هذا المقال هو الجزء الثانى لمقال سابق نشرت الجزء الأول منه قبل أكثر من اسبوع تحت عنوان (اسقاط النظام سلميا وعن طريق المظاهرات كيف ومتى)، قصدت تأخيره لكى ينشر فى هذا الوقت بالتحديد لسببين الأول مواكبة لذكرى انقلاب الأنقاذ المشوؤم فى 30/6/ 1989 التى أصبح قادتها ورموزها يتحدثون الآن عن المعارضه السلميه والسبب الثانى مواكبة للدعوة التى اطلقتها حركة شبابيه مصريه سمت نفسها (تمرد) قررت منذ أكثر من شهر اسقاط نظام الأخوان المسلمين بعد أن ثبت فشله فى ادارة مصر، دون اعتمادهم على حزب سياسى كبير أو أنتظار لزعيم متردد، وهم لا يدرون أن جارهم السودان يعانى من فشل نظام مصحوب بديكتاتوريه واستبداد وقمع وتعذيب وقتل وجرائم اباده جماعيه وما تخلل ذلك كله من (تمكين) و(أخونه) أمتدت لأربع وعشرين سنه، لا لسنة واحده هيمن فيها على السودان نظام مشابه تماما لنظامهم وراضعا من ثديه، وكنت أتمنى أن تظهر حركه شبابيه سودانيه تؤسس لها فروع فى كآفة ولايات ومحافظات السودان تحذو حذو تلك الحركه المصريه المبهره، لكن ما حملنى على تغيير العنوان مع الأحتفاظ الماده ذاتها، هو اللقاء الجماهيرى الذى عقده السيد/ الصادق المهدى رئيس حزب الأمه وأمام الأنصار فى بيت الخليفه بأم درمان يوم 29/6/ 2013 بعد أن حصل على اذن مسبق من أجهزة الأمن. قبل ذلك اللقاء بيوم تحدثت مع عدد من شباب حزب الأمه الذين أعرفهم وكانوا متحمسين ومتفائلين للغايه بذلك اللقاء وكانوا يتوقعون فيه مواجهة حقيقيه وقويه من السيد/ الصادق المهدى، ولأول مرة لنظام الأنقاذ الفاشل المستبد، خاصة وهو آخر رئيس وزراء أنتخبه الشعب ديمقراطيا، فأنقلب عليه نظام الأنقاذ وأغتصب منه السلطه وأهانه واذله وقسم حزبه الى اربعة أجزاء، لكى يخرج قادة النظام من وقت لآخر ساخرين من أحزاب المعارضه ومن ضعفا وبأنه لا يوجد بينها حزب يخشاه النظام. الشاهد فى الأمر قلت لأحدهم لا اريد أن احبطك، وواصلت بلهجة سودانيه (صدقنى السيد الصادق الفيهو راحت سياسيا)! وزعيم الحزب المعارض الذى يفكر فى مواجهة جاده ومؤثرة، لا يمكن أن يضع ابنه رهينه فى قصر نظام الذى يريد أن يسقطه، والأبناء (مجبنه) كما نقول فى المثل السودانى. وفعلا لم يخيب السيد الصادق المهدى (مشكورا) ظنى فيه، فبدلا من أن يواجه النظام ويعريه، واجه شباب حزبه واسمعهم عبارات عنيفه لم تسمع منه من قبل، ومن بينها: (الباب يفوت جمل)! وحتى لا ينخدع الناس عامة وجماهير حزب الأمه فى السيد الصادق المهدى، بكلام غير عملى وغير منتج عن اسقاط النظام سلميا، علينا أن نوضح كيف ومتى يكون اسقاط النظام أو تغييره سلميا؟ وهل يمنح المعارضون الجادون مثل تلك الهدية وراحة البال، لنظام قامع وباطش ومستبد دون مقابل ومنذ مئات السنين أنتهج الأشتراكى (فابيان) اسلوبا فاعلا لأزعاج الخصم والعدو لا يجعله مرتاحا مهما كانت قوته، يشبه ذلك الأسلوب ما نقوله فى كلامنا العامى (سهر الجداد ولا نومو). ونحن فى حقيقة ألأمر نتمنى صادقين ان يتحقق ذلك التغيير سلميا ودون أن تراق نقطة دم واحده، لكن هل هذا ممكن؟ ولكى نجيب على هذا السؤال نقول الا يتذكر السيد الصادق المهدى الذى يطلب من القوى المفاومه الحامله للسلاح فى كل مرة أن تتخلى عن سلاحها، بأن النظام هو من أضطر تلك الحركات الثوريه لحمل السلاح، حيث تحدى رئيس النظام السودانيين جميعا وقال بأن من يفكر فى السلطه فعليه أن يسعى اليها عن طريق القوه وأن يأخذها كما فعل (هو) فى 30 يونيو 1989 ، فهل أعتذر عن ذلك الكلام حتى اليوم، أم لا زال ومساعده نافع يتحدان الشعب كله والمعارضين ويستفزونهم بين كل وقت وآخر، حتى لو كتب معارض مفالا فى صحيفه ينتقد فيه النظام؟ وعلى كل حال فأن (التغيير) بالوسائل السلميه يمكن أن يكون نهجا ناجعا اذا كان النظام الذى يراد تغييره نتيجة اخطاء أو فساد أو فشل، نظاما ديمقراطيا يؤمن بالتعدديه الحزبيه وبالحرية الأعلاميه والتداول السلمى للسلطه، واذا كانت الأحزاب المعارضه تحظى بمساحه متساويه فى الأعلام مع الحزب الحاكم ولا تحتاج لعقد لقاءاتها الجماهيريه أو ندواتها لأخذ اذن من جهات الأمن. وكيف يعمل المعارضون على تغيير النظام (سلميا) وهو يؤسس مليشيات وكتائب (مسلحه) تعمل موازية (للجيش) الذى تم افراغه وتسييسه واصبح جيش (حزب) لا جيش دوله .. وكيف يعمل المعارضون على تغيير النظام هو نظام يحشد جماهيره على الحق والباطل مستخدما الآله الأعلاميه الرسميه على عكس ما يحدث فى جميع دول العالم المتحضره التى لا تخرج فيها مظاهرات مؤيده للنظام، فى وقت لا يسمح فيه ذلك النظام المستبد بخروج مظاهره سلميه مهما كان حجمها ينظمها حزب معارض من حقه الخروج بل يذهب النظام فى ديكتاتوريته الى ابعد من ذلك حيث يقوم بالتعدى على الطلاب بالضرب فى جامعاتهم من خلال قواته والطلاب الموالين له، اذا نظموا مظاهرة محدوده أو ندوه انتقدوا فيها سياسات النظام. وما هو أهم من ذلك كله، أن المظاهرات السلميه والوقفات الأحتجاجيه والأعتصامات كما نشاهدها فى مصر الآن وبعشرات الملايين من البشر، لا يمكن أن تكون لها قيمة ولا يمكن أن تستمر سلميه الى ما لا نهاية اذا تعامل معها النظام الحاكم فى عدم مبالاة ودون استجابه للمطالب المشروعة التى يطرحها المتظاهرون والمحتجون، واذا لم يستجب النظام لتلك المطالب يصبح مسوؤلا عن تحول العمل السلمى لأسقاطه وتغييره الى عمل عنيف ورشق بالحجاره ويمكن أن تصل المواجهة لدرجة مقاتله النظام بالسلاح، بل ربما يتطور الأمر الى ما هو اسوا من ذلك كله فتتجه المقاومه والمواجهة الى الشكل الذى يحدث الآن فى العديد من الدول التى تشهد اضطرابات سياسيه فى ظل انظمه ديكتاتورية، بأن تفكر القوى المقاومه فى اغتيالات سياسيه تطال رموز االنظام ردا على قمعهم للشعب والمعارضين، وهذا ما نخشاه ولم يحدث حتى الآن فى السودان من جانب المعارضه، وأن كان النظام قد تورط فيه من وقت لآخر وصفى عدد من المعارضين، وذلك سبب اضافى جعل القوى المقاومه تلجأ لحمل السلاح وتنأى بنفسها عن الحلول السلميه والتفاوضيه. وأخيرا كيف يتحقق تغيير سلمى اذا كان النظام يقوم بتزوير الأنتخابات ويعين مفوضيه تشرف على تلك الأنتخابات يشترى اعضائها بوسائل متعدده لكى تمرر تزويره وتصمت عليه؟ تاج السر حسين - [email protected]