الكثيرون، وهم لايشعرون، تجدهم يثيرون روح الاحباط في نفوس السوادنيين عندما يتحدثون، بحسرة صادقة، ووطنية لايشكك فيها احد، ورغبة في التغيير لاتموت ابدا، عن اسباب تاخر الثورة السودانية بينما انجز الشعب المصري ثورته الثانية وفي الطريق الشعب التونسي، وكلن ما فات علي هولأ واولئك من اصحاب الضمير الحي ان لكل ثورة ظروفها واسبابها الموضوعية وسبلها للوصول لغاياتها المنشودة، وعقد أي مقارنة بين الثورة المصرية أو التونسية او اليمنية او الليبية أو السورية وبين الثورة السودانية، هي مقارنة اقرب للقسمة الضيزي، فالانظمة الاستبدادية التي حكمت تلك الدول لم تقرب الاجهزة القومية كالقوات المسلحة والشرطة واجهزة الامن كما فعلت الانقاذ في السودان، كما ان تلك الانظمة لم تعمل علي انشاء مليشيات خاصة بها كالدفاع الشعبي والامن الطلابي والجنجويد لحمايتها من الانتفاضة الشعبية، بالاضافة فان الانظمة في تلك المجتمعات، ورغم علو كعب روحها الاستبدادية، الا انها لم تعمل علي اعادة صياغة المجتمع عبر تجويعه واذلاله وترهيبه وتخويفه ونشر الفساد الاخلاقي في وسطه عن عمد وتدمير شبابه بتضييق فرص حصوله علي الوظائف ورميه في احضان العطالة المقننة والمخدرات التي تتاجر فيها الاجهزة الامنية، كما ان تلك الانظمة لم تعمل علي التاسيس للتمكين لافراد حزب واحد واذابة الدولة في الحزب وربط مصير الحزب بمصير الوطن والاخطر من ذلك افراغ الوطن من ابناءه وافضل كفاءته العلمية وتشريدهم في بلدان العالم المختلفة، ان اسباب وظروف الثورة المصرية مثلا لم تكن بها من التعقيدات التي لازمت وتلازم الثورة السودانية، فالشعب المصري لم يكن يخوض حربا اهلية ادت لتقسيم البلاد الي شمال وجنوب، والشعب المصري لم جزء من معادلة النظام وافكار قادته المهوسيين بالنقاء العرقي وحروب الابادة الجماعية، ان الثورة في السودان لم تتاخر عن رصيفاتها في بلدان الربيع العربي بل اعتقد انها تسير في مسارها الطبيعي، صحيح ان الحاجة لاسقاط النظام ملحة، ولكن بالمقابل فان ادوات اسقاطه لم تتوفر بعد، ولا اعني بالادوات هنا توفر الظروف الموضوعية كالانهيار الاقتصادي والغلاء الفاحش وتفشي الفساد في موسسات الدولة وخارجها، ما اعنيه بالادوات الحاجة لوعي اكبر بان الثور السوداانية ستصل لغاياتها المنشودة ولكن ذلك يتطلب اضعاف النظام اولا عبر عمل منظم، فخروج الشباب في التظاهرات واتساع نطاقها الجغرافي رويدا رويدا هو شكل من اشكال اضعاف النظام، والعمل الذي تقوم به الجبهة الثورية علي عدة جبهات مهم للغاية لاضعاف النظام والضغط عليه باتجاه ارتكاب مزيد من الحماقات التي تزيد من عزلته الدولية، وتضييق الحناق شيئا فشيئا علي النظام يقلل من فرص المناورة وذلك ما يحدث حاليا، كل ما علينا ان نعرفه ونعقله جيدا ان الثورة السودانية لم تتاخر عن رصيفاتها بل ان لتاخرها الكثير من الفوائد التي تصب في خانة الثوار الشباب، فقد ظلت الايام تكشف ضعف وهوان النظام فضربة اليرموك والانقسامات داخل جسد النظام وحملة الاعتقالات والخوف الشديد من أي تجمعات ورفض الشعب لسياسات النظام كما حدث في كجبار والعليفون وشمبات الخ، كل هذه المؤشرات تؤكد ان قطار التغيير الذي انطلق في السودان لن يتوقف الا في محطته الاخيرة وهي اسقاط النظام، وبغض النظر عن موعد انجاز الثورة السودانية، فانها ستنجز في ظل ظروف مختلفة ولن يكون الشعب وقتها في حاجة لثورة ثانية أو ثالثة طالما انه لن تقوم قائمة لجماعة الاخوان في السودان مرة اخري. [email protected]