مدخل:- حين يأخذك الصمت منا..فتبدو بعيدا..كأنك راية قافلة غرقت في الرمال...تعشب الكلمات القديمة فينا...وتشهق نار القرابين فوق رؤوس الجبال..وتدور بنا أنت..ياوجهنا المختفي خلف سحابة...فى زوايا الكهوف التي زخرفته الكآبة...ويجر السؤال .. السؤال...وتبدو الإجابة.. نفس الإجابة . النص:- يعتصر الأسى حروفنا فتبدو عصية على الإفصاح والإبانة في محاولات إرتحالاتها صحبة الدرويش العظيم في آخر محطاته...محمد مفتاح الفيتوري..إسم جاوز المدى زاحماً الآفاق براياته الشامخات...أشعل مهرجانات الشعر واهباً ليلاتها الضياء..ألهب الأكف بالتصفيق رافعاً الصوت عالياً في محاريب العشق والنضال والجمال..ثم حلق فوق الأفق الغربي هناك حيث ضاحية "تمارا" بالمغرب العربي.. منها أطل من نافذة الصمت على سرير أبيض متأملاً لدنيا لا يملكها من يملكها ولعالم نال منه النكران والجحود,مخاطباً حضوره الواجم بصمت صاخب. وتَجفُ مِيَاهُ البحرْ..وتقطعُ هجرتها أسرابُ الطيرْ..الغربال المثقوب على كتفيك...وَحُزنْكَ فى عينيكْ...جبالْ..ومقاديرُ..وأجيالْ..يا محبوبى..لا تبكينى..يكفيك ويكفينى..فالحزنُ الأكبرُ ليس يُقال عذراً سيدي..فلو كنت لاعب كرة أجنبي عاطل الموهبة عديم الفائدة..لأتتك جنسيتنا "الممحونة" طائعة تجرجر أزيالها على بوابات صالة الوصول...ولو كنت معتمراً بندقية على عتبات التمرد, لحجت إليك معارضتنا "خائبة الرجاء" وبريق السلطة بعينيها العامشتين...ولأفسحت لك حكومتنا "التعيسة" المنابر بكل فجاج الأرض وفاوضتك بكل لغات العالم..ولعدت عودة الظافرين الفاتحين. لكنك سيدي لست سوى شاعر طوى شراعه عند شواطئ النضال ووراق نضر أوراقه بمداد من جمال. خارجاً من غيابك لا قمر في الغياب ولا مطر في الحضور مثلما أنت في حفلة العُرس والموت لا شىْ إلا أنتظار مرير وانحناء حزين على حافة الشعر في ليل هذا الشتاء الكبير ترقب الأفق المتداخل في أفُقٍ لم يزال عابراً في الأثير. لربما عدت سيدي..عندها ستجد الخرطوم الحزينة وقد عرٌش الليل طرقاتها ورشٌ عليها أساه العميق...لن تجد "وردي" ليتغنى في حضرتك بمغانيك الموغلة في الوطنية..ستجد التراب الذي طرزت ذراته عرساً قد أضحى مأتماً..فقد إنشطرت البلاد وصمت المغني العظيم...ستجد ليالي المدينة وقد كستها الكآبة وفارقتها دهشتها الأولى بلا عودة فقد عز الإبداع وأستعصى الإمتاع في زمن الغربة والإرتحال. على طرقات المدينهْ إذا الليل عَرّشها بالعروقْ ورشَ عليها أساه العميقْ تراها مطأطئة في سكينهْ محدّقة في الشقوقْ فتحسبها مستكينة ولكنها في حريق. أما نهاراتها,فقد شوت بشمسها جسد النيل العاري وهو يراقص النسيان بلا ساق على غياهب الأحزان..فما عاد نيلها مؤدياً لفروض الطاعة بركعتين للعشق تحت شمسه. مختبئاً في معانيك...خلف زجاج العيون ومنحنيات المرايا ..مثل روح بدائية تتحسس غربتها..في وجوه الضحايا مثلما انحفرت في عظامك أطياف ماضيك مثل طيور الدجى الاستوائي ... مصطفة كلماتك .. فوق مقاعدها الحجرية شاخصة فيك فاتحة صدرها للمنايا. ستجد "سند" وقد إستطالت حوائط ونهض ألف باب ما بين عالمنا الدنيوي الوضيع وعوالمه العليا, في رحاب مليك مقتدر...ستغني وحيداً غريب الوجه واليد واللسان لإفريقية وصلاح أحمد إبراهيم يلتحف الثرى بنزل "البكري" فمن غيره يشاطرك وزر سواد الإهاب وحر شموسها الحارقات. الفجر يدك جدار الظلمة فاسمع الحان النصر هاهي ذي الظلمة تداعي تساقط تهوي في ذعر ها هو ذا شعبي ينهض من اغمائته عاري الصدر ها هو ذا الطوفان الاسود يعدو عبر السد الصخري ها هي ذي افريقيا الكبرى تتألق في ضوء الفجر. خيول القريض بعدك أدمى رقابها سروج الرهق وأشتبه الدرب بناظرها..فتاهات في متاهات وساكنت الفلوات من بعد إخضرار وإيراق...لن تجد سيدي "سولارا" أو "يوسف تاشفين" أو "الشاعر واللعبة" على خشبة المسرح القومي العتيق...ستجد مقاعداً بارحها الرواد وخشبة تشكو قلة الفئران . لا تعجب يا ياقوتْ الأعظم ُ من قدرِ الإنسان هو الإنسان القاضى يغزل شاربه لمغنيه الحانه وحكيم ُ القرية مشنوقْ والقَرَدَةُ تلهو فى السوقْ يا محبوبى ..ذهبُ المضطِّر نُحاسْ قاضيكم مشدود'' فى مقْعده المسرقْ يقضى ما بين الناسْ ويجُرُّ عباءته كِبْراً فى الجبانه لن تُبْصرْنا بمآقٍ غير مآقينا لن تَعْرِفْنا ما لم نجذبك فَتَعْرِفَنا وتكاشفنَا أدنى ما فينا قد يعلُونا يا ياقوتْ فكن الأدنى تكن الأعلى فينا. سيدي محمد مفتاح الفيتوري...عذراً إن لم تستطع أقدامنا الحافيات ممارسة فضيلة التجول واسعاً في محاريب جمالك الشاهقات...عزاؤنا أن الجلوس يطيب أيضاً في حضرة جلالك...كل المنى رغم ما سلف من حروف مهرقات مرهقات أن تسمعنا النشيد: يا أخى فى كل أرض عريت من ضياها وتغطت بدماها ...يا اخى فى كل ارض وجمت شفتاها واكفهرت مقلتاها قم تحرر من توابيت الأسى لست اعجوبتها أو مومياها انطلق فوق ضحاها ومساها. ختماً...لك من كل فؤاد باقة الحب الحنون ودعنا نردد معك بعشق يفني العشق وفناء هو الإستغراق...إستغراق كامل في الفجيعة كامن في الحنايا. ما بيدي أن أرفعك.. ولا بها أن أضعك.. أنت أليم.. وأنا أحمل آلامي معك.. وجائع.. ومهجتي جوعها من جوعك.. وأنت عار.. وأنا.. ها أنذا عار معك.. يا شعبي التائه.. ما أضيعني، وأضيعك.. ما أضيع الثدي الذي أرضعني.. وأرضعك.. يا ليته جرعني سمومه.. وجرعك". [email protected]