بسم الله الرحمن الرحيم القانون 2005م ادى الى التخلص من كل العمالة الموجودة بالمشروع والتى كانت حوالى 7000 من اداريين وزراعيين ومهندسين وموظفين وفنيين وعمال وخفراء وصمودة..الخ. الغريب في الأمر أن عدد الزراعيين بهذا المشروع الضخم لم يتعدى 300 زراعي من أخصائى حتى خريج جديد!!! وفي راييى هذا هو أحد أسباب عدم التجانس بالمشروع والفشل الاداري خاصة في الفترة من نهاية الحكم المايوي حتى اصدار قامون 2005 . المهم في الأمر ما تبقى من العاملين بالمشروع بعد التخلص أعلاه لم يتجاوز 75 شخصا ابتداءا بالمدير العام و القليل من الاخصائيين ببعض الادارات الأربعة التى سمح لها بالبقاء. تخيلوا ان ادارة ضخمة مثل وقاية النباتات بها شخصين فقط. تقلصت مهام المدير العام في أربعة مهام فقط. تم الغاء الهندسة الزراعية، وتم بيع السكك الحديدية والمحالج واكثار البذور والعديد من الادارات المهمة. أصبحت الادارة لا علاقة لها بالمزارع و لا تستطيع أن تفرض عليه أى شئ، وتجاهل الجميع ما جاء بالقانون بخصوص (الضوابط الفنية) والالتزام بالحزم التقنية التي نص عليها قانون 2005 صراحة. كما فشلت روابط مستخدمي المياه في آداء عملها لعدم التدريب وعدم كفاية اعدادها وعدم توفر الامكانيات لها مع عدم اكتسابها لاحترام المزارعين. لم تستطيع أى جهة فرض سياسة زراعية على المزارعين، وأصبحت النمرة الواحدة تحمل كل أنواع المحاصيل، بخلاف ما كان يحدث في السابق حيث كانت كل النمرة تخصص اما لقطن أو ذرة أو فول أو قمح أو خضروات (جنائن). رفض أغلب المزارعين زراعة القطن مالم يتوفر تمويل وتحديد الأسعار مقدما. انطبق ذات الشئ بالنسبة للقمح. اتجه المزارع الى زراعة العدسية والكبكبى والبصل وبعض الخضروات. تدنت مساحات القطن حتى وصلت الى 38 ألف فدان مقارنة بنصف مليون فدان سابقا مما أثر تأثيرا كبيرا في كل الأنشطة بالولاية التي تعتمد كلها (4.5 مليون شخص) بطريقة مباشرة وغير مباشرة عليه. أبسط الأمثلة توقف مصانع الزيوت ولجوء السودان لأول مرة في تاريخه استيراد الزيوت من الخارج مع ارتفاع غير مسبوق في اسعارها، وارتفاع مماثل في أسعار الأمبازات والذي بدوره أدى الى ارتفاع مبالغ فية فى تكلفة تغذية الحيوان وزيادة أسعار كل منتجاتها من الألبان واللحوم مما جعل أغلبية الشعب السوداني تتخلى عن شرائها. نهبت السريات واختفت نهائيا وانطبق ذات الشئ على منازل المفتشين والموظفين والعمال والمخازن. ملكت بعض المنازل ببركات لبعض الموظفين، اضافة الى السيارات وكل وسائل الحركة والجرارات وبقية الآليات..الخ. اما عن الترع والقنوات فحدث ولا حرج. الاطماء والحشائش والأشجار قللت من كفاءة هذه القنوات بما لايقل عن 50% واضطر الغالبية من المزارعين الى استخدام بوابير ومضخات لرفع الماء، ورأيت بأم عيني كمائن طوب تستغل الطمي الموجود بالترع وبجوار الترع لصناعة الطوب. بالتأكيد، نتيجة هذا الاطماء بالترع حرم الحواشات من الطمى، وبالتالى قلل من خصوبتها وضعف الانتاجية. من أهم نتائج القانون هجر المزارعين للحواشات لعدم توفر التمويل وهجرتهم الى المدن الكبيرة لمقابلة احتياجاتهم واسرهم وأغلبهم يمارس أعمال هامشية. أما على مستوى الولاية فقد اصبحت كل المدن تفقد سكانها الذين هاجروا الى العاصمة نظرا لركوض الاقتصاد ، خاصة بعاصمة الولاية والتي لولا وجود جامعة الجزيرة وهيئة البحوث الزراعية والري لهجرها من تبقى من السكان. مؤسسة الأقطان ارتكبت جرما كبيرا في حق هذا المشروع. بل أعتقد أنها كانت (العامل الرئيس) وراء فشل قانون 2005م. من المعروف أن الغرض من انشاء هذه المؤسسة في أيام حكم المشير نميري أن تكون هي (الوسيط) لبيع اقطان السودان، وتأخذ نسبة من الأرباح، وكان التمويل يتم من بنك السودان. تدخلت المؤسسة وعرضت على المزارعين تمويل بعض المدخلات والخدمات ورفضت توفير البعض الآخر، كما رفضت تحديد سعر الشراء مقدما، كما طلبت زراعة مساحات بعينها (هل تذكرون قصة عقد الاذعان!!). اصر الزراع على ضرورة السلفيات وتحديد سعر الشراء مقدما، مع ضرورة دفع الفرق، اذا وجد، مابين سعر الشراء والسعر العالمي الذى تم البيع به (ازالة الغبن). رفضت المؤسسة وامتنع الزراع عن زراعة القطن. بل قامت المؤسسة أيضا بانشاء شركات صغيرة تحت الشركة الأم تدخلت في شراء الخيش والمبيدات وغيرها وبقية القصة معروفة للجميع!! أما اتحاد المزارعين فهو ايضا يعتبر (العامل الثاني) المسؤول عن فشل كل من المشروع والقانون. مجموعة تجيد الكلام المنمق، وترتدي أفخم الجلاليب والعمم والشالات وتمتلك أفخم وأحدث الموبايلات والسيارات، وتجيد واستخدام المصطلحات العلمية والسياسية الانقاذية، ويعشقون الاجتماعات مدفوعة الأجر والحوافز والمكافآت والسفريات، وعضوية مجالس الادارات، ولا يقومون بأى عمل له مردود واضح للمزارع أو للمشروع أو على الأقل لانجاح القانون الذي دعوا له وتبنوه!!! بل قام أحدهم بترشيح نفسه لمنصب مدير عام المشروع من قبل، وكان من الضمن 5 أشخاص رفع اسمهم الى السيد رئيس الجمهورية لاختيار أحدهم للمنصب. لكن سيادته رفض وقام باختيار برفيسرمن هيئة البحوث الهايدروليكية. لقد قمت شخصيا بمناقشة العديد منهم بخصوص القانون وكانت ردودهم بعد النقاش أن القانون (غير منزل)، ويمكن تغييره!! لكن لم ولن يجرؤ أحدهم أن يقول هذا أمام الجهات السياسية المسؤولة والا فقد كل هذه الهيلمانة. نهاية الأمر ان هذا المشروع أصبح في حالة يرثى لها. كل البنيات التحتية أصبح لا وجود لها ماعد مباني الرئاسة ببركات. لا توجد منازل في أى مكتب من المكاتب. لا توجد سيارات، قنوات الرى تحتاج الى مليارات (10 الف كم طولي)، لا توجد سكك حديدية، لا توجد همدسة زراعية ولا آليات، لا توجد ادارة اكثار بذور، المحالج آلت الى جهات أخرى، الخبرات المتراكمة والارشاد المتميز تم فصلها، وبعضهم التحق بالقطاع الخاص وبمرتبات مغرية ولا أمل في أن يعودوا مرة أخري للأخذ بيد المشروع، والحواشات تحتاج الى معاملات كثيرة مكلفة وأهمها التسوية بالليزر مع ضرورة تحليل كل تربة المشروع وتحديد احتياجاتها من العناصر الغذائية وغير ذلك من المطلوبات والضروريات. في المقال القادم لدينا الكثير الذي يجب أن يقال. اللهم نسألك اللطف (آمين). [email protected] بروفيسر/ نبيل حامد حسن بشير كلية العلوم الزراعية – جامعة الجزيرة