يصادف هذا الشهر الذكرى الخامسة والستون لإندلاع أول حرب عربية بين العرب وإسرائيل والتي إندلعت غداة إعلان دولة إسرائيل وهي الحرب التي شاركت فيها العديد من الدول العربية وساهم فيها السودانيون بشكل فاعل عبر إرسال مئات المتطوعين إلى ساحات القتال حيث سجلوا أنصع الصفحات بشهادة الأعداء.ما دعاني للكتابة هو خلو مكتباتنا اليوم من مرجع ، مؤلف أو كتاب يوثق لهذه المشاركة التاريخية ، بإستثناء بعض الأوراق المتناثرة هنا وهناك وبعض الذكريات التي سجلها الصاغ زاهر سرور الساداتي عن تجربته في هذه الحرب ، غير أن ما كتب لا يشفي الغليل ، أما المراجع العربية فحدّث ولا حرج . يقول التاريخ بأن وقفة التعاضد السودانية مع الشعب الفلسطيني بدأت منذ سنة التقسيم سنة 1947 ، حينما تكونت (لجنة السودان المركزية ) وهي لجنة تكونت من ممثلي الأحزاب والهيئات والطوائف وأضطلعت بالاساس بمهمة جمع التبرعات ، لكنه ومع ظهور نذر الحرب في سماء المنطقة عام 48 ، سافر القائمقام / حامد صالح الملك إلى مصر لإستجلاء الأمر فكان أن طلب منه المصريين الدعم العسكري فعاد إلى السودان وتم فتح مكتب للتطوع ، سرعان ما أندفع إليه نحو 7000 مقاتل ، تدفعهم الغيرة والحماس لمقاتلة اليهود ولكن ولأن معيار الإختيار كان عاليا فقد تقلص هذا العدد إلى أقل من ذلك معظمهم ممن قاتل في الحرب العالمية الثانية وهنا يصف الصاغ زاهر الساداتي كيف أصطفت الجموع الغفيرة من الناس لوداعهم عند مغادرتهم بالقطار إلى مصر ، كما وصف الإستقبال والحفاوة التي قوبلوا بها في مصر سواء من الخاصة أو العامة على حد سواء . هنا يذكر لنا التاريخ كيف قدم السودانيون واحدة من أروع الصور في الصبر والجلد حينما ساروا من رفح إلى عسقلان سيرا على الأقدام وفي ذلك يقول القائد الفلسطيني أحمد جبريل عند زيارته السودان عام 2010 أن الفلسطينين لا يزالون يتذكرون كيف جاء السودانيون إلى فلسطين وهم حفاة ليقاتلوا بجانب أخوتهم الفلسطيين ، مردفا بأن للسودان مكانة في القلب والخاطر . أما في ساحات المعارك فقد جرى توزيع السودانيين على القطاعات التي حددت لهم فأوجعوا العدو بضربات ساحقة ماحقة وقدموا أنصع البراهين على كفاءة الجندي السوداني وشجاعته منقطعة النظير ، تشهد على ذلك معارك عراق المنشية ، بيت دراس ، عبديس ، القبية ، بيت لحم وحتى في ساعات الكر والفر كان السودانيون مثالا للشجاعة والثبات بشهادة الأعداء أنفسهم ففي مذكراته يصف (موشي شاريت) ثاني رئيس لإسرائيل بعد (بن غوريون) القوة والصلابة التي واجههم بها الجنود السودانيون وكيف أنهم عانوا منهم الكثير ، رغم تفوق العدو من حيث التجهيزات العسكرية واللوجستية . هكذا كان أداء السودانيين رائعا ومتميزا واليوم يرقد على ثرى القدس (47) ضابطا وجنديا سودانيا أدوا دورهم بكل بسالة في تلك المعارك ودافعوا عن القدس وما حولها بشراسة ورحلوا وجباهم مرفوعة إلى السماء وخلدوا أسماؤهم هناك فعلى النصب التذكاري الذي أقيم بالقدس حول قبة (راحيل) يمكنك أن تلمح بعض من أسماء هؤلاء منقوش على رخام النصب . إن ما يهمنا اليوم وبعد مرور كل تلك السنوات الطويلة على هذا الحدث التاريخي أن تبادر الجهات المختصة في وزارة الدفاع بالتوثيق لهذه المشاركة التاريخية وتدوينها حتى تقف الاجيال الحاضرة والقادمة على كفاحات الأجداد التي هي قطعا سلسة من البطولات والمآثر التي تنبيء عن معدن الإنسان السوداني في أوقات الشدائد والملمات. محمد السيد علي [email protected]