انتقلت الحرب الدائرة في جنوب كردفان منذ ثلاث سنوات لمرحلة جديدة من حرب عصابات تقليدية .. لحرب تستهدف المدن وتمد عنقها لمناطق أقرب للعاصمة الخرطوم.. مستفيدة من الطبيعة وتضاريس الجبال والعقيدة القتالية لمتمردي دارفور.. وتقف عمليات الأمس بشمال كردفان وشرق جنوب كردفان كشاهد على تطور الحرب وبلوغها مرحلة إحداث تفجير إعلامي كبير بالهجوم علي مدينة أم روابة في قلب السودان وقطع الطريق القومي الأبيض الخرطوم وهي عملية كانت متوقعة من شخصية عسكرية مغامرة مثل "عبد العزيز الحلو" وهو يقود بنفسه قوات الجبهة الثورية من بحيرة الأبيض على الحدود مع دولة الجنوب حتى شمال كردفان وهي مساحة تقارب ال(700) كلم .. ويوم وصولي لمناطق الكويك وكادقلي ومحلية الريف الشمالي التي تعرضت لهجوم وتهجير قسري يوم (الخميس) الماضي كانت المعلومات العامة لدى المواطنين في أي مكان .. الأسواق .. القرى مجالس الأنس عند القوات النظامية معلومات عن عدد القوات التي حشدت وآلياتها ونواياها العدوانية .. كل شيء كان معلوماً لدى صناع القرار السياسي وللأجهزة العسكرية .. وحينها تحدثنا لنحو ثلاثة عشر ألفا من النازحين في منطقة الكويك..كان على اتفاق بأن قوات التمرد تتقدم شمالاً نحو أمبرمبيطة ورشاد وأبو جبيهة .. ومساء (الأربعاء) الماضي أمير الحوازمة بأبي كرشولا "النور الطاهر" يبلغ كل أجهزة الدولة عن (40) عربة (لاندكروزر) تعبر المنطقة نحو الشمال الشرقي ثم يتحدث الأمير لكاتب هذه السطور عن وجود "عبد العزيز" في مناطق أم بركة متخفياً وسط القوة ومساء (الجمعة) تصل قوات التمرد أبوكرشولا وتستبيحها وتعبث بها، كما شاءت وحيث أرادت. ولم تفيق الدولة إلا صباح أمس حينما وجدت القوات المتمردة نفسها بالقرب من الأبيض .. تحرق قرية الله كريم بمحلية الرهد وتنال مبتغاها من الوقود وتمضي إلى أم روابة في جرأة تحسد عليها.. - الآن أصبح خيار قتال التمرد بكل قوة وصلابة هو خيار من لا خيار له حتى تنكسر شوكته ويدرك التمرد أن السلام هو خياره للبقاء على قيد الحياة السياسية.. - هل تستيقظ الخرطوم من غفوتها الحالية وتضع في أولوياتها أمن جنوب كردفان وشمالها، أم تتمادي في الإصغاء لتقارير كاذبة تجمل واقعاً لا يمكن تجميله.. وقد حصدت جنوب كردفان ثمرة الحرب المرة تدميراً وتشريداً ونزوحاً .. والآن في محلية الريف الشرقي كادقلي ثلاثة عشر ألف من ضحايا التمرد بعد الهجوم على مناطق الدندور وبجعاية والحركة تقتاد (150) أسيراً من المدنيين وتحرق الأطفال حتى يلفظون أنفاسهم والخرطوم عن تلك المأساة لاهية تغني وتطرب ولا تشعر بوخز الضمير الإنساني. - ليواجهها الآن انتقال الحرب لمناطق أقرب للعاصمة مثل أم روابة .. وما حدث بها من انتهاك لأمن المواطنين وقد كان معلوماً لكل ذي بصيرة أن في مناخات التفاوض تلهث الحركة نحو تحقيق مكاسب على الأرض بالهجوم على بعض المناطق .. - ولكن ما كان أحد في الخرطوم يعتقد .. ويصدق ويضع في حسابه أن التمرد يمكنه وصول حتى الطريق القومي وإحداث تفجير إعلامي في يوم تأسيس الخرطوم لأكبر تجمع حزبي أفريقي لصرف الأنظار عن المؤتمر لحدث آخر من شأنه (هز) السودان من أقصاه لأدناه.. وقد تحقق للتمرد شيء من ذلك ولكن فلترد عليه قواتنا ودفاعنا الشعبي بعملية تعيده لحرب العصابات وتقلم أظافره .. ولا يزال في الصيف ستون يوماً لفعل الكثير إذا ما استيقظت الخرطوم من نومها العميق وأدركت أن أمن مواطنيها مسؤولية أخلاقية وليست وظيفة تؤديها نظير أجر..