انتقد وزير الثقافة والإعلام د. احمد بلال نشر بعض الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي اخبار الجريمة والاثارة التي طفحت بصورة غير مسبوقة على المشهد السوداني في الأونة الأخيرة، لم يسلم من الوقوع فيها والمشاركة في بطولتها قيادات من حزب المؤتمر الوطني الحاكم تحمل كتاب الله، ومطربين ومشاهير من أهل الفن والثقافة مُغيبين بصورة الغرب وأفاعيل قوم لوط من المثليين ، وطالب السيد الوزير في محاضرة بعنوان آفاق جديدة في التميز الإعلامي بوكالة السودان للأنباء الإعلام دفن رأسه في الرمال فلا يرى إلا ما يرى الوزير من جمال وقيم مفقودة التباعد عن كل ما من شأنه الإساءة للوطن والبلاد من مشاهد عفن الاغتصاب والنقص الغذائي والموت الجماعي وإعلاء القيم القومية والحس الوطني، منادياَ الحاضرين بإعمال التفاؤل الحسن فيما يتعلق بمستقبل البلاد بدلاً من النظرة التشاؤمية لمن يرى حقائق تقسيم أرضه وهلاك شعبه بالجوع والمرض والاغتصاب والسجن والموت تحت التعذيب أضغاث احلام، وغيرها مما جاء بين علامات التنصيص. كلمة فخامة الوزير الدكتور ولا أدري دكتوراة أم بكالوريوس طبيب يكنى بدكتور جاءت لتخلط وتلبّس ما بين الواقع الماثل أمام كل من له حواس يسمع ويبصر ويتكلم ويحس بها، وهو واقعٌ مخضباَ بإحمرار لون الدم المراق في أكثر من مكان واتجاه، ونحافة جسم وإصفرار جلد وعيون مريض سؤ التغذية لغياب الغذاء المتوازن، ونقص المواد المغذية الكافية كما يصنفه الأطباء من أول وهلة ونظرة، وواقع عالم الخيال الإفتراضي الزاهي والرائع الذي لا يكون إلا في ذهن الدكتور وعقول المدلّسين والآفاقين والمنافقين وحملة البخور للملوك والرؤساء، الذين أعمتهم شهوة السلطة والثروة والقصور والكِبر عن رؤية جادة الطريق وسبيل الرشاد. قد لا يتسع المجال هنا يا سيدي الوزير، ذو الأهلية لكل موقع وزاري في نظر من يعينه، كما أظهرت ذلك تنقلاته بين الحقائب السيادية منذ انشقاقه وتخليه عن من جعل له مكانةَ وأسماَ في الخريطة السياسية الحزبية، قد لا يتسع المجال لاستقصاء المحاولات المستمرة لافراغ السودان من كل أرض مثمرة وبذرة خير صالحة، وإنما هي استقراء لابرز النماذج الكارثية وتحسبها تشاؤمية والتي تحولت بغباء الساسة لحقائق على الأرض لنقول لمعاليكم: إن سياسة دفن الرؤوس في الرمال هي التي رفعت من ضغط الايدز في مجتمعاتنا لأعلى مستوياته والاحصائيات الرسمية للاسف تؤكد ذلك، وهي التي زادت من نسبة انتشار جرائم الاغتصاب والزنا والفاحشة بين بناتنا وأولادنا، ويا ليتها توقفت بإنطفاء الشهوة الملعونة بل امتدت أيدي الخارجين عن طاعة الله لإزهاق الأرواح البريئة بدم بارد، وهي التي قادت لكارثة بيع المستشفيات والمرافق الحكومية لقتل مرضى السودان من الفقراء ببطء، لا يحاسب القاتل عليه قانوناَ، وتكسير عظام ومفاصل كليات الطب بحرمان أطباء المستقبل من التدريب والممارسة الفعلية والعملية، وهي التي جعلت المال الحرام حلالاَ لدى الكثيرين ممن يسمون بالصفوة والنخبة وشاغري المواقع السيادية، ومن يقتربون منهم صهراَ ونسبا وولدا، وممن يطنبون لهم الثناء والتقدير والاشادة ولو بكلمة كاذبة في الورق أو عبر ذبذبات الاثير. سياسة دفن الأقلام والمشاهد المصحوبة بالصوت والصورة في الرمال يا حضرة الوزير، هي التي جعلت أرض السودان تتآكل وتتناقص وتضمحل وتذبل، وترقد في غرفة الانعاش بين الحياة والموت، في انتظار من يطلق عليها رصاصة الرحمة ممن يحسبون أنهم يحسنون صنعا، أو من يضخ فيها الروح والدم عسى أن تدب فيها لحياة من جديد، وإن كان في ذلك مشقةَ وصعوبةَ لمن يقرأ بشفافية وعمق الروشتات التي كتبت لعلاجها من الأمراض المزمنة، وهي سياسات في مجملها هلوسات فكرية مغلفةَ بشعائر يظنّ عازيفيها ومطربيها أنها دينية، لا طعم لها ولا لون ولا رائحة ولامعنى، ولا تؤهل لبناء أمة أو ثقافة، وإنما تقذف بأرض السودان وشعبه إلى الضياع والمصير المجهول، وتؤدي إلى تمزيق ما تبقى من أرض وقيم وثقافة وحضارة إنسان السودان. ولا نرى سيدي الوزير أنفسنا بحاجة إلى التأكيد بإننا لا نقول ذلك أعتباطاَ ولاتجريحاَ، ولا شماتة ولافرحاَ بمصيبة، ولا معارضة ولا مناقضة في كلام السيد الوزير، لأن ما جرى ويجرى في السودان بعد امتداده في غفلة من الزمن ليطال ويبلغ الأرض والعرض والشرف، يعود علينا وعلى أهل بلدي الطيبين بالضرر والأذى الجسيم، ولا شخصي الضعيف والبسيط ولا شعب السودان المقاوم في صبر يرضى ذلك ويراه أهل لنا، وأنما نقوله من واقع تجارب حقيقية عاصرتها وعايشتها كغيري من أهل بلدي، مسجلةَ للتاريخ على صفحات كتب تم حظر تداولها بين أهل وطني الطيبين، بذريعة تجسيدها لسواقط اجتماعية وسياسية، جئت اليوم تكررها بالنهى عن تناولها إعلامياَ لوأد وكبت وتقييد حرية حركة الحقائق المؤلمة والمرّة، عوضاَ عن أخذ ما ينفع الناس منها ولو كلمة من ملايين الكلمات، ولعلنا لا نبالغ إن قلنا: إن الحقيقة التي لا تشكيك ولا مراة فيها أن الجريمة بعموم الكلمة هبطت إلى الأرض مع هبوط آدم عليه السلام، وبدأت بقتل قابيل لأخاه هابيل، ولم يأمر رب السماء وخالق الكون بالتستر عليها لقبحها، وإنما أمر الله للحدّ منها بقرآن يتلى بالقصاص في القتل العمد، والرجم والجلد لحد الزنا للفاعله أياَ كان جنسه بضوابط شرعية، أمام شهود من الناس للعظة ولعبرة. وجريمة الاغتصاب في السودان ليس لها رصد تاريخي مسجلاَ على صفحات الكتب يحدد زمانها ومكانها، ألا أن كتاب أجساد لا يخترقها الرصاص الذي كانت أولى إصدراته قبل عقود، وهو أول كتاب يسجل تاريخ جريمة الاغتصاب في السودان الحديث بجراءة، قد بين بحقائق محزنة بعض أسباب أنتشارها وطرق الحدّ من اتساعها وامتدادها، والاثار السلبية الناجمة من ارتكابها مثل مرض الايدز، ويتناول بالارقام مدى ذيوعه وانتشاره على نطاق واسع جراء سياسات التعتيم وتوجيهات دفن الرؤوس في الرمال، فتم حظره ليعوث الفيروس المسبب له فساداَ وقتلاَ بالجملة. كنت أتمنى أن يستشعر السيد الوزير معاني ودلالات القصة التي أبكت الرئيس المصري د. محمد مرسي، وهي دون ذلك بكثير، وينخرط في الاستغفار والبكاء ويعتزل العمل السياسي احتجاجاَ لما وصل إليه السودان من سقوط اخلاقي وصل إلى حد القتل للأطفال دون الخامسة، بدلاَ من الأوامر والتوجيهات المبطنة لزوار الليل بوقف النشر لحقائق تقطع القلب ليقتل آخرين!!! [email protected]