الأبارتهايد هي مجموعة القوانين التي كانت فيما مضى تنظم سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وهي تلك التى نادى بها جان كريستيان سماتس رئيس وزراء جنوب أفريقيا في العام 1919 للميلاد فهو أول من أوجد كلمة( ابارتهايد) التي عافتها ونبذتها كل قواميس لغات العالم فأبقتها على حالها دون ان توْجد لها مرادفاً وبموجب هذه القوانين تقسّمت الإثنيات المختلفة في الجنوب الأفريقي إلى مجموعات عرقية بيض و ملونين وسود وأصبح الوطنيون أهل البلد أصحاب سيادة إسمية فقط حالهم حال الهنود الحمر في أميريكا بعد ان إغتصب الرجل الأبيض ارضهم فليس لهم حق الإقتراع او التصويت في أي إنتخابات ولا يشاركون في حكومة ولا يؤخذ برأيهم في أي مسألة تهم أمر البلد .. ولم يكتفِ الغزاة البيض بهذا القدر بل تم فصل المؤسسات التعليمية والصحية وغيرها من المؤسسات الأخرى فأصبح للبيض مؤسساتهم الخاصة بهم وهي قمة في التأسيس والتأثيث والتجهيز كما للسود مؤسساتهم التي كانت غاية في الضعة والتواضع . وأمتد ذلك التمييز البغيض ليشمل وسائل المواصلات والحدائق العامة والأندية و دور السينما وغيرها من مرافق أخرى عديدة فتجد لافتات تحذيرية امام هذه المرافق كُتب عليها :" ممنوع دخول السود والكلاب " فللسود مرافقهم الخاصة بهم والتي يمكن ان تدخلها الكلاب إذا أرادت فقوانين الأبارتهايد لم يرد في فقراتها ما يمنع ذلك ..فالسود مع إعتبارهم مواطنين إلا أنهم كانوا مواطنين بلا سيادة وبلا حقوق فهم خاضعون للدولة ولكن دون ان تعبّر هذه الدولة عن تطلعاتهم وآمالهم وثقافاتهم بل كانت أداة لسيطرة العرق الأرقى على مقدّرات البلاد الإقتصادية وثرواتها وخيرات أرضها التي كانت وما زالت ذهباً نقيّاً .. ومضى البيض في إنتهاكهم لحقوق أهل البلاد الأصليين فأصدروا قوانين تعسفية تقيد حركة السود في المناطق والأحياء التي يسكنها البيض بل ولا يسمح لهم بالتنقّل في أرض الأجداد دون الحصول علي تصريح مرور يصدره الغزاة البيض . ظل السود غرباء ومستحقرين في وطنهم الأم وعانوا من الذل ما عانوا إلا أنهم إستمروا في كفاحهم السلمي حتى تقوّضت أركان تلك السياسة البغيضة على يد نلسون مانديلا فأعاد لشعبه كرامته الممتهنةوحقوقه المسلوبة وأنتهت سياسة التمييز والفصل العنصري كجيفة نتنة في مذابل التاريخ . و من الغريب ان يظهر شبح الأبارتهايد من جديد على يد الخال الفرعوني و يعود في شخصه ذلك الرئيس الجنوب أفريقي (جان كريستيان سماتس) فينادي بفصل جنوبنا عن شمالنا قبل ان ينادي بذلك أهل الجنوب ثم يظل لاهثا ً لتحقيق ذلك الهدف الأسمى ولمّا تحقق ذلك في عهد الإبن البار لم يتردد في ذبح الثيران والخرفان و إقامة الولائم و الإحتفالات لأيام وظلت صحيفته وما انفكت تطلق الزغاريد وصيحات الفرح وتعمل جاهدة على إزكاء جمر الفرقة والمشاحنات بين الشمال والجنوب .. ولعل آماله وتطلعاته تجاوزت إنفصال الجنوب وصارت لها أطماع في أكثر من ذلك فبعد ان (فكّت) الوطن كالجنيه القديم إلى ورقتين من فئة الخمسين قرشاً ربما باتت تطمع في فكه إلى أربعة ورقات من فئة (الطرّادة) وهي فئة ورقية تساوي خمسة وعشرين قرشاً ليتسنى له عقب ذلك تطبيق سياسة الأبارتهايد دون مبالاة او خوف من أحد فيعيد سلطة (المكوك) وتصبح حركة الآخرين مقيدة تماماً فلا تتم إلا بالحصول على تصاريح مرور . وكما هو الحال الآن يصبح الإنتماء هو المؤهل للحصول على وظيفة وهو المؤهل للحياة الكريمة التي توفر لك ما تريد وهو الذي يعطيك حق المواطنة الكامل ويصبح في مقدورك التحرك حيث تشاء وفعل ما تريد فلا عوائق تقف أمامك ولا مساءلة من أحد فالوطن وأهل الوطن وثروات الوطن ملك خالص لهذا العرق الآري. فمثل هذا الخال الفرعوني ومثل صحيفته لا يرى غضاضة في نشر مثل ذلك الإعلان وتلك المواصفات العنصرية.. واجزم ألا ّ صحيفة أخرى من صحفنا سوف تقبل ان تلوث صفحاتها وتسوّد تاريخها بمثل هذا السوء أبداً .. فهي قد تستسلم للقيود والأصفاد إلى حين لكنها لا ولن تمارس مثل هذا العهر مطلقا ً . سيد محمود الحاج [email protected]