بعيدا عن توقعات خبراء الارصاد الذين ما فتئوا يطمئنونا بأن الأمطار قادمة وان موجة ارتفاع درجات الحرارة التي لم نشهد لها مثيلا من قبل آيلة الي انكسار، إلا أن واقع الحال يقول بأننا مبشرين برمضان مرمض .. طويل نهاره، ساخنة شمسه، قاطعة – قطع شك – كهربائه .. ضف الى تلك المصفوفة والظروف الموصوفة، مصفوفة موازية تحكي بأنه - حتما ولابد – ستكون هناك نيران اضافية فوق نار الشمس تمتد السنتها من السوق الموازي، لتحرق بقية ما تبقى من قوة الاحتمال في القلوب، وقليل الجنيهات التي تبقت في الجيوب .. الله كريم علي المسكين أجبرتني درجات الحرارة الملتهبة في الايام الفائتة على أن أقر في قعر بيتي، واركن لبيات صيفي عزمت ان لا أخرج منه إلا لشمومة ريحة الدعاش بعد نزول المطر، ولم أجازف للخروج من مكمني نهارا حتى لمتاوقة الحوش، ناهيك عن الوصول لباب الشارع ولو لتقديم احدى الزائرات من الجارات ، إلى ان أجبرني خبر وفاة فاجع في العقاب ، على الخروج لتقديم واجب العزاء في عصير نهار غايظ .. شمسه (تقلي الحبة) .. ركبت مع أخي الحبيب سيارته ماركة (عزيزة) والتي بالرغم من خلوها من مقومات الرفاهة وريحة الكندشة، إلا انها تكفيه شر لئام المواصلات، وتوجهنا لكبري أمدرمان الجديد عبر الطرقات الجانبية لاستاد الخرطوم تجنبا للزحام .. سبحان الله، لم أكن احسب عندما غادرت الضل وطقتني الشمس، أنني سأجد في الطرقات كحالي وشقيقي إلا مجبر أو بطل، ولكن كانت الطرقات تثغى .. كل الطرق الجانبية والفرعية المؤدية الى الاستاد كانت ترزح بزحيح افواج من البشر .. كانت درجة الحرارة داخل السيارة قد تجاوزت – قطع شك برضو – حاجز الخمسين، وابخرة البوخ الخارج من المكنة تلفح وجهي عبر فتحات غطاء التعشيقة المشروط .. سألت أخي وأنا أتفرس في وجوه المارة الداجين في الارض بدهشة مصحوبة بالضهابة: الناس دية ماشة وين في النارية ؟ وكانت الجموع تزحف وكأنه يوم الحشر، فأجابني موضحا بأنهم يسعون بحثا عن ركوبة بعد ان شقلبت الولاية خطوط المواصلات .. تمتمت لنفسي بمقولة أمي رحمها الله (يشقلب كيانم كان شقوها علي الناس) ثم تحسبنت وواصلت البحلقة في وجوه المارة .. سبحان الله تاني كمان، فقد لاحظت ان الجموع كانت تسير بلا سخط أو ضجر وكأن هناك غيمة تظللها من حر الشمس .. تابعت لبرهة جموع من طلبة الجامعة العائدون لبيوتهم .. كانوا يسيرون زرافات ووحدان وثنائيات محبة ، البعض يتسامر والبعض يتساكك ويتلابع في حبور وكأنهم في رحلة نيلية في يوم همبريب وليسو في رحلة سعي نحو صاج الموقف العظيم .. حتى ثنائيات الحبايب كانوا يقدلو ولا عليهم بعيون هائمة وشفاه باسمة وكأنهم في حدائق الجندول .. غايتو آمنت يومها بأن للحب طراوة لا يجدها إلا العاشقون .. ماذا وإلا ان لم يكن ذلك كذلك فالسؤال الحتمي الذي يفرض نفسه: الضاحكين ليها شنو يا عيال .. في الدلال ولا راحة البال ؟؟ ثم خرجت مرة أخرى بالامس في نفس الزمان ولنفس المكان بصحبة أخي و(العزيزة)، فصادفنت سبحان الله نفس الجموع الداجة على الاقدام في لهيب الطرقات، ولكن ما زاد المعاناة على الناس وجود (دفار الكشة) .. كان يقف وقد سد الطريق على المارة من السيارات والراجلين وقد انهمك (العاملين عليه) في قذف بنابر ستات الشاي وكوانينهن أعلى صندوقه حتى علت الكومة وصارت ك تل الخرد، بينما القوم من حولهم بين مكشوش مكروب ومتفرج لا يهمه إلا ان يلم بالشمار .. بالجد، ما لم يكن بالقوم ميتة قلب جعلتهم لا يبالون بصروف الدهر وابتلاءاته، فيحق لنا كشعب سوداني أن نفخر بأننا قوم يصح فيهم قول شاعرنا: شعب مؤمن حر على الأهوال صبّار ولكن بتحريف بسيط يحول ضمة الحاء في (حر) الى فتحة مخرج: الله يهوّن القواسي [email protected]