لا أظن بل ومن المؤكد ، ان الحالة العامة من الاحباط والكآبة التي يعيشها شعبنا ، ليست أقل سوءا من تلك التي انتابت ذلك الرجل البائس الذي جلس الى ضاربة الودع يسألها ، قائلا .. بالله عليك يا حاجة ، اذا كان نظام مايو قد حكمنا ستة عشر عاما ، فهل تسألين لنا الودع كم ستحكمنا كارثة الانقاذ ؟ فقالت له وهي تبدو متعجبة مما ترى ، ان رقم الواحد يتقافز و كأنه يحاول أن يستقر ناحية يمين الستة ، فمصيبتك كبيرة عويصة جدا ياولدي فلتحزن! ديكتاتور مايو رغم أن ظروفا محلية واقليمية ودولية سياسية كانت أم اقتصادية كثيرة قد توفرت له لخلق سودان جديد ، ولكنه لفرط غروره فعل في نهاية مطافه مثل التيس الذي غار حتى من صورته في المرآة ، فاندفع ناحيتها ونطحها ، فحطمها مع قرونه ! ولكنه على الأقل ذهب وترك لوحة السودان في ذات حدود اطارها مابعد الاستقلال ، مع عدم نفى بعض الشروخ التي خلفّها في ألوان وبعض قسمات تلك الصورة الاجتماعية والتنموية ! أما الانقاذ ، وفأل الله ولا فأل ضاربة الودع التي كذبت وان صدقت ، هي كحال السلحفاة التي تعفن جسدها تحت غطاءها القدحي المتحجر ، تذهب برأسها وقد فقدت حاسة الشم بعيدا عن نتانة لحمها لتلتقط العشب في بلادة ، ثم تعود به وتدسه بين تقيحاتها الداخلية غير عابئة بالذين يسدون الانوف تأففا من رائحتها وثقل دمها وتكلس عمرها ! وهي تصر على البقاء في جحرها المتهدم عليها والمتهالك حولها رغم كل الظروف الطاردة لها ، وياللعجب ! فهل ستبلغ تلك السلحفاء الواحد وستين عاما، في ظل معارضة بعضها يدعى أنه عود الصندل المحترق ، ولكننا بالطبع لا نشم له رائحة زكية ، وبعضها هو فعلا بمثابة الطرور الذي يسبح مع التيار اينما ذهب أخذه معه ، و بين ميثاق لا زال حبره يتدحرح خلف سطور الأحلام الوردية التي فرختها بيضة كمبالا صوصا زغبا تتربص به صقور الاحن ، وثعالب الاستقطاب ، ومكر القوارض أو الذين من شاكلة أبو العفين ! وبين عدم مبالاة شعب غارق في غفلته وخدره وأوجاعه المزمنة، ولعله ينتظر آخر مطاف تلك السلحفاة البليدة لتذهب ببطء ، ولكنها من المؤكد في النهاية ستترك لنا سودانا صغيرا غير الذي وجدته عند يوم ميلادها الشؤم في الثلاثين من يونيو 1989 ! محمد عبد الله برقاوي [email protected]