حركة يوليو 1976م التى اطلق عليها نظام مايو «المرتزقة» هى حركة وطنية قادتها الجبهة الوطنية بقيادة احزاب الأمة والاتحادى والأخوان المسلمين. وللحقيقة والتاريخ كانت المجموعة الضاربة والتى قادت العمل المسلح تتكون من جموع الانصار ويليهم الأخوان المسلمون وكانوا من صفوة طلاب بالجامعات. إن الحدث بالنسبة للانصار يضاف الى تاريخهم الجهادى البطولى دفاعاً عن الوطن . إن هذا الملف مضت عليه ثلاثة وسبعون عاماً ولكننا نراه قد فتح الآن لماذا ؟! لا ندرى . هذه الأيام يستضيف الزميل الطاهر حسن التوم فى برنامجه الناجح مراجعات الأستاذ / أحمد عبد الرحمن أحد قيادات الأخوان المسلمين كشاهد على أحدث الجزيرة ابا ومعركة الجبهة الوطنية ويوليو 76 والمصالحة مع حوادث اخريات وشواهد ونقد ذاتى للتجرية . كما وفق الاستاذ الطاهر فى المراجع والشخصيات، ومنها المرحوم الشريف حسين الهندى، الذى تحدث بمرارة عن المصالحة واختلاطها بالدوافع والمصالح الشخصية. وسرنى جداً ما سطره يراع الأخ مبارك الفاضل عن عمى المجاهد عبد الله عربى، واليكم ما كتبه. فقال: «الحبيب المناضل عمنا عبد الله عربي رحمه الله رحمة واسعة، انه قائد المنطقة الوسطى أم درمان في حركة يوليو 76م. وسيطر على إذاعة أم درمان بدباباتها الاربع في هجوم خاطف، وجرح فيه جندي حكومي واحد أخذه الاخ نصر الدين الامام الهادي الى مستشفى ام درمان. وعمنا عبد الله كان في الخمسين من عمره تقريباً ولكنه كان شعلة من النشاط، وظل واقفاً على رجليه يتابع ويوجه طيلة «48» ساعة لم اره ينام أو يجلس. واجتمعنا شخصي والعميد محمد نور سعد مع العم عبد الله للتفاكر بعد إدراكنا أن الخطة ألف في الاستيلاء الخاطف نجحت بنسبة 99%، ولكن الخطة «ب» بتعزيز السيطرة من خلال وصول الاحتياطي ومشاركة عناصرنا من القوات المسلحة والشارع السياسي فشلت نتيجة لفشل تشغيل الاذاعة، وعليه اقترح العميد علينا عمنا عبد الله التمركز في سوق أم درمان، على أن يذهب هو لتجميع القوات في الخرطوم في منطقة الجامعة، والمقاومة حتى وصول الاحتياطي و.سأل العم عبد الله عربي العميد، كيف تأكل القوات؟ فرد العميد من السوق حيث تمركزوا. فقال له عمنا عربي نحن ما بنمد أيدينا لحق الناس!! سننسحب غرباً. وجمع عمنا عربي قواته في أم درمان في ثلاثة شاحنات مرسيدس بكامل أسلحتهم وذخائرهم وقطع بهم ألفي كيلومتر عبر الصحراء الى ليبيا. وعندما سمع العقيد القذافي بوصولهم أرسل له طائرة خاصة للكفرة، لاحضاره قائلاً: «اود ان ارى هذا القائد الذي استلم أم درمان وقطع الصحراء عائداً الى قاعدته». وفعلاً ذهب اليه العم عبد الله عربي واهدى له مفاتيح الاذاعة، وجلس اليه معمر القذافي يسأل وهو مزهو بهذه الشجاعة، ووقف وحياه اجلالاً لشجاعته. ثم أعادته الطائرة الخاصة الى الكفرة. وتوفي عمنا عبد الله عربي في سريره في ام درمان مثل الامير النور عنقرة. ولم يكرمه احد او يسأل عن ابنائه واسرته». صحيح إن الوفاء من الخصال الحميدة لاسيما إن كان الوفاء لأهل العطاء، وكما يقول الشاعر ابو الطيب المتنبى: ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام والأخ مبارك الفاضل رغم شكرى له فى مقدمة مقالى الاّ انى لا استثنيه من اللوم، إذ إنه كان وزيراً للداخلية إبان فترة الديمقراطية الثانية، وكان مركزه فى الحزب متقدماً، وكان يمكن أن يلعب دوراً فى رد جزء من الجميل لهؤلاء الاشاوس الذين لم يخرجوا من أجل مال أو دنيا، بل كانوا يرون ان الأمر أمر دين وعقيدة لاسيما ان مايو بدأت شيوعية حمراء وكان اهل اليسار هم وقودها فى بادئ أمرها. وكانوا قاسين على معارضيهم «انت يا مايو الخلاص يا جداراً من رصاص » «انت يا مايو يا سيف العدا المسلول نشق اعداءنا عرض وطول» وغيرها من العبارات التى تنم عن الانتقام دون رحمة. ان عمى عبد الله عربى مواطن سودانى بسيط، وكان يعمل مزارعاً بمشروع الملاحة الزراعى بولاية النيل الأبيض «المرابيع» وله حواشة مساحتها خمسة عشر فداناً تزرع ذرة وقطناً وكان يحفظ راتب المهدى واجزاءً من القرآن الكريم. ولكنه كان قائداً للانصار فى المنطقة خاصة المرابيع ود اللبيح وما جاورها. وكان جاداً فى حياته شجاعاً لا يخاف مطلقاً، وكان حازماً غير عبوس، وكان يحب بيت المهدى. واذكر يوماً وفى سوق المرابيع شتم أحد الناس آل المهدى، فضربه عمى حتى وقع على قفاه، وظل واقفاً يريده ان ينهض ليضربه تارة أخرى. وأبلى بلاءً حسناً فى معركة أبا حيث أصيب إصابة بالغة، وكان مطلوباً، ولكن عمى محمد عربى أخذ الى قرية ابو مكوم وهى إحدى قرى شرق الجزيرة أبا وعولج هناك، ثم ذهب الى الحبشة ومنها الى ليبيا حيث انقطعت اخباره مثله مثل غالبية الانصار الذين هاجروا الى ليبيا وانضموا للمعسكرات تدريباً وتعليماً، وكثير منهم طلقوا زوجاتهم بل منهن من زوجن وانجبن، وعادوا فى يوليو 1976م واستشهد منهم عدد كبير وعاد آخرون فى المصالحة الوطنية، ومنهم عمى عبد الله عربى، حيث ظل يعانى من داء البروستات وحبس البول، ولزم سرير المرض بمستشفى بحرى حتى فارقت روحه الطاهرة فى 1985م تاركاً ابنه الذكر الوحيد الصادق وبنتيه روضة وهاجر، وتوفيت زوجته عائشة حسن شقيقة عمنا أحمد حسن الملقب «بالحمي الراجعة». ولم يسأل عنهم أحد من قيادات حزب الأمة، بل لم يزرهم أحد ناهيك عن ان يسأل عن أحوالهم، وظل والدى المرحوم آدم عربى مخلصاً لحزب الأمة وكيان الأنصار، وكان درسه يوم الجمعة بمسجد السيد عبد الرحمن مشهوداً؟ ألا رحم الله عمى عبد الله عربى ووالدى، وأن يجعل مثواهم الجنة. قف دون رأيك فى الحياة مجاهداً إن الحياة عقيدة وجهاد الصحافة