دولتنا التي يديرها هذا النظام الإسلامي الفاشستي هي بكل المعايير دولة فاشلة ولا خلاف حول ذلك الفهم لأن الأسس التي ترسخ لحالة الفشل موجودة في طريقة النظام لإدارة الدولة .. ومن ثم فإن الحديث عن الفشل أو الفساد الذي يبدو أنه اصبح جزءاً من الحياة اليومية للنظام في نظري تكرار ممل وإستهانة بذكاء القاريء الذي يعلم علم اليقين ما يجري في شئون دولته وفساد حكامه ونجاحهم في تحويل دولتنا إلي دولة فاشلة يسير بأخبارها الركبان. ولكن الأمر هنا يتخذ منحي آخر وزاوية اخري من زوايا الفشل في إدارة الدولة وهي في تقديري مسالة إقتصادية بحتة وفحوي النظرية.. كيف تحقق هذه الدولة توفير الأموال لتسيير شئوونها العامة والتي تشمل مرتبات رئيس الجمهورية ونوابه ومساعدوه ومستشاروه والجيوش الجرارة من الوزراء الإتحاديين والولاة والمعتمدين مروراً بآلاف الموظفين ومئات المدراء حتي موظفو الجبايات ذلك أن الواقع المرير يثبت أن الدولة في عهد الإنقاذ ليست من الدول المنتجة التي تصدر ليس التقنية المعقدة أو الأجهزة الإلكترونية ففي هذا ظلم في القياس بل أن الدولة تعجز عن زراعة البرتقال والطماطم والخضروات رغم ملايين الهكتارات الصالحة للزراعة وإنتاج المحاصيل الزراعية حتي أصبحت مقولة ( سلة غذاء العالم ) مقولة ماسخة ولا معني لها في ظل هذا النظام التعيس ولا تستحي وتغطي عجزها في الخضر والفاكهة بالإستيراد من دول لا تساوي مساحة أراضيها الزراعية مساحة ( أمبدة). وبما أن الدولة تفتقد لمصادر التمويل للخزينة العامة فعليها إبتداع الوسيلة التي تضمن ضخ الأموال في خزينتها وهنا تكمن الكارثة والماساة .. الدولة سادتي الكرام لا تملك وسيلة لتوفير الأموال سوي السطو علي جيب المواطن البسيط والإلتفاف حول النصوص والأحكام الشرعية وتمتد هذه العملية وتنحدر حتي مطاردة الباعة المتجولين وبائعات الشاي والإستيلاء علي أدوات وأواني أكل عيشهم وإلقائها في ما يعرف ب (دفار الكشة ) والعودة مرة أخري لبيعها لأصحابها الذين يدفعون علي مضض لشرائها بعد أن عجزت الدولة عن توفير فرص العمل لهم لإعالة أسرهم الفقيرة وأتبعت ذلك بمحاربتهم حتي في ( أكل العيش ) وبمعني آخر النظام يسعي لحبس الشعب فلا يطعمه ولا يتركه يأكل مع أبنائه من خشاش الأرض . في معاني شريعتنا الإسلامية مفهوم واضح للزكاة زمان وجوبها ومصارفها وعلي من تجب ومتي ...وليس هنالك ما يسمي بالضرائب العقارية أو دمغة الجريح أو دعم الشرطة أو رسوم دخول المستشفيات لعيادة المريض سواء كان المستشفي حكومياً أو خاصاً .. ولكن هذه الدولة قد ذهبت بعيداً وإشتطت ولم تعدم وسيلة للجباية والمكوس حتي وصل بها الأمر إلي فرض ما يسمي (رسوم النفايات) .. ولكن هذا كله بالمعيار القانوني هو من صغائر ذنوب النظام بإفتراض أن النظام أنشأ قانوناً أو أمراً محلياً أو قانوناً ولائياً فهو رغم كونه قانوناً جائراً وغير عادل لأنه لا يتناسب مع الإمكانيات المالية البسيطة للمواطن أو صاحب المنشأ الصغيرة إلا أنه يظل قانوناً جائراً في ظل نظام ظالمٍ . إلا أن ما نود إثارته هنا هو ما يتعلق بتنفيذ القوانين في ظل هذه النظام الذي يدعي تطبيق الشريعة الإسلامية وبينه وبين ذلك بون شاسع ولنأخذ مثالاً لذلك قانون الثراء الحرام والمشبوه لسنة 1989م والذي أصدره هذا النظام بتاريخ 18/10/1989م أي بعد أقل من أربعة أشهر من إنقلابهم المشئوم وقد إجتهدت في الحصول علي أي تعديل للقانون المعني وعلي الصفحة الرسمية لوزارة العدل فلم أجد أي تعديل للقانون وبذلك فيكون هو القانون الذي يجري تطبيقه في المحاكم وفقاً لآخر نسخة ألكترونية أصدرتها وزارة العدل السودانية والمهم هنا هو مناقشة المادة الخاصة بالتحلل من المال المشبوه الذي إبتدعه هذا النظام في مخالفة صريحة وواضحة لنص وحكم شرعي يتعلق بالربا ( أحل الله البيع وحرم الربا ) ذلك دون الغوص عميقاً في القانون بأكمل والذي يبدوا أن النظام الإسلامي قد صاغ نصوصه لمخالفته وتحديداً نص المادة (9) من القانون والخاص ببراءات الذمة والذي يبدوا ايضاً أن النظام قد قام بتعطيل هذه المادة إلي أجل غير مسمي وسأدلل علي مادة واحدة في القانون وهي المادة (13) والخاصة بشروط التحلل من المال المشبوه والتي نصت المادة علي أن شروط التحلل هو رد المبالغ وذلك قبل قيد الدعوي في مواجهة المتهم ولكن مايبدو خللاً في النص هنا هو كيف تملك الدولة حق المغفرة للمتهم المرابي إذا تحلل من المال المشبوه وماذا عن الحكم الشرعي الذي حلل البيع وحرم الربي ؟؟ ثم إلي أين يرد المتهم المال الذي إكتسبه بالربا وقد سكتت المادة عن الجهة ؟؟ ولكن التطبيق العملي للنص يدل علي أن الجهة هي الدولة !! تصوروا الدولة تأخذ المال المكتسب من الربا وتضخه في خزينتها العامة ثم تقوم بعد ذلك بإدخاله في جيوبنا وزيادة في الغلة يدفع طرفي التعامل الربوي ما يعادل (15%) من قيمة المال للدولة ورغم أن المادة (19) من نفس القانون نصت علي سلطة وزير العدل في إصدار اللوائح إلا أن القانون قد منح الدولة حقاً في التكسب من أموال الربا وقد نص القانون في المادة (14) علي سلطات المحكمة في مصادرة المال لصالح الدولة . ونقول من حق الدولة كدولة تدين بالدين الإسلامي تحريم التعامل بالربا لأن النص قطعي الدلالة والثبوت وهذه حدودها لا أن تقحم نفسها في مسائل شرعية كالتحلل ذلك أن المعلوم أن الربا ليس من جرائم الحدود وبفرض أن الربا أو الثراء المشبوه بشبهة الربا فإن التعامل معه يكون بإبادة المال لأنه من الأموال المحرمة مثله مثل المال العائد من المخدرات أو بيع الخمر وليس مصادرته وإيداعه في بيت المال للصرف منه علي المسلمين فكل ما نبت من سحت النار أولي به. مثال آخر من أمثلة الأموال المحرمة والتي تدخل في باب أكل أموال الناس بالباطل وتدخل مباشرة لخزينة الدولة هي الغرامات المالية في جرائم شرب الخمر في العود (المدمنين) أو شرب الخمر في الأماكن العامة فالمعلوم أن عقوبة شرب الخمر إعمالاً لنص المادة (78/1) هي الجلد أربعين جلدة وهي العقوبة الحدية المعلومة والثابتة من السنة واقوال الفقهاء ولكن قانون هذا النظام أضاف عقوبة اخري للعقوبة الحدية وهي السجن والغرامة إذا تم الشرب في مكان عام أو صاحبه إستفزاز لمشاعر المسلمين وهذا تزيد في العقوبة الشرعية والغرامة التي تدفع تدخل مباشرة ايضاً لخزينة الدولة وهذا أكل لأموال الناس بالباطل وكان علي مشرع النظام الحكم علي شارب الخمر بالجلد حداً وليس تغريمه مالاً يذهب لخزينتها هذا من جانب وفي جانب أخر فشارب الخمر المعتاد (المدمن ) هو مريض بتعريف العلم والطب لأنها نسبة كحول تجري في دمه والعقوبة التي تواكب الشرع هي الجلد حداً وإيداعه مصحة لعلاجه من الإدمان حتي يعود إنساناً سوياً متفاعلاً في المجتمع لا أن تستفيد الدولة من ضعفة الإنساني ومرضه لزيادة غلتها بالباطل لأن (التائب من الذنب كمن لاذنب له) والغرامة التي تفرضها الدولة علي شارب الخمر أولي بها أبنائه الذين لاذنب لهم وليس وزيراً فاسداً أو مديراً جشعاً أو إحتفالاً سياسياً لا معني له من أموال مشبوة أخذت بغير وجه شرعي أو بوسيلة ما أنزل الله بها من سلطان. قياساً علي ذلك ومن الأموال الباطلة التي تدخل خزينة النظام علي سبيل المثال ضريبة القيمة المضافة (10%) والتي تفرضها الدولة علي فواتير المكالمات لخطوط الهواتف الجوالة وما أستطيع فهمه هنا حقاً أن شركات الإتصال من حقها المطالبة بفاتورة علي المكالمات لأن المواطن يستعمل أقمارها الصناعية وأبراج إتصالها في مكالماته الشخصية وربما حقق أرباحاً مالية أو ميزة إجتماعية من ذلك ولكن مالم أستطع فهمه لماذا ياخذ هذا النظام المأفون مبلغ مالي لفاتورة ليس هو طرفاً فيها فعملية الإتصال وإستخدام الخط الهاتفي هو إتفاق بين الشركة والمواطن فلماذا تتطفل الدولة وتدخل في خزينتها أموالاً إكتسبتها بالباطل ودون وجه حق .. وبتقرير حقيقة هامة هنا أن ماتقوم به الدولة هو أفعال محرمة وتقننها بنصوص تخالف في جوهرها الشريعة الإسلامية إلا أن السؤال هنا .. متي تتحلل الدولة من أموال الربا التي دخلت في (كرشها) أو الأموال التي اكلتها من الناس بالباطل ؟؟ ومتي تترك الدولة حالة التطفل علي جيب المواطن المسكين وتصبح دولة منتجة .. وحقاً هذه التساؤلات لا إجابة لها عند النظام فسيظل هذا النظام مقارفاً للذنوب والمعاصي حتي يقضي الله فيه أمراً كان مفعولاً ويصبح تاريخاً يدرس لأحفادنا . عمر موسي عمر - المحامي [email protected]