سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لن أفقد شئ في الشمال..باقان أموم : خال البشير يرى إن الجنوبيين أدنى من الشماليين ولا يقبل بالمساواة معهم.. يطالب بالإنفصال من منطلق تعالي عنصري وتزمت ديني..ويحلم بمجتمع فيه نقاء عنصري وديني وسيفرح لذهابنا.
باقان أموم أوكيج، (51) سنة، تنطبق عليه دائماً مقولة رجل الحركة الشعبية القوي. وتصدق عليه تماماً عبارة «سياسي من العيار الثقيل».. فباقان، ظل يمسك بأعقد الخيوط التنظيمية داخل الحركة، والسياسية خارجها، ويديرهما بطريقة لم تترك منطقة وسطى في تقييمه. فالناس إزاءه - على الارجح- فريقان لا مجال للحياد بينهما.. إما يحبونه بشدة، ويرون فيه مثالاً واعياً لوزير السلام، أو يكرهونه كذلك، ويرون فيه محض وزير حرب. إلتقيت باقان بعد ترتيب مسبق في مقر إقامته ببرج الفاتح بالخرطوم في الأيام الفائتة، أقترحت عليه أن نبتعد في هذا الحوار قليلاً عن القضايا الخلافية الماسخة بين الشريكين، ونقترب فيه من قضايا ذات طابع خاص وتاريخي لم يتحدث فيها من قبل، فكان هذا الحوار الذي إمتد لنحو ساعتين من الزمان، كاد أن يقول فيهما كل شئ قبل الإنفصال، وأحتفظ فيهما بإبتسامة ودودة أغرتني بطرح أسئلة إتهاميه مباشرة وأخرى نصف جادة حسبما نرى في مضابط الحوار: ...... * يقال أنك وريث د. جون فكراً، لكن وأنا ألتقيك اليوم بعد أشهر قضيتها في جوبا، لاحظت أنك ربما تريد ان تكون وريثه شكلاً كذلك.. فقد طالت لحيتك قليلاً فيما يبدو؟ إبتسم بإقتضاب ثم قال: - هذا تفكير بعض الناس ولهم الحق في أن يقيموا، ولكن أنا أعتبر نفسي تلميذ لجون قرنق.. تلميذ وليس وريث. * صاحب البقالة المجاورة لمنزلك بالمعمورة، قال عندما سألته عن سبب إغلاق المنزل: باقان باع منزله قبل أشهر من الإنفصال ورحّل أولاده إلى كمبالا فيما إستقر هو نهائياً في جوبا إستعداداً للمرحلة المقبلة؟ - بكل تأكيد هو ترتيب لوضعي الآن، لأني أصبحت وزير في حكومة الجنوب، وأصبحت جوبا هي مقر عملي ولهذا السبب إنتقلت إلي جوبا. * هل صحيح أنك بعت منزلك؟ - هو لم يكن منزلي، فقد كنت أستاجره من صديق لي إسمه الرشيد وهو يعمل خارج البلد في الأممالمتحده. وحقيقة البيت كان مؤجر للأمانة العامة للحركة الشعبية. * حزمك لحقائبك وإستقرارك في الجنوب، يُفهم منه أنه إٍستعداد مبكر للوضع بعد الإنفصال، إنفصال ربما كنت أنت بحكم وضعيتك القيادية المتقدمة أول الناس علماً بوقوعه وأولهم ترتيباً لأوضاعه الشخصية؟ - لا.. أنا حزمت حقائبي كما قلت لك لأنه تم تعيني وزيراً في حكومة جنوب السودان، وكان علي أن أنتقل إلي هناك. وكما تعرف تم تكليفي من قيادة الحركة الشعبية للعمل بالخرطوم في الأمانة العامة للحركة الشعبية وقد مكثت في الخرطوم طوال السنوات الفائتة. * أثناء تغطيتي للمؤتمر الثاني للحركة الشعبية، أذكر أنه كان هناك حديث واضح عن عدم الجمع بين المنصب التنظيمي والتنفيذي، والأن أنت وزير وأمين عام الحركة في نفس الوقت؟ - إذا نظرت للمناصب السياسية للحزب الموجود في السلطة، فستجد إن رئيس المؤتمر الوطني هو رئيس الجمهورية، ونائب رئيس الوطني هو نائب رئيس الجمهورية، ونائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون التنظيمية هو مساعد رئيس الجمهورية. وفي الحركة الشعبية رئيسها هو رئيس حكومة الجنوب، وكذلك د. رياك مشار نائب رئيس الحركة الشعبية هو نائب رئيس حكومة الجنوب، والنائب الثاني للحركة هو رئيس الحركة الشعبية، والنائب الثالث هو والي ولاية النيل الأزرق. * كأنك تريد أن تقول لا وجود لقرار من هذا القبيل، أم أن هناك قرار ولكنه لم يُنفذ؟ - لا، هناك قرار من الناحية التنظيمية بأن يركز الأمين العام ونوابه جهودهم في العمل التنظيمي ولكن في حالات يمكن إستدعائهم وتكليفهم بعمل ما، وكما إقتضت الضرورة تكليف نائب الأمين العام للحركة بقطاع الشمال في وقت سابق بأن يكون عضو للبرلمان ورئيس الكتلة البرلمانية للحركة، الآن الأمين العام ونائبته آن إيتو كُلفوا بمهام وزارية في حكومة الجنوب، وهذا من حق ومهام رئيس الحركة الشعبية وهو الذي يكلفنا بكل هذه المهام سواء في الوزارة أو الأمانة العامة. * سيد باقان.. هل أنت سعيد؟ - نعم.. أنا سعيد. * لماذا؟ - لأني حي وموجود. ولأني أحمل مشروع للمساهمة في تغيير الحياة والوضع ليكون أفضل للإنسان وخاصة للإنسان المهمش. * الباشمهندس الطيب مصطفى قال في حوار مع (الراي العام) إنه سيزرف دموع الفرح بغزارة إذا انفصل الجنوب.. مالذي ستفعله أنت وقتها؟ - طبعاً الطيب مصطفى وصل من منطلقات عنصرية لقناعة أنه من الأفضل للجنوب أن ينفصل عن الشمال، وللشمال أن ينفصل عن الجنوب فهو يرى إن الجنوبيين أدنى من الشماليين ولا يقبل بالمساواة معهم وبالتالي من الأفضل أن يذهبوا فهو إذن وصل للمطالبة بالإنفصال من منطلق تعالي عنصري وتزمت ديني فهو يرى إن الجنوبيين أغلبهم من المسيحيين ويشكلون ملة تعرقل صفاء الدولة الإسلامية والمجتمع الذي يحلم به، فهو يحلم بمجتمع فيه نقاء عنصري وديني وبالتالي هو سيفرح إنطلاقاً من هذه المنطلقات والمختلفين معه يحاكموه من منطلقاتهم الفكرية.. = مقاطعة= * لنترك الباشمهنس الطيب مصطفى ولنعد لمضمون السؤال.. ماذا عنك أنت، مالذي ستفعله تحديداً إذا حدث الإنفصال؟ - بالنسبة لي إذا وقع الإنفصال فإنه يكون بسبب خيار إغلبية الجنوبيين وأن أحترم خيارهم في قيام دولة مستقلة في جنوب السودان وسأتجه ليس فقط في دعمه بل في المساهمة في التنفيذ. * يتحدث البعض عن دمعة نادرة قيل أنها إنسربت من عيني باقان أثناء سماعة للنشيد الوطني لجنوب السودان، ماذا عن تلك اللحظة ذلك الموقف والنشيد؟ - لم ير أحد تلك الدمعة لكن أنا قلت أنني دمعت عندما إستمعت لشابين قدموا مقترح للحن وموسيقى للنشيد الوطني المقترح لجنوب السودان وهذا صحيح. فقد كانت الدمعة نوع من التجاوب مع اللحن والموسيقى والكلمات التي حركت وجداني وهذا ما حدث. * أنت تدمع ونافع يبكي وقبلكما غندور وإخلاص قرنق وآخرين.. كيف تنظر سيد باقان لقصة الدموع الجارية هذه الأيام؟ - طبعاً السودان يمر بلحظة دقيقة في تاريخية وهي لحظة إنتقال، وفي هذه اللحظة هنالك من يبكي على الأطلال وآخرين يبكوا على حلم تحقق والبعض يبكوا على حلم ضاع وآخرين يبكون على حلم في طريقه للتحقيق. * بعد إنفصال الجنوب، ما هو أكثر ما سيفقده باقان اموم في الشمال؟ - لن افقد شيئاً في الشمال لأن الشمال سيكون موجود. * سيكون موجود بالطبع ولكنك لن تكون جزءاً منه بعد الإنفصال؟ - كيف لا أكون جزءاً منه؟.. أنا سأكون جزءاً من الشمال وسأكون جزءاً من الجنوب، وجزءاً من أفريقيا، والشمال سيكون جاراً للجنوب وسأحتفظ بكل علاقاتي الإنسانية فيه وحتى لو أصبحت الحدود الوهمية حدود دولية فلن تكون عائقاً بيننا فأنا عندي اصدقاء أزورهم في مصر، وشمال السودان سيكون دولة بيننا ومصر ولكن ستكون أقرب من مصر وبالتالي لن أفقد أي شئ وسيكون كل شئ كما هو. وحقيقة الإنفصال لن يفقد أي إنسان في الشمال أو في الجنوب أي شئ، بل سيكسبوا السلام والجيرة. * وما هو تصورك لتلك الجيرة والجوار بين شمال السودان والدولة الوليدة؟ - جوار أخوي وآمن ويمضي في إتجاه التعاون والتبادل. * على أية حيثيات تتوقع هكذا جوار ونحن في أجواء مشحونة والمفاوضات بين الشريكين لا تفضي إلى شئ؟ - والله شوف.. المستقبل سيفضي إلى جوار أخوي وتعاون وتبادل بين الشمال والجنوب، والشمال والجنوب إذا تم الإنفصال سيكتشفان القواسم المشتركة التي يغيب التركيز عليها بسبب الخلافات بين الشماليين والجنوبيين وبسبب السياسات المفروضة الآن. * ذكرت أنك قضيت فترة طويلة في الشمال.. هل إستطعت التأقلم فيه؟ وهل كنت مرتاح أثناء إقامتك بشكل دائم في الشمال؟ - أنا ما عندي أي مشكلة مع الشمال أو الشماليين. * مشكلتك مع من إذن؟ - مشكلتي مع الدولة السودانية ومع النظام السياسي في السودان. فالدولة السودانية الفاشلة فشلت في أن تكون دولة تسع الجميع وهي دولة قائمة على تهميش الغالبية العظمى من السودانيين وعلى مشروع إقصائي ضيق. وبالتالي لم تكون أساساً شمال أو جنوب وإنما القضية في الدولة. * باقان أموم هل يستمع لأغاني الحقيبة؟ - والله حقيقة أنا لا أستمع لأغاني الحقيبة. ولكن أستمع لأغاني أخرى مثل أغاني وردي ومحمد الأمين وكابلي. * ما هو أكثر ما يُغضب باقان؟ - الظلم والتهميش. * وما يضحكه؟ - النكتة. * من اين يستمد باقان أموم قوته؟ - من الإنتماء لمشروع فكري إجتماعي. * لكن الكثيرون ينتمون إلى ذات المشروع ولا يتمتعون بتلك القوة التي تتمتع بها.. من أين تستمد قوتك سيد باقان؟ - أستمدها كذلك من قوتي ومن الإيمان بالقضية. * إذا ترك باقان أموم السياسة فماذا تراه يعمل؟ - ممكن أعمل بالزراعة، فقد كنت أعمل بالزراعة قبل السياسة. * البعض وهو ينظر لعلاقاتك الخارجية وإمساكك بالكثير من الخيوط داخل الحركة يضعك في خانة الخليفة المحتمل لقيادة الحركة والجنوب؟ - هذه مجرد تكهنات وتحليلات، فباقان أموم ما هو إلا عضو مؤمن بمشروع الحركة الشعبية ومنضبط وموظف جهدي وحياتي لتحقيق وتنفيذ هذا المشروع ومطيع وعلى إستعداد لتحمل أي تكليف يسند إلى من قيادة الحركة وهياكلها. * البعض يذهب في إتجاه مناقض، وويتوقعون أفول نجم باقان وتراجع دوره في الجنوب بعد الإنفصال خاصة إذا ما صعدت القبيلة في الدولة الجديدة؟ - في الحركة الشعبية الناس لا يتعاملون بالقبيلة وإنما بالعضوية. فالحركة الشعبية مكونة من أعضاء ويتم تكليف الأعضاء حسب قدراتهم لتنفيذ المهام التي تراها هياكل الحركة الشعبية، وبالتالي لا يوجد أي دور لقبيلة يؤثر أو يحد من دور الفرد لأننا في النهاية كلنا أعضاء وأفراد ولا ندخل الحركة بتكتلات قبلية. * إذا صح هذا الحديث في الحركة، فإنه لا يصدق على الواقع في الجنوب حيث مازالت القبيلة هي التي تحكم وتسيطر وتدفع بأبنائها للامام؟ - هذا غير صحيح وأنت نظرت لهيكل الحركة ستعرف ان ما قلته غير صحيح. * بالنظر للحركة يمكن ملاحظة ما يشبه التوليفة و(الوزنة) القبلية.. فالقيادة لسلفا من الدينكا، ونائبه مشار من النوير، ثم جيمس واني من القبائل الإستوائية، والأمين العام باقان من الشلك؟ - لا توجد توليفة قبلية وهذا ليس الآن حتى في التاريخ. فمثلاً زعيم حركة الانانيا ون كان جوزيف لاقو وهو من اصغر القبائل في جنوب السودان. * دعنا نخرج من هذه القضية بسؤال محدد.. هل يُمكن أن تكون رئيساً للحركة الشعبية؟ - أي شخص يمكن أن يكون رئيس للحركة الشعبية إذا نال ثقة أعضاء المؤتمر. * قيل أنك ومجموعة من الشباب ذهبتم إلى الغابة حتى قبل د. جون قرنق؟ - صحيح ذهبنا إلى الغابة في عام 1982 وكنا مجموعة من الثوار في تنظيم إسمه جبهة التحرير نؤمن بتحرير الإنسان وتحقيق المساواة وانهاء التهميش وإلتقينا مع فكرة جون قرنق. * كيف إلتقيتم؟ - حقيقة جون قرنق منذ أن خرج علي النظام وقاد الثورة في 1983م سعى في البداية لتوحيد الجهات التي تحمل السلاح ودار بيننا حوار لتصفية تنظيمنا في إطار بناء الحركة الشعبية كتنظيم أكبر وشامل تحت قيادته. * كم كان عمرك وقتها وكم هو الآن؟ - كنت في العشرينيات، والآن عمري »51« عاماً. * لماذا ترك الطالب وقتها باقان أموم جامعة الخرطوم قبل أن يكمل دراسته فيها وهي الجميلة المستحيلة كما كانوا يقولون؟ - دخلت جامعة الخرطوم في دفعة 1979م-1980م وقُبلت في كلية القانون حيث أكملت الدراسة في السنة الأولي والثانية، وفي السنة الثالثة تمردت على النظام والدولة والقانون. * القانون يُعلم الإنضابط ولكنه علمك التمرد فيما يبدو؟ - علمني التمرد على القانون الجائر، لأن القانون في ذلك الوقت كان يمثل إرادة نظام متسلط وقاهر على شعبه. حوار: فتح الرحمن شبارقة