة الاجواء من جهة ومن جهة أخرى قطع الطريق امام بعض الفصائل التي تتكاثر بصورة اميبية ورغم أن هناك من يعتقد بصحة هذا المنهج التفاوضي إلا مسار العملية السلمية رغم تطاول أمدها لم تفرز نتائج إيجابية ملموسة وحاسمة. ومع تطاول أمد الصراع تدخل عناصر جديدة إلي ملف الأزمة وتزيد من تعقيد الأزمة وكانت وسائل الإعلام قد أشارت إلي توجه مجموعات من الإسلاميين الهاربين من مالي إلي دارفور ورغم عدم وجود تأكيد لهذا الخبر من جهات محايدة وموثوقة تظل مثل هذه الأخبار تشكل مصدر قلق وإزعاج للممسكين بملف الوساطة. وقال شهود عيان ومواطنون بمدينة كتم عن دخول مجموعات كبيرة من المتشددين الاسلاميين الفارين من مالي الى دارفور ، واقامتهم في ثلاث مناطق حول مدينة كتم ، مما خلق حالة من الرعب والخوف في نفوس مواطني المدينة والمناطق المجاورة. وتطل الأزمة الانسانية المصاحبة للصراع في دارفور بوجهها و دعت العملية المختلطة للاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة في دارفور (يوناميد) إلى تحسين إمكانية الوصول إلى عشرات الآلاف من النازحين بسبب القتال الذي دار مؤخراً بين القبائل في مناطق التنقيب عن الذهب في ولاية شمال دارفور في السودان. وكان القتال قد اندلع في مطلع شهر يناير بين قبائل الرزيقات وبني حسين الشمالية من أجل السيطرة على مناجم الذهب في منطقة جبل عامر، وذكر مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أن 100,000 شخص على الأقل قد نزحوا أو تضرروا بشدة جراء القتال الذي خلف أكثر من 100 قتيل. وأشار مسؤول المعلومات والتقارير في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الخرطوم، داميان رانس، خلال حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية (إيرين) إلى أنه "من غير الواضح في هذه المرحلة طول فترة النزوح التي من المرجح أن يقضيها النازحون من منطقة جبل عامر؛ فالمنطقة لا تزال غير آمنة وتم تدمير أكثر من 120 قرية. وعلى الرغم من أن انعدام الأمن لا يزال يعيق الوصول إلى المتضررين، فقد تمكنت المنظمات الإنسانية من إيصال أكثر من 600 طن من المواد الغذائية إلى المجتمعات المتضررة، لكنها لم تتمكن من إرسال بعثات تقييم شامل لقياس حجم الاحتياجات بدقة. وقال خبير الأممالمتحدة المستقل عن وضع حقوق الإنسان في السودان، البروفيسور ماشود أديبايو بدرين، في ختام زيارته الثانية للسودان عن دارفور:( فإن ملاحظتي التي استندت على إحاطات اليوناميد وأصحاب المصلحة الآخرين هي أنه وعلى الرغم من أنه لا يزال الوضع الأمني وحقوق الإنسان في حاجة ماسة الى تحسن). وتظل الأزمة في دارفور أعمق من مجرد حلول خارجية جزئية ولجان اقليمية ودولية تمسك بالملف في غياب الإرادة الوطنية السودانية وغياب الكثير من أصحاب المصلحة الحقيقية في حل شامل للأزمة ينطلق من منصة وطنية لكل الأزمة السودانية. [email protected]