جانب منعت نفسى من التعرض اليه لفترة طويلة من الوقت، لكنى وجدت لابد من الكتابه فيه ردا على مداخلات قارئ محترم ظل دائما يطالبنى بالأتصال بأجهزة الأعلام المصريه للأستفاده من أنتشارها الواسع فى كشف وتعرية النظام الفاسد، المتاجر بالأسلام ومن بين الأسماء التى اقترحها على القارئ الكريم الإعلامى (توفيق عكاشه). اقول لذلك الأخ الفاضل .. نعم ظل الأعلامى (توفيق عكاشه) يواجه الأخوان والتيارات ألأسلامويه بقوة وعنف ويضربهم تحت الحزام وفوقه لكن توفيق عكاشه نفسه، شخص موتور و(مهووس) ولا يخلو من جرثومه (أسلامويه) تجعله لو كان مكان (الأخوان) لفعل نفس ما يفعلونه بالمصريين، فأختلافه معهم (شخصى) لا مبدئى ولا يستطيع أن يعلن بصراحة ووضوح – كما نعلن - بانه ضد شريعة القرن السابع وأنها لا تناسب ثقافة وروح العصر الذى نعيش فيه، لأنها تميز بين المسلم وغير المسلم وبين الرجل والمرأة، ولأنها لا تعترف (بالديمقراطية) والمواطنة المتساويه .. ولذلك فهو مثل غالبية المسلمين المصريين، يبدأ حديثه بأنه ليس ضد (الشريعة .. وأنها شريعة ربنا) لكن حينما يظهر له اى تصرف أو حكم أو فقه أو دستور منبثق عن تلك الشريعه تجده معارضا له وبدا فى الحديث عن الدوله المصريه القديمه وعن المؤسسيه وعن رفضه لأحقام الدين فى السياسة ، وهذا اشكل من أشكال الأنفصام الفكرى! وما هو أهم من ذلك كله عندى أن (توفيق عكاشه) اساء للسودان وتنكر فى عدم امانة للتاريخ حيث قال بأنه لا يعترف بشئ اسمه (سودان) وأن حدود مصر تصل حتى جنوب الخرطوم! فى حقيقة الأمر تاريخ السودان أقدم من تاريخ مصر بكثير والسودان بلد صاحب حضاره قبل (مصر) لكن المشكله دائما ظلت فى أن الأعلام المصرى اقوى من السودانى وصوته أعلى. وحتى لا يكون كلامى جزافيا ومرسلا، اقول أن اول انسان ظهر فى الوجود كان (أسمر) اللون وأن كلمة (آدم) نفسها تعنى (التراب) الاسمر .. وحب الوطن يقال له (حب الأديم) .. وعالم الأجناس والمفكر والشاعر الأفريقى (ليوبولد سنجور) الذى حكم السنغال ذات يوم وتنازل عن الحكم بطوعه، أكد بأن اول انسان ظهرعلى سطح الأرض كان فى منطقتنا هذه أو بالقرب منها (هضبة الحبشه). والسودانيون حكموا مصر من خلال (بعانخى) واسرته رقم 25 و 26 فى التاريخ الفرعونى القديم، لمدة زادت عن الخمسين سنة لكن المصريين لا يعترفون بذلك، لذلك يسمون تلك الحقبه من الحكم فى كتب تاريخهم بالأسره (النوبيه) لا السودانيه، وهذا تكرر فى العصر الحديث حيث لا يشار مطلقا الى أن الرئيس الراحل (أنور السادات) والدته سودانية 100 %، وحتى اذا قالوا ان (بعانخى) نوبى، فأن النوبه المصريين ثقافة وطباعا ولبسا أقرب للسودانيين من المصريين. اضافة الى ذلك اقول للأخ الكريم .. لقد تمت دعوتى للمشاركه فى العديد من البرامج ، قبل (الثوره) فى القنوات المصريه أو التى تبث برامجها فى مصر ويديرها مصريون، وكان الخط الذى يتبعه غالبية مقدمى البرامج الا قليلا هو اما أن طرحوا عليك اسئله تجعلك لا تتعرض للنظام الحاكم فى السودان على النحو الذى تريده، أو تدخلوا وقطعوا عليك الحديث والفكره اذا شعروا انك قد بدأت فى الجنوح للحديث ضد النظام و فى تعريته. فقد كانت مصلحة الأمن القومى المصرى ولا زالت فى سودان يحكمه نظام ضعيف مرفوض من مواطنيه يبقى دائما ضلا لمصر وفى حاجة لها. وما هو أهم من كل ذلك فقد شاهدنا جميعا عدد من المفكرين والصحفيين والأكاديميين المصريين قبل الثوره يستضافون على اجهزة الأعلام المختلفه ومن قبل المراكز البحثيه الأمريكيه والغربيه لأصدار (الفتاوى) السياسية ولتقديم أستشارات وللحديث عن القضايا السودانيه المختلفه، بل شاهدناهم كثيرا على القنوات الفضائيه السودانيه وهم يتحدثون بالطريقه التى يريدها النظام الفاشل والفاسد فى السودان، لكنك الآن لا يمكن أن تشاهد سودانى (واحد) مهما بلغ علمه ومهما بلغت خبرته، يستضاف على اى قناة من القنوات (المصريه) أو الأجنبية للحديث عما يدور فى مصر تحت رحمة (الأخوان)، مع ان المثقفين السودانيين يعرفون مصر وما يدور فيها أكثر من معرفة المصري بما يدور فى السودان، والسياسى والمثقف والصحفى السودانى عرف (الأخوان) المسلمين فى السلطه لمدة 23 سنه، لا مثل العديد من المثقفين والأكاديميين المصريين الذين لا زالوا يظنون خيرا فى الأخوان وفى امكانية تعاطيهم مع السياسة على نهج ديمقراطى حقيقى .. وكلما أكتشف مثقف أو اكاديمى مصرى (خدعهم) وحيلهم فابتعد عنهم، حل آخر مكانه وتعامل معهم فى حسن ظن ونية. الشاهد فى الأمر من الصعب أن يجد مفكر أو صحفى أو اعلامى سودانى فرصا كافيه لكى يتحدث من خلال اجهزة الأعلام المصريه (براحته) عن الشأن السودانى أو المصرى حتى لو كان يمتلك علما وقدرة فى طرح افكار يمكن أن تساهم فى (الحل) هنا أو هناك. أما عن (المعارضه) السودانية باشكالها المختلفه، ومنذ أن أغتصب نظام الفاشلين السلطه بليل، عن طريق انقلاب عسكرى، فللأسف لا تقدر دور (الأعلام) ولا تشعر بأهميته وفى معظمها تعارض باسلوب عفى عليه الزمن (بيانات ومنشورات ومؤاتمرات) الخ. وهذا عصر الأعلام والثورات التى يصنعها الأعلام .. والتجربه المصريه تؤكد ذلك تماما فالأخوان المسلمين فى مصر لديهم المال والدعم الخارجى والقوه العسكريه والمليشيات .. وهم يقمعون ويرهبون ويقتلون ويسحلون الثوار فى الميادين، رغم ذلك كله فقد تصدى لهم الأعلام وأبطل العديد من مؤامراتهم وسبب لهم ضيقا وقلقا. وهذا ما اكده المفكر المصرى الدكتور/ محمد حسنين هيكل، حينما قال (بأن مثل النظام العقائدى القائم فى مصر الآن لا يمكن هزيمته الا باعلام قوى). للاسف المعارضه الطائفيه والتاريخيه التقيلديه ممثله فى السيدين وحزبيهما لا مصلحة لها فى التغيير الجزرى الذى يؤدى الى سودان جديد، يسع الجميع ويحقق طموحات الجميع، لذلك فهم رغم امتلاكهم للمال، لكنهم لا يهتمون بالأعلام، وهم يسائرون النظام بقدم ويسائرون المعارضين بقدم آخر، فاذا بقى النظام لا يخسرون شيئا واذا رحل النظام كان لهم (عود) فى النظام الجديد، هذا الم يقفزوا على مركب الثوره اذا نجحت وأستولوا عليه بالكامل كما ظل يحدث فى كل مرة ومنذ استقلال السودان. وباقى (المعارضه) لا تختلف عن ذلك كثيرا، فهى رغم امكاناتها المحدوده ، لكنها تصرف كما هائلا من الأموال فى مجالات لا تثمر كثيرا ولا تفيد، لكنها لا تهتم بالوسائل الصحفيه والأعلاميه، فى بلد لا زال فيه العديد من كبار الصحفيين لا يجيدون التعامل مع الكمبيوتر والنت ولا يعرفون كيفية ارسال رساله عبر البريد الألكترونى لرئيس تحريرهم، فما بالك (بالأميين) وهم غالبية الشعب السودانى ومعهم انصاف المتعلمين والمثقفين؟ ولا زالت غالبية الشعب السودانى لا تعترف بالصحافه الألكترونيه ودورها وتعتبره عملا غير جاد، ومجال (للتسلية) بل تجد من بين الصحفيين المنتشره مواضيعهم على مواقع التواصل الأجتماعى المختلفه اذا رغب فى تحقيرك وتسفيه دورك يصفك بمعارض نت أو (كى بورد)! أخيرا .. اقول لذلك الأخ الكريم، بأنه قد لا يعلم حجم الألم الذى يعتصر قلوبنا ونشعر به ونحن ندرك دور الأعلام وأهميته وما كان سوف يحدثه فى خلخة هذ النظام ومنذ سنين عديده .. لكن العين بصيره واليد قصيره أو كما يقول الليبيبون (الله غالب)! تاج السر حسين – [email protected]