رفضت الحركة الشعبية قطاع الشمال الدعوة التي وجهها النائب الأول لرئيس الجمهورية, و تمسكت في ذات الوقت بالحوار وفقا لقرار الأممالمتحدة رقم 2046 و قرارات الاتحاد الأفريقي, و الذي يؤسس الحوار علي اتفاق 28 يوليو 2011, و الذي كان قد وقعه الدكتور نافع علي نافع عن المؤتمر الوطني و مالك عقار رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال, و يقول الأمين العام لقطاع الشمال ياسر عرمان, إن دعوة النائب الأول التي رفض فيها اتفاقية أديس أبابا, هو حوار يريد منه النائب الأول أن تشارك فيه الحركة فقط في السلطة, دون أية تغيير يحدث في بنية الحكم, و هو حوار لا يفضي إلي تحول ديمقراطي حقيقي في الدولة, لذلك رفضنا دعوة النائب الأول, و نطالب بحوار جامع تشارك فيه كل القوي السياسية, يستند علي قرار مجلس الأمن و قرارات الاتحاد الأفريقي, لأنها قرارات تهدف إلي حل شامل لمشكلات السودان, و ليس حلا جزئيا لا يعالج المشاكل السياسية في السودان. و رغم ترحيب بعض القوي السياسية بالحوار, و لكنها لا تقبل بوجهة نظر المؤتمر الوطني, و الذي يريد أن يكون الحوار السياسي علي الدستور لكي تكسب به الإنقاذ شرعية جديدة, و الحوار الذي تتطلع إليه القوي السياسية بما فيها قطاع الشمال, حوار سياسي يتم فيه التوافق علي المبادئ السياسية, ثم بعد ذلك يجئ الحوار السياسي علي الدستور, و معلوم إن النائب الأول قد كان يهدف من مؤتمره الصحفي و الدعوة للحوار, تحقيق هدفين, الأول أن يعيد مكانته السياسية في صناعة الأحداث في الساحة السياسية, إذا حدث أية تغيير في تركيبة الوظائف الدستورية في الدولة التي يحكمها حزبه إذا التزم الرئيس البشير بقراره عدم ترشيح نفسه, و الهدف الثاني إحداث تشققات في المعارضة في قضية الحوار لكسب ضعفاء النفوس الذين يتهافتون نحو السلطة. و يعتقد بعض من المحللين التابعين للحركة الإسلامية, إن هناك اتفاق سري قد حدث بين النائب الأول و الدكتور غازي صلاح الدين, في قضية مستقبل الحكم, و قد وضح ذلك من خلال حديث علي عثمان عندما تحدث أن يكون دستور المؤقت الذي جاء نتيجة لاتفاقية السلام الشامل أساس للحوار, باعتباره دستور شاركت في صناعته كل القوي السياسية من خلال البرلمان المعين عقب الاتفاقية, و هذا الحديث كان قد أشار إليه دكتور غازي في برنامج "حتى تكتمل الصورة " في نوفمبر الماضي بقناة النيل الأزرق و الذي شاركه فيه بالحوار الدكتور الشفيع خضر, حيث طرح غازي في الحوار أن يكون الدستور الانتقالي هو محور الحوار, لآن كل القوي السياسية شاركت فيه و يحتاج إلي بعض التعديلات, ثم جاء غازي بعد انعقاد المؤتمر الصحفي للنائب الأول و يقول أنه متمسك بنصوص الدستور الذي يحدد للرئيس بقاءه في الحكم بدورتين, فابتعاد الرئيس عن السلطة سوف يؤدي لتغيير في المواقع في الحزب و السلطة, و سوف تخرج قيادات كثيرة جاءت بها التوازنات السياسية, و قرار القطاع السياسي الأخير برئاسة الدكتور الحاج أدم بأن قضية ترشيح الرئيس قرار من اختصاص مؤسسات الحزب ما هو إلا جزء من معركة صراع مراكز القوة في الحزب. إن الذين يطالبون الرئيس البشير بالبقاء في السلطة, ليس لديهم علاقة بالديمقراطية و لا بالحوار السياسي أو قضية السلام و الاستقرار الاجتماعي و التنمية و غيرها, هؤلاء فقط يدافعون عن مصالحهم الذاتية و مواقعهم في السلطة و في الحزب الحاكم, و دون أية حساسية في الرأي, هؤلاء ليس لديهم مسوغات للدفاع عن الرئيس, إذا تعرضنا لتاريخ السلطة في ظل الرئيس البشير, و قارنا بين الإيجابيات و السلبيات, قد نجد إن الرئيس البشير ليس لديه ما يقدمه أكثر مما قدم في 23 عاما عجافا, تم فيها انفصال الجنوب, و انتشار لحروب في كل أقاليم السودان دعا إليها بنفسه " من أراض السلطة عليه أن يحمل البندقية", و حصار اقتصادي علي السودان, و هدم للبنيات الاقتصادية للدولة, و نظاما ديكتاتوري ليس لديه علاقة بالقانون و الدستور, و غيرها من التحديات التي تواجه الدولة السودانية داخليا و خارجيا, فوجود الرئيس البشير يعني استمرار للسياسات القديمة التي تخاصم الفعل الإيجابي. و إذا كان فعلا النائب الأول و من يناصرونه يتطلعون لحوار لمعالجة إشكاليات السودان, عليهم بتقديم قيادات جديدة قادرة علي تنفيذ عملية الحوار السياسي, و قادرة علي خلق الثقة بين مكونات السودان السياسي. الفساد و الإنقاذ لا يستطيع حزب المؤتمر الوطني و إلا السيد رئيس الجمهورية محاربة الفساد, و قد تابعنا عندما يكثر الحديث عن الفساد و يتذمر الشارع يشكل السيد رئيس الجمهورية هيئة لمحاربة الفساد و عندما يقل الحديث تحل الهيئة, الفساد ليس ظاهرة عارضة في نظام حكم الإنقاذ, بل كما ذكرت في مقال سابق إن مجموعات المفسدين أصبحت جيش جرارأ هي التي تشكل طابورا لحماية النظام و الدفاع عنه, و هؤلاء منظمين في مؤسسات الدولة و في جمعيات خيرية و في النقابات التي يحتكرها المؤتمر الوطني, و حماية لأنفسهم قد شكلوا مؤسسات دينية تدافع عنهم مثل هيئة الحسبة, و هيئات علماء و غيرها, فكل هؤلاء مستفيدين من المال الذي يتدفق عليهم من المؤسسات الحكومية, فالفساد يعد جزءا مهما لحماية النظام. القوانين الاستثنائية و الأجهزة القمعية معروف سياسيا كلما أعطيت المؤسسات القمعية قوانين استثنائية في أية نظام سياسي يعرف بأنه نظاما ديكتاتوريا, فالنظام الذي لا يحمي بالدستور و القانون و احترام نصوصه, هو نظام ليس لديه أية علاقة بالديمقراطية, و تتقلص فيه الحريات و تقل أيضا فرص الحوار السياسي, لأن المسألة السياسية تكون خاضعة إلي أهواء قيادات عسكرية تحاول أن تطبق قوانينها هي و ليست قوانين مدنية, و هنا لا يكون خطأ تلك المؤسسات القمعية أنما خلل في النظام السياسي, و الحوار لا يمكن أن يكون بين القوي السياسية و يؤدي نتائج إلا إذا حدث تصحيح لهذا الخطأ الهيكلي و الدستوري, إذن رفض الحركة الشعبية لقطاع الشمال أنها لا تريد أن تكون جزءا في نظام ديكتاتوري, أنما تتطلع إلي حوار يؤدي إلي تعديل جذري في بنية الدولة. و نسال الله أن يوفق دعاة الديمقراطية. [email protected]