لا خير فينا إن لم نشجب وندين الهجوم المسلح علي ولاية (شمال كردفان) ومدنها وتشريد وترويع المواطنين العزل وضرب مصالحهم الحيوية . إذ لا يوجد إنسان عاقل ناهيك عن كونه سوداني أو خلافه ، يوافق علي تشريد ونهب وقتل الناس الأبرياء والضعفاء والعزل ، وضرب المرافق العامة الخاصة بالناس مثل الكهرباء والماء . واستغربت كثيرا من بعض الجهات ومنها قوى سياسية معارضة التزمت الصمت تجاه الهجوم وفيه ما فيه من قتل وتخويف الآمنين في بيوتهم ومتاجرهم ، وتجريدهم من ممتلكاتهم الشخصية مهما كانت الأسباب . وإذا لم تشفع دموع اليتامى والأرامل والأمهات والآباء الذين فقدوا ضحايا في هذه الأحداث عند ناس امتهنوا التنادي بقضايا (الغبش) لشيء في النفس وحدها ، فلا غير ذلك ينفع ويجدي . لكن بنظرة متعمقة لم يكن النظام الحاكم ليترك فرصة ذهبية مثل هجوم قوة الجبهة الثورية المعارضة علي الأبرياء وترويعهم وتشريد المئات منهم في الخلاء ، ليستغلها إلي أقصي حد ممكن في تقوية صفوفه وتعكير الجو علي المعارضة ورص الجبهة الداخلية ضدها بعد ما ضرب الجموع الوضع الاقتصادي المتأزم ومشاكل غلاء الدواء وندرة بعضه وغياب غاز الطهي وغلاءه والتذبذب المرتفع لسعر صرف العملات العالمية أمام الجنيه . فجاءت حركاته كلها في استغلال الوضع والحشد والاستنفار ضد الهجمة واحتلال المناطق الآمنة ، وهو ما لم يفعله في مظاهرات (أم دوم) بشرق النيل التي (بردها) بالتجاهل . بل سارع هنا في تسليط ضوء شديد عليها وتطايرت خطابات الشجب والإدانة المشروعة منها والمستغلة ضد الهجوم احتلال بعض المناطق مثل (ابوكرشولا) ، التي اتهمت قوة الجبهة الثورية المعارضة المسلحة ، أنها قامت بنهب ممتلكات المواطنين وتدمير مؤسسات حكومية في مدينة (أم روابة) أثناء هجومها على مناطق مختلفة في ولاية (شمال كردفان) . لكن الحزب الحاكم نسى تماما أنه يتعامل مع الشعب السوداني المعلم والمربي والمتجمل بالصبر الجميل علي بني جلدته علهم يتعلموا ويكفوا أيديهم والألسن عنه وعن قضاياه وعن تظلمات السنين الطوال وشظف العيش والبلاد غنية تواجه فقر القلوب والنفوس . فبمثل ما سوّق من قال عام 2008 م وقوة العدل والمساواة تدخل (أم درمان) وتجتاح العاصمة القومية ، (أنهم رصدوها وتركوها تدخل المدينة والأحياء في يسمي وفق العلوم العسكرية (منطقة القتل) ليتم تدميرها (وسط المدنيين)) !!! . خرج علينا عدة قيادات ولائية ومركزية تابعها الناس المجروحة والغاضبة والتي تحس بالمرارة التي زادت علي مرارات عدة ، خرج لهم من قال :إن هذه القوة المهاجمة كانت مرصودة وفق المتابعة والشهادات الحية من أعيان تلك المناطق وعمدها وكل المواقع المحيطة بمناطق (ابوكرشولا) (الله كريم) (أم روابة) و(الرهد) بولاية النيل الأبيض . وليس أدل علي ذلك من تصريح الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة العقيد (الصوارمى خالد) أن القوة المهاجمة التابعة للجبهة الثورية تجمعت أولا في منطقة (جاوا) بجبال النوبة وتسللت هذه القوة عبر المسالك الوعرة بجبال النوبة إلى أن وصلت مدينة (أبو كرشولا) وقرية (الله كريم) وواصلوا تقدمهم إلى (أم روابة) رغم محاولات الجيش للتصدي . واثبات ذلك أيضا إفادة والي ولاية شمال كردفان (معتصم ميرغني) للتلفزيون الحكومي يوم السبت بعد الهجوم ، (معرفتهم لهذا الحشد وخط سيره وأنهم اشتبكوا معه . . . لكنه غير اتجاه سيره !!! ، واجتاح قرية (الله كريم) ومدينة (أبوكرشولا) . ونظرا لعدم وجود قوة عسكرية للجيش عدا قوة الشرطة اجتاح الرتل المسلح (أم روابة) المدينة التجارية والاستراتيجية المهمة ) . وبالإضافة إلي هذه الإفادات الرسمية ، تابعنا وحسب الكثير من المصادر ورود إفادات حملتها الهواتف والتناقل الشفهي ، تحدثت عن وجهة هذه القوة ، منها ما ذكر أن قيادات وشهود عيان ابلغوا السلطات عن هذه الحركة العسكرية للجبهة الثورية قبل مدة كافية جدا تسمح لتنظيم الصفوف والحشد للتصدي لها ورصدها ومتابعة خط سيرها وأهدافها ومراميها ، تحركت قبل أكثر من أسبوع من جبال النوبة باتجاه ولاية شمال كردفان بالتحديد . وهي الوجهة التي حددها شهود العيان من السكان تلك المناطق وتم تبليغ السلطات الولائية والنظامية بذلك من فوره حسب الاستطلاعات التي نشرت عبر القنوات التلفزيونية ونشرت كتابة وصورا وفيديوهات علي المواقع الالكترونية . ولا يخرج الأمر بعد هذا العرض من احتمالات عدة أحلاها بطعم الحنظل ، ونبدأ بالأمّر إما أن القوات النظامية قصّرت في واجبها الوطني تجاه البلاد والعباد ؟ وهذا احتمال لا نحب وجوده وترجيحه ، وإما أن الحكومتين الاتحادية والولائية مقصرتين في ضبط الوضع وإدارة الأرض والأوضاع ؟ ، وإما أن هنالك من بيده تعتيم الصورة ليستفيد من هذا الوضع المتأزم لتحقيق أهداف لا تمت بحياة الناس وأهميتها بصلة ؟ وإما هنالك شقاق وعدم تنسيق بين فئات القوات النظامية من جيش وشرطة وأمن ، وتريد كل واحدة شقا الأخرى ؟ وهذا أمر لا نتمناه ، وإما أنه لا يستحق من يجلس علي قيادة الدفاع والأمن والحكم المحلي الثقة الموضوعة فيه وفي كفاءته الإدارية والقيادية ؟ وهذا هو أيضا منه الخطر العظيم . وهذه الأسئلة توضح لنا بجلاء ومن غير إجابة أن الأوضاع الأمنية والتنسيقية والاستخباراتية فيها من الثغرات ما يرقي لحدوث ما حدث يوم السبت الماضي من اختراق واضح ، ذكّرنا بذلك الاختراق المعيب الذي حدث يوم 10 من مايو 2008 والذي نتج عنه رغم الجهود المحسوبة علي أصحابها جزاهم الله خيرا غزو نادر الحدوث عبر العالم لاجتياح تمرد علي الحكومة المركزية عاصمة البلاد في وجود حكومة ليست بالمتهالكة ولكنها تسير (بالله كريم) . ولابد لكل صاحب عقل ووطنية عليه من الناس تكليف تسيير حياتهم وحفظ أمنهم وإدارة شأنهم ومالهم أن يشرع في تحقيق فوري صارم قبل أن تجف دموع الضحايا ودماء الشهداء ، لتقديم كل من سولت له نفسه العبث والإهمال بحياة الناس وأمنهم ، وجعل التكليف مطية لأطماعه وأهدافه . وكم تحتاجون يا أيها الناس من دلائل لكي تفهموا أن الاستقالة هي اقل الواجب تجاه الوطن بعد التقصير المتواصل والمخجل ، فإذا كان المسئول وباء وعبئا علي البلاد ، فعليه الذهاب غير مأسوف عليه ، ينشغل بحاله ويترك حال الناس لرب الناس فالبلاد أولي منه ومن طائفته . وليس هنالك من أثر أكبر علي تضرر البلاد والناس بخلاف ما خسرته من معدات دفع ثمنها المواطنون من ضرائب وموارد وثروات ، أن البسطاء والشعب في شمال كردفان حصل لهم ترويع شديد لم يخبروه قبلا جعلهم يخافون علي أنفسهم وأهلهم ومتاعهم تاركين منازلهم وبعضها تشوه نتيجة للعنف والقتال علي جدرانها وأبوابها . وكم تحتاجون لبراهين لكي تعلموا أنك تقيمكم للناس والقيادات لا يجب أن يكون بالمحسوبية والصداقة والتبعية والتنظيمية ، ولكن بالقدرة والاقتدار والعمل في كل أنواع الظروف ، فلا يمكن أن تكون الصداقة فوق مصلحة البلاد والعباد . و أعلموا غفر الله لكم أن سنين الزمالة ليست تساوي ذرة في تأريخ هذه البلاد التي أوجدها الله تعالي منذ أكثر من 7 الآلف سنة . [email protected]