كل الصحف وليومين متتاليين أفسحت (مانشيتات) الصفحة الأولى لحدث اطلاق سراح الفريق أول مهندس صلاح عبدالله "قوش" مدير جهاز الأمن والمخابرت الوطني السابق.. وتابعت بالصور لحظات وصوله إلى منزله وسط الذبائح و آلاف المهنئين الذين أغلقوا الشوارع المحيطة. وهو آخر المتهمين بالمحاولة الإنقلابية التي أعلن الكشف عنها في نوفمبر 2012.. فخلال سبعة أشهر انتهت اجراءات التحقيق الجنائي ثم المحاكمات العسكرية لمنسوبي الجيش والأمن.. وكان آخر فوج صلاح قوش ورفيقه صلاح عبدالله.. وبذلك تكون صفحة كاملة انطوت وانتقلت إلى دفاتر الأرشيف. لكن مشكلة هذه (الصفحة!) المطوية أنها حصرياً لأهل البيت.. فالمتهمون كلهم هم من فلذات كبد الانقاذ.. حملوها على اكتافهم وخاضوا تاريخاً طويلاً من النضال العسكري.. وتقلدوا مناصب رفيعة حساسة.. وحتى يتحقق الهدف الأسمى الذي هدفت إليه قرارات العفو الرئاسي التي بدأت بالمجموعة العسكرية الأولى (مجموعة ود ابراهيم).. من المصلحة العامة أن يتمدد العفو الرئاسي إلى آخرين ليسوا في قوائم المحاولة الانقلابية الأخيرة لكنهم أيضاً كانوا ضحية محاولة سابقة.. بالتحديد المهندس يوسف لبس آخر من بقى من المحكوم عليهم في قضية المحاولة التخريبية الأولى التي خرج كل المحكومين فيها ولم يبق إلا يوسف لبس. العفو قيمة رفيعة دعا لها القرآن ومجدها في أكثر من موضع.. و ترتفع قيمة العفو أكثر عندما يكون عنواناً لمرحلة جديدة تطيح بالغبن المحتشد في الصدور. أتمنى وبمناسبة هذا الشهر الكريم.. أن يتكرم السيد رئيس الجمهورية المشير عمر البشير بالعفو عن آخر المحكومين في قضية المحاولة التخريبية الأولى.. فالمهند يوسف لبس قضى بين جدران سجن كوبر حتى الآن حوالى عشر سنوات كاملة.. أهدر فيها أخصب سنى العمر ويكفي ذلك عقوبة .. قرارات العفو ليس مقصوداً منها رفع العقوبة عن المحكومين فقط.. بل حقن الجو العام بمزيد من أحاسيس التسامح والنظر إلى الأمام.. المستقبل الذي لم يعد يحتمل مزيداً من التغابن الوطني. ومن الصعوبة افتراض تسوية سياسية شاملة.. و اطفاء حرائق النفوس المتأججة في أنحاء الوطن.. بدون التسلح وضخ أكبر قدر من العفو وتجاوز الماضي بكل أحزانه.. نأمل أن يتمدد العفو الرئاسي.. ليخرج يوسف لبس من بين احضان السجن إلى أحضان أسرته.. عسى الله يحقق أمنية الجميع في وطن منزوع الأحقاد والغبن. مثلما لا تنقص الصدقة المال.. بل تزده كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.. فإن العفو لا يجلب المخاطر.. بل يحقق الأمن والاستقرار.