أحيانا تنصب علي عبارات ثابتة وكأنها مخطوطة في جدار أمامي فترن في أذني وتصبح جملا ثابتة؛ أحيانا تنصب علي عبارات ثابتة وكأنها مخطوطة في جدار أمامي فترن في أذني وتصبح جملا ثابتة؛ مثل: السودان أصبح في حكم التقسيم، وأمريكا انهارت، وأوروبا حبلى بالعنصرية، وإسرائيل ستدمر في موعد لا ريب فيه، وإيران امتلكت الصنم النووي، عفوا السلاح النووي، وإذا سمعنا خوار العجل فهو تحصيل حاصل. لحظات الحس التاريخية هائلة مصيرية، تدمدم من الداخل، تأتي أحيانا على نحو خفي، ولكل واحد، فيسمعها صاحبها على نحو أكيد، فإما تجاهلها فهلك، وإما سمعها وأنصت واتبع فنجا. ولو سمع فرعون لموسى لما غرق في اليم هو وجنوده أجمعون. ولو سمع قوم نوح لنوح لما غمرهم الطوفان، مما خطيآتهم أغرقوا فأدخلوا نارا. ولو سمع هتلر لنصيحة عاقل، لوفّر على أوروبا هلاك خمسين مليونا من الأنام. ولو سمع صدام للعقلاء لوفّر موت مليون قربان بشري في حرب طاحنة، في ثمان سنوات عجاف أكلت ما قدمت لهن من نعمة وبترول وتمور. والقرآن يقول عن هذه النماذج البئيسة: "كم تركوا من جنات وعيون، وزروع ومقام كريم، ونعمة كانوا فيها فاكهين، كذلك وأورثناها قوما آخرين، فما بكت عليهم السماء والأرض وماكانوا منظرين". هذه في سورة الدخان، أما في سورة الشعراء فيأتي السياق محددا أكثر، وعلى نحو متألق يحتاج للفهم: "فأخرجناهم من جنات وعيون، وكنوز ومقام كريم، كذلك وأورثناها بني إسرائيل". فكيف كانت الوراثة؟ وهما موضعان لا ثالث لهما في محكم التنزيل عن مصارع الغابرين ودروس التاريخ.. السودان في طريقها للانفطار العظيم، منذ زمن بعيد مثل أي طبخة ناضجة على النار، يحكمها سيلفا كير بقبعة هائلة مثل تدويرة عباد الشمس. وخلال أشهر قليلة ستصبح دولتين، وربما للمستقبل ثلاث أو أربع أو أكثر لا ندري؟ فهي أعظم دولة عربية مساحة بأعظم من مساحة السعودية (السودان 2.5 مليون كيلومتر مربع، والسعودية 2.25 مليون كيلومترمربع) ولا نعرف مثلا ماذا سيكون مصير دارفور والجانجويد؟ وهي رؤيا الكثير من المثقفين السوادنيين، بل يذهب البعض إلى أنها ستكون دولة فتية أصلح من الحالية. وبالطبع نحن نحزن ولكن التاريخ لايغفل إن غفلنا نحن عن قوانينه؛ فهو يعمل بطريقته الخاصة. ومنذ زمن بعيد كان الأخ السوادني عثمان غندور عليه رحمة الله يحدثني عن (المندوكورو) سألته عن معناه؟ قال السلاب النهاب! هكذا كان يسمي أهل الجنوب أهل الشمال؟ قلت أليس من طريق لكسب قلوبهم؟ قال فات الوقت مع حملات الجهاد التي نفخ فيها الترابي وأشياعه؛ فقتل من الشباب مئة ألف أو يزيدون، وغرقت السودان في مستنقع العسكر وقبضة السلاح. قلت له دعوا الجنوب يقرر مصيره بانتخابات؟ قال الانتخابات ليست صناديق الاقتراع، ورصيد الديموقراطية هو وعي الأمة، أكثر من أصوات الغوغاء والدهماء، كما قال القرآن إن أكثر الناس يجهلون ولا يعلمون وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون. إذن وعي الجماهير هو خشبة الخلاص إلى المستقبل، وبين العامة والفهم مسيرة ثلاث سنوات ضوئية. قلت إذن القابلة كارتر عفوا هو الذي سيولد الجسد الجديد، ومن خلفه بالطبع كهنة وسدنة (وول ستريت) من خلف البحار؟ قال هو الأمر كذلك. خالص جلبي