إنها شيمة الطغاة على مرّ العصور ومختلف الحقب .. يهبون الحياة لمن شاءوا و يسلطون الموت على من يشاءوا.. يعزون هذا ويذلون ذاك .. يفتحون أمامك أبواب الثراء إن أرادوا او أبواب الفقر إن لم يريدوا لك الثراء..يستعبدون شقي حال ويحررون سعيد حال فطول مدة مكوثهم في الحكم وإحتكار السلطة في أيديهم لعقود طويلة تجعلهم يترفعون عن منزلة البشر إلى منزلة الآلهة إذ يعتريهم إعتقاد راسخ بأنهم ليسوا بشراً بل آلهة تصنع ما تريد وتفعل ما يحلو لها وهكذا كان ملك بابل..النمروذ بن كنعان حين جاءه إبراهيم الخليل عليه السلام لشراء حصته من الطعام.. فالنمروذ كان يحتكر قوت القوم الذي يزرعونه بأيديهم ويحصدونه بأيديهم ليبيعه عليهم من بعد ذلك وفوق كل ذلك كان على الراغب في شراء حصاده أن يسجد لهذا الطاغية فلا عجب أن بلغ به الغضب مداه حين إمتنع إبراهيم عليه السلام عن السجود له قائلاً بأنه لن يسجد لغير ربّه فسأله في ترفّع عمّن يكون هذا الرب ولا رب سواه !!.. فقال إبراهيم أن ربه هو الذي يحيي ويميت فضحك الجبّار في ذات السخرية التي يقابل بها الطغاة كلا من يعارضهم بأن ذلك أمر عادي وغاية في السهولة فهو كذلك يستطيع أن يحيي ويميت ولتأكيد هذه المقدرة فقد أمر في ذات اللحظة أن يؤتى برجلين من المحكوم عليهم وصدر أمره بأن يُقتل أحدهم أمام أعين ذلك المعارض الشرس بينما يتم العفو عن الآخر فهكذا كان معنى الإحياء والإماتة لدى طاغية بابل إلا أنه بُهت وظهر عجزه و محدودية قدرته حين قال له إبراهيم إن ربه يأتي بالشمس من المشرق فليأتِ بها هو من المغرب حتى تثبت وتستبين إلوهيته فما كان أمامه إلا أن يلوذ بالصمت ويبيّت النية لإبراهيم .. فهذا هو حال الجبابرة حين يجادلهم معارض ويعجزون عن الحجة إذ يلجأوون إلى البطش والتنكيل لإخراس كل صوت لا يسبح بحمدهم !! ومثل النمروذ موجود في كل زمان ومكان يشتركون في كل الصفات والأفعال وكأنهم خرّيجوا مدرسة واحدة وكأنهم قد درسوا جميعهم منهجا موحّدا منذ فجر التاريخ وحتى عصرنا هذا فها هم نمارذتنا اليوم يعلنون العفو عن معارضيهم الذين إستضافتهم المعتقلات والسجون جرّاء قيامهم بمجادلة الآلهة فظلوا في عتماتها لفترات طويلة دون محاكمة.. وما ذلك إلا أنهم قد قالوا أن الله يأتي بالشمس من المشرق !! ... ستة وسابعهم إمرأة حصيلة من تم الإفراج عنهم وأعداد هائلة لايعلم عدتها إلا نمارزنا مازالت تقبع في زنازينهم .. ولا أحد يستطيع أن يسأل عن مصير هؤلاء فالنمروذ يحاسب من يشاء ويعفو عمن يشاء ..يطلق سراح من يريد ويبقي في السجون من يريد وليس في مقدور أحد ان يخالف مشيئته !! و لكن من الواضح أن النية في ذلك ليست خالصة وإلا لتم اخلاء سبيل كل المعارضين لهذا النظام من كافة السجون لا من سجن واحد فما أكثر السجون وما أكثر المعتقلات وما أكثر المعتقلين السياسيين الذين ظلوا في الحبس لسنوات دون تقديمهم للمحاكمة وفي ظروف تخالف كل المواثيق المتعلقة بحقوق الإنسان !!..سجون تُعذّب فيها حتى النساء فلا رفقا بقوارير ولا شفقة بحالهنّ!! ربما كانت هذه الخطوة جزء من سيناريو يمهد لإطلاق سراح المجموعة الإنقلابية التي يترأسها قوش ورفاقه من العسكريين والأمنيين في القريب العاجل فهم فلذات كبد هذا النظام وبالتالي لا ينبغي أن يحاكموا بالطريقة التي يُحاكم بها الآخرون ممن حاولوا الإنقلاب عليه م قبل فيعدموا كما أعدم من قبلهم ثمانية وعشرين ضابطاً وآخرين إختفت آثارهم في بيوت الأشباح فلم يبن لهم أثر!! وعليه فقد تكون هذه المبادرة , التي سُمح بموجبها ولأول مرة للصحف وأجهزة الإعلام بحضورها , لشيء في نفس يعقوب وليست لسواد أعين من أطلق سراحهم فغداً يقضي النمروذ وطراً وغداً تفتح السجون أبوابها لإستيعاب هؤلاء من جديد بل إستيعاب المزيد ممن يطلبون منه أن يأتي بالشمس من المغرب وإن غداً لناظره قريب !! [email protected]