٭ لا يخلو تجمع وان كان صغيرا من الحديث عن الفساد.. ويتباري الكل في سرد الحكايات التي يشيب لها الرأس هولاً.. ولا يختلف اثنان في الخدمة المدنية.. او في البنوك.. او الشركات او حتى منظمات المجتمع المدني الطوعية المفروض تكون طوعية.. والا تهم الفساد تملأ الأفق.. ودونكم ما قالته الوزيرة اشراقة عن ما يجري في وزارتها بصريح العبارة.. وسمعنا من تصل حوافزه الى ستة وعشرين ألفا من الجنيهات في الشهر.. وعبارة حوافز تمددت في اماكن العمل كمسمى ناعم للتجاوز او بالمكشوف للفساد مع رفيقته حوافز الاجتماعات.. تتكون لجان تابعة لمؤسسة أو هيئة.. او مجلس ادارة وعندما تنعقد لجان هذه المؤسسات يخصصون مبالغ يسيل لها اللعاب لكل اجتماع. ٭ فساد في الاستثمار.. فساد في المشتريات.. فساد في العطاءات.. فساد في الطرق.. فساد.. فساد.. وبعدين؟؟! ٭ لذا بداية الاصلاح صعبة، صعبة جداً.. حتى الرشوة تغير اسمها واصبحت «مكرمة» او «اكرامية» او في بعض الحالات «حقي» اي والله.. ٭ ما العلاج؟.. سؤال كبير يستوجب تحضير مشارط حادة لاجراء عمليات استئصال عميقة.. كيف.. كيف..؟! ٭ الناس لن يتقوا الا اذا شعروا بالمصلحة... عامة الناس ولن يصدقوا ان مصلحتهم لا يمكن ان تتحقق وما زالت على الساحة اسماء ووجوه ارتبطت في اذهانهم بخبرات سلبية وممارسات مكشوفة تأتي تحت مسميات لا تمثل الحقيقة ولا تأتي بقربها. ٭ والاسوأ ان تجارب الفساد في دوائر السلطة نشرت العدوى شعبياً ولا يجب ان يصدم احد اذا قلنا ان قطاعات كبيرة باتت فاسدة وهي فقيرة طالما تدفع الاكرامية من دم قلبها لينقضي غرضها.. وطالما تحترم المختلس والمهدر للمال العام.. قطاعات كبيرة فاسدة وتحتاج الى اصلاح اجتماعي.. بل ثورة اجتماعية تؤدي الى الاصلاح السياسي والاقتصادي. ٭ لقد انتشرت ثقافة الفساد في المجتمع السوداني.. فساد قطاع كبير من السودانيين مرض اكثر منه جريمة.. مرض ومأساة نتجا عن ضغط مستمر اكثر مما يمكن احتماله وعن مناخ محيط اصبح القابض على شرفه وكرامته فيه كالقابض على الجمر والواقف على ارضية من المسامير. ٭ بتنا نعاني من اختلاط في القيم وقتامة في الرؤية،، فركب المضطرون الصعب واباحت الضرورات المحظورات ثم تحولت المحظورات الى عادات وسلوكيات معتادة ومقبولة اجتماعيا ولم تعد جرائم.. الرشوة والغش والفهلوة والتواطؤ على الفساد فساداً. ٭ توارى الشرفاء والعلماء والحكماء عن الارشاد والتوجيه خوفاً او يأساً ولم يتبق امامنا الا جهلة ومنتفعون ومنافقون يرفعون في وجوه الآخرين رايات الارهاب والتخوين والاتهامات بالعمالة والعلمانية.. يا سبحان الله. ٭ المشكلة الحقيقية هي ان يعتنق افراد المجتمع او جزء كبير منه ثقافة الفساد.. وان يصبح التعايش مع الفساد امراً واقعا ومسلما به.. ولنقف عند عبارات صارت ضمن حديثنا اليومي بلا خجل.. «الكاش يقلل النقاش»، او «ظرفني تعرفني»، او «ايدك على المعلوم». ٭ مطلوب ثورة.. ثورة تغيير شاملة حتى نقضي على ثقافة الفساد. هذا مع تحياتي وشكري الصحافة