أغاني (الراب) الأمريكية ما هي إلا قصص تحكي - بنبرات راقصة - عن عالم السرقة وترويج المخدرات وحياة العنف التي تعيشها مجتمعات السود في أمريكا.. وهي تقول الكثير عن آلام وأحلام (ناس) هم بكل المقاييس العالمية كَتَّالين كُتَلة .. لكن السر في احتفاء المجتمعات الأخرى بها هو أنها تعوِّل في نجاحها على الصدق الفني.. فأفكارها تتكئ على حقيقة المجتمع الأسود وإن كانت تلك الحقيقة تفتقر إلى الجمال ..! في الأغاني الهندية لا شيء غير الجمال والنقاء المطلق في الحب، لأن الاحتفاء بالمعاني الروحانية شيء أصيل في ثقافة المجتمع الهندي، فلا مفردات ذات دلالات حسية كما في أغاني (الراب) بل مفردات رومانسية المعنى، وهذا أيضاً صدق فني من نوع آخر ..! الأغاني إذن صورة معبِّرة بالألوان عن حال الشعوب لأنها ? ببساطة - لسان ذلك الحال! .. فمهما أوغلت الأغاني في حياديتها وتجرُّدها من الانتماء إلى مكان أو هوية ثقافية أو اجتماعية بعينها لا بُدَّ.. لا بُدّ أن تحوي مقطعاً أو جملة تكون بمثابة (لقطة) أو لمحة من لمحات الطبائع السلوكية للشعب الذي ينتمي إليه كاتبها وطبائعه ومسلماته ومعتقداته.. بل وعيوبه أيضاً ..! مثلاً، لا توجد كلمة احتلت مكان الصدارة في الأغاني السودانية مثل كلمة (تعال) و(جاني) ومشتقاتهما وشبيهاتهما من المترادفات التي تؤدي نفس المعنى. فالشيء الظاهر الوحيد الذي نتفق عليه كشعب مترامي الأطراف والأعراق في شؤون العلاقات العاطفية هو أن السوداني بمختلف انتماءاته (حبيب كسلان) يميل إلى انتظار مبادرات الطرف الآخر تحت شجرة (السلبية) الوارفة التي يختار البقاء تحت ظلها وهو يتغنى باللهفة والأشواق عوضاً عن اللجوء إلى الحلول العملية المرهقة! لذا فوصال المحب عندنا ما هو إلا ردة فعل.. وعلاقته بالعشق والهوى علاقة صدفة لا أكثر. لذلك تتردد الكلمات التي تحمل معنى الانتظار في الأغنيات التي نطرب لها ونترنم بألحانها.. لأنها صورة (مُلحَّنة) لما يمكن أن تبلغه عزائمنا المتواضعة في قصص الريدة ..! وبينما يقول المصريون (خد)، وتتردد هذه المفردة كثيراً في أغانيهم.. (خد قلبي وروحي).. (يا حبيبي.. خد عينيَّا).. (بتاخدني ليك).. (إلا عيونك إنت.. دول بس اللي خدوني).. نقول نحن: (تعال) وتفرض هذه الكلمة وجودها باطمئنان في كثير من أغانينا (حقيبة.. جيل رواد.. شباب.. أغاني البنات.. إلخ..) لا فرق ..! ف من (تعال فرح ليالينا).. و..(حبك لما جاني).. إلى.. (حبيبي تعال.. تعال نتلم).. و.. (تعال ليا وتعال لي)! .. فإن جاء المحبوب خير وبركة، وإن لم يجيء فما أمتع النواح وما أعذب البكاء تحت شجرة السلبية الوارفة إياها، ولا ضير من (الكشكرة) مرة، مرة، للمحبوب ب كلمة (تعال) الخاملة التي تشبه عزومة المراكبية! .. والغريب - بعد كل هذا - أنه يأتي .. الراي العام