في محاولة أخيرة لوضع نهاية للصراع في اقليم دارفور الملتهب منذ العام 2003 وقعت الحكومة وحركة العدالة والتحريرالتي يتزعمها التجاني السيسي امس بالعاصمة القطرية الدوحة وثيقة سلام دارفور التي أُقرت بموجب( المؤتمر الموسع لأصحاب المصلحة ) المنعقد في مايو المنصرم، وذلك تحت رعاية الوساطة القطرية والوسيط المشترك للاتحاد الافريقي والأمم المتحدة ،غير ان توقيع الدوحة جاء في غياب اللاعبين الاساسيين في المشهد الدارفوري بعد رفض حركات دارفور الاخرى للاتفاق جملة وتفصيلا على اعتبار ان الاخير لن يعالج الأزمة وإنما يطيل من معاناة المواطنين في دارفور، واصفة التوقيع مع حركة التحرير والعدالة لايعدو عن كونه فرقعة إعلامية مرحلية لن تغير في الواقع على الأرض في دارفور. ويحتل اتفاق الدوحة الترتيب الثاني عشر ضمن سلسلة الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة والحركات المسلحة بدارفور ابتداءً من مبادرة تشاد التي سعت لاقناع تلك الحركات بالجلوس الى طاولة المفاوضات حيث عقدت اولى جولات التفاوض في العام 2003م في مدينة ابشي التي ارست اللبنات الاولى في مسيرة التفاوض بين الحكومة والحركات المسلحة اعقبتها مبادرة الاتحاد الافريقي لوقف اطلاق النار بموجب اتفاق انجمينا برعاية مشتركة مع تشاد في 2004م وكونت بموجبها مراقبة بجهد افريقي ودعم لوجستي من الشركاء وتولى الاتحاد الافريقي الوساطة بين الحكومة وحركتي العدل والمساواة وتحرير السودان بفصيليها حيث تم التوصل لاتفاق اعلان مبادئ مع الحركات المسلحة في ابوجا في يوليو 2005م ثم تم التوصل الى اتفاق ابوجا للسلام في دارفور في مايو 2006م بين الحكومة وفصيل حركة تحرير السودان بقيادة مني اركو مناوي ولكن نتيجة لتعنت الحركات التي لم توقع على الاتفاق ولحالة الجمود التي اعقبت الاتفاقية تعثرت العملية السلمية وانقسمت الحركات المسلحة وازدادت مواقفها تصلبا مما دعا الى اطلاق مبادرات عديدة لانعاش عملية السلام من بينها وساطة جديدة بين الاممالمتحدة والاتحاد الافريقي، الا انها هي الاخرى فشلت لاصطدامها بمواقف الحركات المتصلبة وانقساماتها . وفي عام 2008م جرى اتفاق في اجتماع المجلس الوزاري للجامعة العربية على اطلاق مبادرة عربية افريقية دعما للسلام وتوسعت عضويتها وتم الاتفاق بين الاطراف المختلفة على ان تجري مفاوضات السلام بين الحكومة والحركات في العاصمة القطرية الدوحة ، ووفقا لذلك انعقدت اول جولة للتفاوض في اطار هذه المبادرة في فبراير 2009م بين الحكومة وحركة العدل والمساواة في غياب الحركات الاخرى وافضت المفاوضات الى اتفاق لتأكيد حسن النوايا تمهيدا للمحادثات وتم الاتفاق على عدد من البنود كتبادل الاسرى واطلاق سراح المسجونين وغيرها ،كما اتفق الطرفان على ابرام اتفاق لوقف العدائيات وتواصلت الجهود وتم التوصل الي اتفاق اطاري مع العدل والمساواة في فبراير 2010م جرى اعتماده في الدوحة وكان من المأمل التوصل لوقف اطلاق النار والفراغ النهائي من الاتفاقية النهائية في غضون اسبوعين غير ان الحركة رفضت واشترطت ان ينحصر التفاوض بينها وبين الحكومة باستبعاد الحركات الاخرى، كما اشترطت تأجيل الانتخابات ورفضت التوقيع على وقف اطلاق النار واعلنت انسحابها من الدوحة وهاجمت القائمين عليها. وبرغم انسحاب حركة العدل والمساواة الا ان مفاوضات الدوحة اثمرت عن شريك رئيسي في المفاوضات هي حركة العدالة والتحرير التي وقعت مع الحكومة اتفاقا اطاريا في 18 مارس 2010 بموجبه تم التوقيع على وثيقة الدوحة التي يصفها المراقبون بانها تطوير لاتفاق ابوجا، وجاءت الوثيقة في سبعة فصول تضمنت حقوق الانسان وتقاسم السلطة وتقاسم الثروة والموارد القومية بجانب التعويضات وعودة النازحين واللاجئين والعدالة والمصالحة ووقف اطلاق النار الدائم والترتيبات الامنية وآليات الحوار. وبرغم الهالة الاعلامية المحيطة بوثيقة الدوحة الا انه يواجه معارضة عنيفة من الحركات المسلحة الرئيسية في الاقليم (وسيكون اضافة لقائمة الاتفاقيات الجزئية التي اثبت فشلها، في اشارة الى اتفاق ابوجا المنهار) كما ذكر رئيس حركة تحرير السودان عبد الواحد محمد نور وأكد نور ان اتفاق الدوحة الذي وقع يضاف لقائمة التوقيعات التي تنتهي بإنتهاء المراسم داعيا النازحين واللاجئين، وأهل دارفور لرفضه ومقاومته. وأكد ان المطلوب الآن هو الأمن ونزع سلاح المليشيات، والعمل معا لاسقاط النظام. من جانبها وصفت حركة العدل والمساواة الاتفاق بالمولود الميت قبل ان تعلن رفضها التوقيع على اتفاق جزئي مع الحكومة لأنه لن يعالج الأزمة وإنما يطيل من معاناة المواطنين في دارفور، وقالت الحركة على لسان أحمد تقد في مؤتمر صحفي شاركت فيه مجموعة من قيادات حركة العدل والمساواة في الدوحة، إن «التوقيع مع التحرير والعدالة لايعدو عن كونه فرقعة إعلامية مرحلية لن تغير في الواقع على الأرض في دارفور». وأكد «تقد» في الوقت نفسه التزام الحركة بالسلام «الذي يمثل الخيار الإستراتيجي لحركة العدل والمساواة وظلت تبحث عنه منذ بدء الحرب وتحرص على التسوية السياسية لعلمها أن الحرب ليست الخيار الأنسب في تحقيق السلام». وأوضح أنهم» يسعون إلى السلام الشامل الذي يخاطب جذور المشكلة ويضع حداً للتهميش في السودان ويشكل حلاً يضمن توقيع الجميع عليه ويجد التأييد التام والمباركة من أهل السودان». واتهم تقد الحكومة السودانية بأنها قد سعت «طوال فترة التفاوض مع الحركة إلى وضع العراقيل أمام العملية التفاوضية والتحايل لتفادي أي منهج جاد يمكن أن يقود إلى سلام حقيقي». وأضاف أن الحكومة قد «سعت لوأد القضية عبر واجهة حركة التحرير والعدالة التي تم صنعها وتجميعها وتركيبها في الدوحة لتكون ترياقاً مضاداً لسقوفات قضية شعبنا وحقوقه العادلة»وقال إن العدل والمساواة قد أبلغت الوساطة خلال الايام القليلة الماضية رفضها « لمسلك الوساطة لتسويق الوثيقة»، واعتبرها محاولة من الوساطة «إلى حمل الحركة على القبول بالأمر الواقع» ومضى الى أن اتفاق الدوحة «حل شكلي تبحث عنه الحكومة السودانية وهذا ما لن يحقق السلام في دارفور». على خلاف ذلك ترى الحكومة ان حركات دارفور غير جادة في التوصل الى تسوية لازمة الاقليم قبل ان تحذر من شخصنة سلام دارفورواختزاله في فلان وفلان مؤكدة مرارا وتكرارا بان الوثيقة الموقعة بالدوحة هي المادة الاساس للحوار السياسي بدارفور وسيكون الباب مفتوحا امام الحركات لمدة 3 اشهر للانضواء تحتها لأن الدوحة ستكون آخر المنابر التفاوضية . ويذهب كثيرون الى ان الوثيقة حسمت القضايا الخلافية المتعلقة بالتعويضات ومشاركة دارفور في مؤسسة الرئاسة الا ان بعض المراقبين يرى بان تعدد منابر التفاوض عقّد الازمة وزاد من ضبابيتها، ووفقا للباحث السياسي غانم سليمان غانم فان الغموض يلف منصب النائب الأول للرئيس الذي سيخلو بانتهاء سريان اتفاقية السلام الشامل ووقف العمل بالدستور الانتقالي فى 11 يوليو 2011م، وتابع بان الوثيقة لم تحدد صلاحياته بشكل واضح كما لم توضح بدقة المسؤوليات الاساسية للمستشارين وكبير المساعدين، وتساءل سليمان في مقال له في موقع سودان نايل الإلكتروني عن الكيفية التي سيتم بها تعيين مرشح دارفور نائبا للرئيس هل سيكون مثل بقية نواب الرئيس ام نائبا اول وبأية مرجعية دستورية وهل ستكون اختصاصات وصلاحيات النائب الاول كما ورد في اتفاقية نيفاشا التي وصفها بالصماء لانها لا تقبل اي تعديل الا بموافقة طرفي نيفاشا. اتفاق الدوحة تجديد للازمة الا ان المتحدث باسم وفد الحكومة المفاوض عمر آدم رحمة قطع بأن مسألة تعيين نائب الرئيس تعتبر من السلطات الحصرية لرئيس الجمهورية ،مشيرا الى ان وفد الحركة سيعود الى الخرطوم عقب التوقيع للمشاركة في كل مستويات الحكم الاتحادي والولائي وفق ماهو منصوص في الاتفاقية . وكانت الحكومة قد وافقت في وقت سابق على تعيين نائب للرئيس من دارفور لاستكمال الدورة الانتخابية الحالية دون تضمين ذلك بالدستور الا ان هذا الاقتراح ووجه باعتراض من رئيس الجمهورية لانها خطوة تؤدي الى تفتيت البلاد حسب وصفه . واعتبر الباحث السياسي والمهتم بالشأن الدارفوري منتصر ابراهيم الزين ان فرص نجاح الدوحة ضعيف مقارنة باتفاق ابوجا مبينا ان حركة التحرير والعدالة مجموعة ليس لها قواعد وهو ما يبرر حشد الرأي العالمي الذي فرضته الحكومة للاتفاقية، ورأى الزين في حديث للصحافة ان اتفاق الدوحة سيدخل الحكومة في مأزق لاسيما فيما يتعلق بالالتزامات المالية في ظل تداعيات انفصال الجنوب، واستبعد ان يكون منبر الدوحة آخر المنابر التفاوضية مشيرا الى ان المسرح السياسي الدارفوري سيشهد من جديد مفاوضات جديدة وظهور مفاوضين جدد، وتوقع الزين تصعيدا عسكريا من قبل حركات دارفور الرافضة في الفترة المقبلة، وطالب بتقديم بدائل عملية لحل الازمة وتهيئة المسرح السياسي لإحداث تغيير في دارفور من خلال الضغط على الاطراف المدنية بوقف الدعم السياسي للحركات المسلحة والانحياز للجانب السلمي.