تجربة المشي في الظلام في وبدون أن تحمل معك مصدر للضوء كمصباح وخلافه منطقة لم ولن ولا (وكل الحروف النافيه والناهية والجازمة ) تصلها الكهرباء رغم أننا في القرن الحادي والعشرين ورغم أن سد مروي بني على حماها وأسلاكه تمر فوق بيوتها لتعم القرى والحضر غيرها ، هذا المشي عملية ليست باليسيرة ، خاصة إن كان الطريق يسير بك في منتصف منطقة زراعية ، وقد مررنا بهذه التجربة كثيرا أيام الصبا عندما نكون عائدين بعد منتصف الليل من حفل زفاف أو من ما كنا نطلق عليه اسم النادي. الطريق يقودك عبر الحواشات الزراعية في ظلام دامس وصفه جدي دياب - رحمة الله عليه - بأن الحربه ما تقدو (بمعني أن الرمح لا يستطيع خرق الظلام من كثافته) وانت تسير وسط الحواشات الطريق لا يخلو من مفاجآت كأن تطأ على غصن شوك أو على جذع حاد أو في حفرة صغيرة كانت أو كبيرة كما يمكن أن تطأ على طين أو براز انسان كان أو حيوان والأمر لا يخلو من مفاجآت حيوانية كان يقفز قط أو ثعلب أو فأر وهنالك طيور تنام وسط الزرع يزعجها مثل هذا المرور فتطير فجأة محدثة صوتا يشق الظلام ويملؤك رعباً على ما أنت فيه (مثل ما كنا نسميه طائر الفِرَّه وحمد لبد) كذلك أن ينهق حمار أسود بقربك فجأة وأن تصطدم ببقرة واقفة في منتصف الطريق أو يعترض طريقك جدول وهكذا . تذكرت هذا وأنا أقرأ تقرير المراجع العام عن سنة احدى عشر وألفين (كما يحب أن يقولها أحد مذيعي القناة القومية) ، تقرير يوجد به كل ما ذكرت أعلاه وأكثر بل إن بعض فقراته ذكرتني بقنبلة هيروشيما ونجازاكي إذ أن تأثيره قد يستمر الى مئة عام مثل قوله في معرض حديثه عن مديونية الحكومة : (اجمالي المديونيات والسلفيات المؤقته للحكومة ببنك السودان والتي بلغت 9.4 مليار جنيه منها 7.9 مليار جنيه تمت جدولتها لسدادها بآجال طويلة من "20 الي 100عام" ) وبما أني مغترب وأقوم بارسال المصاريف وزوجتي هي المسئولة عن مصارف الصرف والإنفاق لو أتتني بمثل هذا التقرير والبالغ حجمه واحد وستين صفحة (دي ما عارف المذيع داك بقولها كيف) والذي تمت تلاوته على مسامع البرلمان ، أقول لو أتتني بمثله لطلقتها بالثلاثة وأضربت عن الزواج. ما لكم يا قوم كيف تحكمون تحياتي [email protected]