في كل مرة يطرح إمام طائفة الأنصار وزعيم حزب الأمة السوداني الصادق المهدي مبادرة جديدة للحكومة والمعارضة بالسودان للخروج من مستنقع الأزمات المستفحلة، ولكن رغم ذلك لا يجد التجاوب لا من الحكومة التي تسعى بكل جهدها لإبعاده من المعارضة بأي وسيلة ولا من المعارضة التي ظلت تشكك في نواياه رغم انه ظل يؤكد أنه معارض وأصيل وان ما يطرحه هو الأساس لحل أزمات السودان. وآخر ما طرحه المهدي هي مبادرة جديدة في مواجهة خطة المائة يوم التي حددتها المعارضة لإسقاط الحكومة، وسماها بخارطة الطريق نحو مستقبل الوطن وخير حكومة الرئيس عمر البشير ما بين قبول حكومة قومية انتقالية أو انصراف الشعب السوداني عنها بالضغط باتجاه تغيير النظام بكل الوسائل السلمية لا العسكرية التي تؤيد فيها بعض أطراف المعارضة السودانية الجبهة الثورية التي تقود العمل العسكري المسلح ضد النظام. ولكن رغم الطرح الموضوعي الجديد للمهدي إلا أن الحكومة السودانية سارعت ورفضت المبادرة جملة وتفصيلا وقللت منها، فيما رأت المعارضة السودانية في مبادرة المهدي الجديدة أنها تشكل تراجعًا عن توافقه مع المعارضة تجاه خطة المئة يوم لإسقاط الحكومة خاصة بعدما تهكم المهدي من الخطة ورفضها الأمر الذي جعل المعارضة تحرج المهدي بإعلانها أن خطة المئة يوم للتغيير تم طبخها في مقر حزب الأمة وبمشاركته ممثليه وأن الحزب كان لاعبًا أساسيًا في وضعها. لقد أدخل الواقع السوداني المتأزم الصادق المهدي وحزبه بين نارين، نار الحكومة السودانية التي ظل يقول ويؤكد أنه معارض لها ويطرح في كل مرة مبادرة جديدة للخلاص منها بطرق سلمية ونار المعارضة التي هو شريك أصيل بل أساسي فيها باعتبار أن جميع الأنشطة المعارضة والقرارات تتخذ بمشاركة حزبه وفي مقر الحزب ولذلك لم يجد الرضا لا من الحكومة التي استطاعت أن تجذب عددًا من قادة الحزب للمشاركة فيها ومن بينهم نجله العقيد عبد الرحمن الصادق المهدي بمنصب مساعد الرئيس ولا من المعارضة التي تتقوى به وبثقل حزبه في الشارع، ولكن المهدي لم يستفد من هذا الواقع بل عمل على تحييد الحزب بمواقف لا هي معارضة للحكومة السودانية ولا هي موالية لها وظل يطرح مبادرة تلو الأخرى لم تأخذ بها الحكومة ولا المعارضة. رغم أن الصادق المهدي يدرك أن الواقع السوداني الحالي المتأزم إلا أن مواقفه ظلت غير مؤثرة، فالحكومة تدرك ثقل المهدي وثقل حزبه وطائفته ولذك فهي ظلت تعمل بكل جهدها على تحييد مواقف المهدي وأبعاده عن المعارضة، وأن سياسة الحكومة تجاه حزب الأمة ليست وليدة اليوم وإنما بدأت منذ توقيع اتفاقية جيبوتي في تسعينيات القرن الماضي والتي بموجبها انسلخ الحزب عن التجمع الوطني المعارض آنذاك وعاد قادته للداخل، فالحكومة عملت على تنفيذ هذه السياسة على شق حزب الأمة بانضمام مبارك الفاضل المهدي وعدد من قادة الصف الثاني إلى الحكومة وتوجتها بضم نجل المهدي العقيد عبد الرحمن للحكومة. فالصادق المهدي ظل هدفا للحكومة والمعارضة معا، فالطرفان ليس بوسعهما الاستغناء عنه، فالمعارضة رغم إدراكها بمواقف المهدي تجاهها واتخاذه خطا مختلفا عنها في بعض القضايا السودانية المفصلية إلا أنها لا تريد الدخول في مفاصلة معه ومع حزبه، فالجميع يدركون أن أغلب الشارع السوداني بيد حزب الأمة ويدركون أيضا أن المهدي لا يستطيع تحريك هذا الشارع وخاصة أن الحزب الحاكم يدرك تماما مدى خطورة ذلك ولذلك عمل بكل الجهود لتفتيت الحزب خاصة في مناطق نفوذه التقليدية عبر الإغراءات والانشقاقات فظهر من حزب الأمة المنشق الذي كان قد انضم للحكومة بقيادة مبارك الفاضل أكثر من أربع أجنحة جميعها مشاركة بالحكومة بعد طرد رئيسها الأصلي وجميعها أصبحت خصما على الحزب الأصلي بقيادة المهدي. مشكلة الصادق المهدي في كثرة المبادرات التي ظل يطرحها ولا يتعامل معها بالجدية اللازمة، ففي كل أزمة يطرح مبادرة ترفضها الحكومة أو تتجاوب معها لحين قبل أن تتجاهلها، فهو قد طرح مبادرة المؤتمر الدستوري لحل أزمات السودان وتمسك بها لفترة طويلة قبل أن تجبها اتفاقية التراضي الوطني مع المؤتمر الوطني الحاكم التي ماتت وشعبت موتا ووضح أن الهدف منها كان أبعاد المهدي عن المعارضة وها هو حاليا يطرح مبادرة خارطة الطريق نحو المستقبل التي لم تتجاوب معها لا الحكومة ولا المعارضة، فالحكومة تدرك جيدا أن مبادرات المهدي مرحلية فقط وان ما يهمها فقط إبعاده بكل وسيلة عن المعارضة ولذك أشاد نافع على نافع بطرح حزب الأمة تجاه القضايا الراهنة ولكنه لم يتجاوب مع مبادرة المهدي، في حين المعارضة التي تتوقع من المهدي أن يكون راس الرمح في خطة التغيير فوجئت بالمبادرة كما فوجئت بالهجوم على خطة المئة يوم للتغيير وأن موقف المهدي من خطة التغيير جاء لصالح الحكومة. من الواضح أن المهدي قد وقع بين ناري الحكومة والمعارضة وأنه غير مرض عليه لا من الحكومة ولا من المعارضة في حين أن موقفه هذا تسبب في حرج لبعض نشطاء حزب الأمة خاصة الشباب والطلاب الذين يعارضون أى تقارب من أى نوع مع الحكومة السودانية وينشطون وسط فصائل المعارضة لإسقاطها. مشكلة الصادق المهدي الحقيقية انه "يمسك بالعصا من النصف"، فهو يحاول حتى داخل حزبه أن يرضي جميع التيارات، وانعكس هذا الموقف في تعامله مع الحكومة والمعارضة معا، فالحكومة استطاعت أن تحييد المهدي عبر تعيين نجله في منصب مساعد الرئيس رغم إدراكها بمواقف بعض قادة الحزب المعارضين لأى تقارب معها، والمعارضة السودانية بسبب ضعفها وتشتتها وجدت الحماية السياسية والثقل من المهدي وحزبه ولكن المهدي لم يسمح لها بتجاوز الحدود خارج النطاق الذي رسمه هو، المهدي يريد إسقاط الحكومة السودانية على طريقته هو لا عن طريقة المعارضة وأن طريقته تقوم على مبادرات سياسية مثل المؤتمر الدستوري وخارطة الطريق والخروج السلمي ومن ثم الجهاد المدني في حين المعارضة تريد العصيان المدني الواضح ربما المحروس عسكريا. ومن هنا اختلفت الرؤى ولكن رغم ذلك لا فصائل المعارضة السودانية تستطيع الاستغناء عن حزب الأمة والمهدي ولا المهدي وحزبه يستطيعان الاستغناء عن المعارضة كما أن الحكومة أيضا ليس بوسعها الاستغناء عن المهدي وحزبه فهو الورقة الرابحة التي تستخدمها الحكومة وقت اللزوم ضد المعارضة. وهذا الواقع ادخل المهدي بين ناري الحكومة والمعارضة فهو مستمتع بين الاثنتين ولذلك ظل يطرح في كل مرة مبادرة جديدة رغم إدراكه التام أن لا الحكومة والمعارضة تأخذ بها مأخذ الجد. الراية