هل كانت بداية النهاية أم هي نهاية البداية ؟ الثمن الذي يدفعه الطيبون لقاء لا مبالاتهم هو أن يحكمهم الأشرار... هكذا شرح افلاطون حال الذين ينصرفون إلى اللامبالاة وكأن أوطانهم لا تعنيهم وشوارعهم ليست لهم ومدارسهم ليست لأبنائهم ومصائرهم يتحكم بها آخرون. اللامبالاة وحسب علم النفس حالة سلوكية تعني أن يتصرف المرء بلا اهتمام في شؤون حياته أو حتى الأحداث العامة كالسياسة حتى وإن كان هذا في غير صالحه. وهذا طبعا بالتوازي مع عدم توافر إرادة الفعل وعدم القدرة على الإهتمام بشأن النتائج فهو لا ينتخب ولا يقول رأيا وليس له صوت وكذلك لا يشجع الحقيقة. وأحيانا لشدة لا مبالاته لا يقف في صفها أو أنه ولشدة خوفه يقف ضدها... فهل نحن هكذا يا ترى؟! تحضرني العديد من الهواجس التي لم تبارح لي خيالا وأنا أتأمل واقع حالنا المزري ... ,كآبة مآلاتنا الماثلة أمامنا ... هل ياترى لعيب فينا أم أنه عيب في زماننا؟؟ إن أبرز أسباب موت الديمقراطية هي اللامبالاة السياسية والتي هي حالة يمكن تقديم نماذج حيَّة عنها في بلدنا، حيث أصبحت مرضا من عوارضه قمع الأحاسيس والتحفز والإثارة ... والصمت عمَّا يجري وخاصة عندما يتعلق الأمر برأي أو وجهة نظر أو إشارة توحي بإيجابية وجود الإنسان إلى جانب أخيه الإنسان أو من شأنه الدلالة على المشاركة في هذا الكون الفسيح الذي يسع الكل وعدم لعب دور المتفرج على مسرح الحياة. كان تلاشي الطبقة المتوسطة في المجتمع من أبرز دلائل اللا مبالاة .. فتلك الطبقة هي التي تمسك طرفي التضاد في المجتمع وتعد همزة الوصل بين الفقراء والأغنياء .. إنها طبقة حيوية مهمة يقع عليها عبء دفع المجتمع نحو التحرك، إذ يحدوها في ذلك الأمل في الإنتقال من وضعها الحالي نحو الإلتحاق بالطبقة الأعلى. وقد أدت حالة عدم اللا مبالاة إلى تحلحل النسيج الاجتماعي .. فتعرضت الطبقة الوسطى بذلك إلى هزات قوية طالت تركيبتها وأوضاعها ممَّا أدى في النهاية إلى تلاشيها وموتها . وهذه أمُّ المشاكل ؛ فنتائج اللامبالاة تودئ لحكم الأشرار ، وها نحن نلمس بأيدينا ما حدث من تغييرات جذرية في مجتمعاتنا حيث نجد الأشرار لا يحكمون فقط، بل يتحكمون بمصائر البلاد والعباد ، فالصورة أصبحت إمَّا غنىً فاحش وأحيانا مستفز أو طبقة مسحوقة تعاني الأمرَّين في سبيل توفير شئ من حتى وذلك للحفاظ على الأنفاس الصاعدة والهابطة ; فعلى امتداد خريطة الوطن (ما قد كان... وما سيكون) لا نرى الفقر فقط ، ولكن الظلم والقهر والتهجير والتخوين ، ناهيك عن القتل والتدمير وكل مايخطر على البال من شرور سببها الأبرز ... صمتنا ولا مبالاتنا وانسحابنا من الحياة... الواقع المرير.. هل صنعناه بأيدينا أم أنه صنيعة غيرنا؟؟ عندما تعجز الهمم من أن تحلق فوق القمم فسوف يُعكِّر صفوها ذرات التراب المتراكمة على السفوح .. تغيير الواقع يبدأ باستنهاض الهمم واستنباط المعينات واستصحابها لمواجهة المواقف ؛ فهنالك أناسٌ لا يجدي معهم الصمت النبيل لأنهم لا يفهمون لغة الشموخ ، ويعوزهم الكبرياء .. وفاقد الشيئ لا يعطيه !! لذلك فإن اللامبالاة تودي بنا لمجيئ الأشرار ومن ثمَّ قدرتهم على ملء الساحات بصورهم وتماثيلهم وأصنامهم التي صنعوها وصدَّقوا أنها لن تزول أبدا، ولكن هيهات .. فهل نهب من سباتنا العميق ؟؟؟ برفسور مجدي علي [email protected]