* يخطئ من يظن أن ظاهرة المنع هي علاج للصحفي إذا جنح، في ظل توافر بدائل الورق..! ومؤكد أننا نعني الجنحة في عرف السلطة، لا في مفهوم الكاتب الذي أول شروط عافيته الحرية في التعبير.. وبمناسبة خبر رفع الرقابة عن الصحف، ثم احتفاء بعض الكتاب بها (وهذا حقهم) أقول لا تفرحوا بما أوتيتم.. بيد أنني أود أن أمتدح الرقابة هذه المرة: 1 تعلم الكاتب الصبر (مجاناً) وتوسع صدره مهما كان ضيقاً، وقد عرفنا كيف قدّم الله تعالى الصبرعلى الصلاة لحكمة يعيها أولي العلم.. ولست منهم..! 2 تجعل الكاتب ميالاً إلى تفعيل عقله بدرجة التأهب القصوى للكتابة الخالية من (مثيرات الرقيب) بشتى الحِيَل..! 3 تعوّد القارئ على ملء الكثير من (فراغات الكاتب).. وقد أصبح القارئ بفضل الرقابة يعرف (أين الخلل في الفقرة) وأين الجملة الناقصة وماهي العبارة المفقودة..؟! إذن الرقابة ملهم آخر للقارئ..!!! 4 الرقابة ولطول مكوثها في الفترة الماضية جعلت العالم كله يلتمس الأعذار لنا ككتاب في عدم الخوض داخل (برك حساسة) حين ننقل موادنا من برودة الورق إلى مناخ الانترنت (الحار)..! 5 الرقابة تجعل تفكير الحكومة (على البلاط) بالنسبة للكاتب، وبالتالي يستبين له ضعفها أكثر مما يكون (بلا رقابة)..! 6 الرقابة بالمعنى الآخر هي "انكسار السلطة" مما ينعش ذاكرة المعارضة بالأمل، ولا يسألني أحد: ماذا تقصد؟! 7 الرقابة تعني فرض الوجه الحسن للسلطة في غالب الوقت، وهذا يأتي بنتائج معكوسة أقلها ملل القارئ وشكوكه حتى في صدقها.. أليس الشك مبعث رضا للمناوئين؟! 8 الرقابة تزيد مساحة الشوق (للبيت) بالنسبة لصحفيي السهرة المحصنين، حين يتعطل الرقيب لأسباب (موضوعية) بالطبع..!! 9 يمكننا أن نعدد حسنات الرقابة للغد دون ملل.. ومن العسر يتولد اليسر وتفرخ الحكمة بمعانٍ باهرة (وقت الضيق)..! وكل ضيق يعقبه فرج مهما طالت مواسم (الحرمان)..!! وكل إنسان تعمقت فيه المعارف لذاته الفانية فلن يبالي بتروس الأذى والكبت.. المهم ألاّ يكون احترامك سابقاً لأحد سواك..! * إن رفع الرقابة ليس مدعاة لشكر أحد.. فالحرية هي الأصل لو تأملنا خلق الإنسان "بمنتهى العفوية".. ومع غياب الرقابة الأبدي أو المؤقت مرحى بالقانون "العادل".. مرحباً بالرقيب الأعدل في (دواخلنا) دون وجل من شيء سوى الزيف..! لقد عرفنا الخطوط الحمراء بدرجاتها.. ولكننا نبحث عن خط بنفسجي للمواطن يحسسه بأنه ينتمي إلى وطن (ملموس) تصان فيه الحقوق، وتصبح الكرامة لإنسانه أمراً عادياً كالشهيق..! أعوذ بالله الأهرام اليوم