أهلنا في دارفور أهل ريادة وسبق في السيادة والحكم ما في ذلك من شك ولا مشكك، وهم أيضاً أهل حكمة وبصارة، ومن أكثر أهل السودان إنتاجاً للأمثال والحكم المعبّرة، ومن ذلك قولهم «الدرب حسود بلمك مع كاتل أبوك»، هذه هي حقيقة الدنيا الدّوارة التي لا تصفو لأحد أبدا، كما قال الشاعر الفحل بشار بن برد «إذا أنت لم تشرب مراراً على القذى، ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه»، بالطبع لا أحد تصفو مشاربه على الدوام، وما من أحد بمنجاة من المكدرات مهما امتلك من سلطة وجاه ومال وسطوة، فدروب هذه الدنيا «الفرندقس» لا أمان لها وقد تجعلك يوماً ما في مكان واحد لم يخطر ببالك أنك سترتاده أو تقتاد إليه، مع من كنت تزدريه وأسئت فيه استخدام قوتك وجبروتك فإذا بتصاريف القدر تضعك إلى جانبه في مقام واحد، ولعل هذا المصير هو ما عناه المثل الدارفوري. دعوني أولاً بهذه المناسبة أن أهنيء الفريق أول مهندس صلاح عبد الله «قوش» المدير السابق لجهاز الأمن والمخابرات الوطني ورفيقه اللواء صلاح عبد الله «من غير قوش» على خروجهما من الحبس الذي أُقتيدا إليه على ذمة ما عرف ب «المحاولة الانقلابية» التي أعلنت السلطات كشفها أواخر العام الماضي، وكان الفريق قوش إلى جانب العميد ود إبراهيم من أبرز القيادات العسكرية والأمنية التي أشارت إليها أصابع الاتهام بتدبير تلك المحاولة التي كان أعجب ما يدعو للاستغراب فيها، أن يتورط في محاولة بمثل هذه «الفطارة» قوش وود ابراهيم وهما من هما خبرة ودراية في مجالات وفنون العمل الأمني والاستخباراتي، المهم أن ما حدث قد حدث وألقت السلطات القبض على كل من اتهمتهم بالضلوع في المحاولة وأودعتهم السجون، ثم كان من أمرهم ما كان إلى أن طويت صفحة هذه المحاولة الانقلابية بخروج آخر اثنين من متهميها من الحبس نهاية الأسبوع الماضي وهم صلاح وصلاح، الفريق أول واللواء، بعفو رئاسي تمدد ليشملهما بعد أن كان قد شمل في وقت سابق جميع المتهمين ما عداهما رغم أن التهمة في الإعداد والتدبير للانقلاب كانت واحدة، وهذا ما يحمد للعفو الذي استدركهما أسوة ببقية المتهمين الذين أخرجوا من الحبس بمقتضاه. مهما كان موقف أي شخص أو رأيه في المحاولة نفسها أو في من أُتهموا بها، فإن صاحب كل نفس سوية مفعمة بالمشاعر الانسانية لا بد أن يسعد لسعادة من أطلق سراحهم ونالوا حريتهم، ويتمنى لو أن كل صاحب كربة جاءه الفرج من حيث يحتسب «بالقانون» أو لا يحتسب «بالعفو»، ولهذا فإن ما نتمناه أن يمن الله على الحبيس يوسف محمد صالح لِبِس بالخروج من حبسه الذي طال منذ دخوله السجن قبل نحو عشرة أعوام متهماً أيضا ضمن آخرين بالتدبير لمحاولة انقلابية في ذاك الزمن، بعضهم قضى مدة محكوميته وخرج، وبعضهم قضى ثلاثة أرباع المدة وأُخرج بعفو رئاسي كان قد شمل حتى لِبِس نفسه، ولكنه للأسف لأمر ما ما زال حبيساً ومستثنىً من العفو الذي شمل العشرات غيره إلا هو، ومع مثل هذه الحالة الغامضة التي لا نرجو فيها إلا فرجاً للمهندس يوسف لِبِس لن نزيد عن دعوتنا بأن اللهم هييء له ولنساء جنوب كردفان المعتقلات بسجن الابيض عفواً مثل الذي شمل الكل يخرجهم جميعا من جدران السجن إلى جدران بيوتهم ولله الأمر من قبل ومن بعد...