تلقّت عصابة المليشيا السياسية بجنيف وعداً قاطعاً بتحويل المبالغ المطلوبة من دبي    ترمب يؤدي رقصته الشهيرة أمام الجنود الأميركيين بقاعدة "العديد" العسكرية في قطر – فيديو    ترامب: نؤمن بالسلام عبر القوة ونريد أن ننجح بالمفاوضات مع إيران لتحقيق سلام مستدام    برنامج الغذاء العالمي يعلن عن توجه قافلة من المساعدات الإنسانية لمدينة الفاشر    إسرائيل مستاءة من تجاهل ترامب لزيارتها.. بداية جفاف تاريخي؟    رفض واسع لاستقالة رئيس نادي الأهلي الحواتة محمد بلة    الوجود الأجنبي    الميليشيا تستخدم مطار حجر كوكاية لاستقبال الدعم من رعاتها الإقليميين    الخامة موجودة لكن ترزية مافى ( 2 – 2 )    أغلطوا إنتو يا حلوين نجيكم نحنا بالأعذار    والي الخرطوم ووزيرة الصناعة يتفقدان عددا من المصانع التي إستئنأفت نشاطها بالخرطوم والوالي يصف الخطوة بالمهمة للمساعدة في الإعمار    والي الخرطوم ووزيرة الصناعة يتفقدان عددا من المصانع التي إستئنأفت نشاطها بالخرطوم والوالي يصف الخطوة بالمهمة للمساعدة في الإعمار    ألفاظ مشتركة بين أهل السودان والخليج (1–2)    شاهد بالفيديو.. التيكتوكر السودانية الشهيرة خديجة أمريكا تظهر في مقطع حديث مع زوجها "حامد" وتتغزل فيه: (عسلي وقلبي الله يخليك ليا وتشيل العليا) والأخير يرد عليها: (كل شيء بيد الله)    ماذا تعرف عن الفنان الراحل محمد فيصل الجزار؟ درس بالقاهرة وتزوج من شاعرة.. يعشق نادي الهلال وما هي علاقة لقبه بكرة القدم؟    شاهد بالصورة والفيديو.. نساء سودانيات بالقاهرة يهربن من داخل "الشقق" وينزلن الشارع العام خوفاً من "الزلزال" وساخرون: (جنقو مصر حيرتونا)    بالصور.. شاهد لحظات تشييع جثمان الفنان السوداني الراحل محمد فيصل "الجزار" إلى مثواه الأخير    العرض السعودي المليوني لفينيسيوس وهم    محمد رمضان يمازح جمهوره بعد زلزال القاهرة: «مفيش زلزال بيحس بزلزال»    محمد وداعة يكتب: بيتنا الذى كان .. او ما تبقى منه    "مشاكل لا تحصى" في طريق أنشيلوتي مع منتخب البرازيل    قنعنا من القيادات الحالية    اجتماع بين النمير وأبو ريدة يقرب المريخ السوداني من الدوري المصري    مكتب "كيكل": (تصريحات قائد قوات درع السودان في لقائه مع مجموعة من الصحفيين عبارة عن كذب و تلفيق ولم تصدر على لسانه)    اتحاد الكرة المصري: لا صحة لمشاركة المريخ السودانى بالدورى الموسم المقبل    رسميا.. كارلو أنشيلوتي مديرا فنيا لمنتخب البرازيل    ((مبروك النجاح يانور))    صاحب أول حكم بإعدام رئيس مصري سابق.. وفاة قاضي محاكمات مبارك ومرسي    تجهيزات الدفاع المدني في السودان تحتاج إلي مراجعة شاملة    الطاقة تبلِّغ جوبا بإغلاق وشيك لخط أنابيب النفط لهجمات الدعم السريع    على خلفية التصريحات المثيرة لإبنته الفنانة نانسي.. أسرة الراحل بدر الدين عجاج تصدر بيان عاجل وقوي: (مابيهمنا ميولك السياسي والوالد ضفره بيك وبالعقالات المعاك ونطالب بحق والدنا من كل من تطاول عليه)    خدعة واتساب الجديدة لسرقة أموال المستخدمين    عبر تطبيق البلاغ الالكتروني مباحث شرطة ولاية الخرطوم تسترد سيارتين مدون بشانهما بلاغات وتوقيف 5 متهمين    الهند تقصف باكستان بالصواريخ وإسلام آباد تتعهد بالرد    وزير الطاقة: استهداف مستودعات بورتسودان عمل إرهابي    ما هي محظورات الحج للنساء؟    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ربطة مساويك
نشر في الراكوبة يوم 23 - 02 - 2013

ودعت القضارف مساء يوم 16 فبراير 2013م أستاذ الأجيال أحمد فضل الله الشايقي،معلم وعالم اللغة الانجليزية بعد حياة أعطي فيها الناس كل شيء وقنع منهم ومن دنياهم بأقل القليل، كأروع ما يكون الزهاد الذين يتخذون من دنياهم مطية لأخراهم. قال رسولُ اللهِِ (صَلَّيَ اللهُ عَلَيهِ وَسلم): الزُّهدُ في الدنيا قَصرُالأمَلِ ، وشُكرُ كُلِّ نِعمَةٍ ، والوَرَعُ عن كُلِّ ما حَرَّمَ اللّهُ. وقال الإمامُ عليٌّ كرم الله وجهه: إنَّ مِن أعوَنِ الأخلاقِ على الدِّينِ الزُّهدَ في الدنيا، وقال الإمامُ الصّادقُ: جُعِلَ الخَيرُ كُلُّهُ في بَيتٍ ، وجُعِلَ مِفتاحُهُ الزُّهدَ في الدنيا .
تتلمذت علي يديه في عام 1962م في مدرسة حنتوب الثانوية، عطّر الله ذكراها، وهو في بدايات عمله في محراب التعليم، ورغم اكتظاظ المدرسة آنذاك بعمالقة معلمي اللغة الإنجليزية من البريطانيين والسودانيين، إلا أنه وجد موطيء قدم وسطهم وغدا معلما مرموقا قريبا إلى نفوس تلاميذه وعقولهم،عاشقا لمهنته، يؤدي عمله بروح وورع العابد. زاوج بين ما كان فيه من تصوف وزهد وحبه للموسيقى.التصوف "رياضة النفس ومجاهدة الطبع" والموسيقى تواكب الفطرة الإنسانية وتطرب النفس وترقق المشاعر، والتصوف والفن كلاهما من مفردات عالم الوجدان. أثار دهشة الجميع معلمين وطلابا عندما اعتلى خشبة مسرح المدرسة ليعزف على آلة موسيقية شاهدناها لأول مرة وهي "الهارمونيكا" التي أخرجها من جيب جلابيته (الختمية) فلم تجد الآلة ولا العازف ترحيبا أول الأمر بحكم عادة النفور الغريزي من الجديد المجهول ثم تحول ذلك النفور إلى إعجاب وتصفيق حاد حينما فك لهم طلاسم تلك الآلة المجهولة وأخرج من أحشائها أجمل ألحان الكابلي صديق عمره، وانتشى الحاضرون، وبقي الحدث راسخا في الذاكرة. ولكن أستاذنا ما لبث أن زهد في الموسيقى.
ابتعثته وزارة المعارف لإنجلترا حيث أحرز درجة الماجستير في علم الصوتيات أو ، حسب القاموس،علم تمثيل أو تصوير الأصوات أو نظام الأصوات الكلامية في اللغة الإنجليزية، وقد صححني بعد سنوات وبتواضع العلماء بقوله أنه قد تخصص في فرع واحد، لا أكثر،من فروع ذلك العلم الواسع. ولكن لم يرق له البقاء في العاصمة والتدريس في جامعة أم درمان الإسلامية أو معهد المعلمين العالي وآثر العمل في القضارف معلما في مدرستها الثانوية ثم مديرا لنفس المدرسة رغم ما في ذلك من بعد عن الأضواء الأكاديمية وفرص الترقي، فالرجل زاهد في كل ذلك مثلما زهد في الإغتراب حينما عاد،تاركا الجمل بما حمل، بعد تجربة قصيرة لم تستمر إلا لأشهر قليلة في إحدى الدول الخليجية. ألف أهل القضارف منظره لسنوات طويلة وهو يقود دراجته كل يوم من البيت إلى المدرسة برضاء وقناعة نفس، حتى أجبرته سنوات العمر على التخلي عن ركوب الدراجة والمشي في معظم الحالات.استوعب الثقافة الأنجلو ساكسونية أيما استيعاب وغاص في أدق أسرار لغتها ومجاهلها ولكن ذلك لم يستلب شيئا من أصالته وصفائه الروحي وزهده الصوفي.
زهده في الدنيا لم يمنعه من المجاهرة بكلمة الحق بكل شجاعة.شهدته في أحد مساجد مدينة القضارف وهو يتصدى بقوة لمن يرغب في تحويل المسجد إلى مسرح للدعاية السياسية، وشهد المصلون الأستاذ الهاديء الزاهد وهو يخرج عن صمته وهدوئه لينتفض في وجوه بعض المتسيسين العاطلين من التقوى ويذكرهم بأن "المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا"، فانتصرت يومها قوة الحق على دعوة الباطل، واختفت الدعاية السياسية بكل أشكالها بما فيها تلك التي ترتدي ثوب الدين، وعاد ذلك المسجد مكانا خالصا لعبادة الله وحده لا شريك له.
رجوته ذات مرة أن يطلب شيئا أرسله له من السعودية مع أول قادم للقضارف، فقال بصدق شديد إنه يرجو أن أرسل له "ربطة" مساويك من المدينة المنورة. يا أستاذي.. الناس يطلبون الأجهزة أو على الأقل يطلبون عمم التوتال وفاخر الأقمشة، ولكنه رفض رفضا باتا تلقي أي شيء آخر غير ربطة المساويك. قلت له إن المساويك نفسها تستوردها السعودية من السودان ومن بلدان أخرى، فقال إنها بعد ذلك تغتسل بعبق المدينة المنورة وتتنفس هواءها الطيب وتكتسب بركتها. وكان له ما أراد، وكان نصيبي أطنانا من الشكر كما لو كانت الهدية سيارة "هايلوكس" وليست مجرد ربطة مساويك. يا لزهد العارفين! اختزل متع الحياة الدنيا في ربطة مساويك.
رحم الله أستاذي الزاهد أحمد فضل الله الشايقي، الرجل الودود، خفيف الروح، الذي عاش على هامش الدنيا،وهي الدنيا التي وصفها الفيتوري بأنها "لا يملكها من يملكها ..أغنى أهليها سادتها الفقراء .. والغافل من ظنّ الأشياء هي الأِشياء". غادر أستاذنا الدنيا خلسة وما في قلبه غل على أحد وما في قلب أحد غل عليه، فله دنياه ولهم دنياهم.
يرحمنا ويرحمه الله.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.