لأجل الكلمة قلت له قبل عدة سنوات وأنا في مكتبه "إن اكتشفت في أحد الأيام أني خدعت في شخصيتك سأصدم جدا وستتشكل لدي عقدة نفسية، وإن تفاجئت يوما أنك تحمل إحدى صفات السوء، سأحبط جدا لفترة طويلة في حياتي".. وكان يعلق ضاحكا "لكن أنا ما ملاك". منذ فترة وأنا أرغب بالكتابة عنه، ولم أتردد في ذلك رغم العلاقة التي تربطني به وبأسرته، كنت متأكدة أن لا أحد يمكن أن يفهم كلماتنا بصورة خاطئة، فما أحمله له من مشاعر وإحترام، يحمل الوسط الصحفي أضعافها، فهو في موضع حب وتقدير من الجميع، إلا أفرادا مستثنين. يتصف هذا الصحفي الشجاع، بكل ما هو جميل ونبيل، يعد مفخرة للصحفيين السودانيين في الداخل والخارج، أخلاقة تتحدث عنه، صادق، نزيه، متواضع، محترم، يخلو من الأجندات والأغراض، لا يكتب إلا ما يمليه عليه ضميره.. احتفلت صفحات الفيس بوك أمس الأول بخبر منح الأستاذ فيصل محمد صالح جائزة "بيتر ماكلر" الصحفية، وهي جائزة عالمية أمريكية، تُعطى للصحفي النزيه والشجاع.. وقد قالت مديرة الجائزة في بيان لها أنه ما من شيء يجعلهم اكثر فخرا من تكريم فيصل محمد صالح.. وفي متن الخبر الذي تناقلته وكالة الأنباء العالمية أن فيصل معروف بمعارضته النظام القائم. وفي الحقيقة تعد الجزئية الأخيرة خاطئة، ففيصل ليس معارضا، لأنه لا ينتمي لحزب سياسي، إنما يقول الحقيقة، في وجه الحكومة والمعارضة على حد سواء وإن ظهر الأمر وبرز في الأولى بالتحديد.. وأشير لقصة تتكرر دائما في المنزل، حيث تدور نقاشات بين أمي التي تحب المؤتمر الوطني حبا شديدا وأبي المعارض أتخذ خلالها موقع الحياد، وحينما يصدف أن يكون عمود فيصل حول إحدى مواضيع النقاش، لا نملك إلا أن نطلب من أمي قراءة عموده وتفنيد نقاطه، ولكنها تعجز وتقول " طيب لي فيصل بس بشتغل ناس الحكومة، ما يشتغل المعارضة كمان" وكنت أوصل له التعليق رغم علمي وقناعتي أنه يفعل. هذا الأستاذ، ينادي بالحق ويطالب به لجميع الصحفيين، لكنه يترك حقه الذي يستحق.. كانت هناك إلفة بينه وصحيفة الخرطوم التي عمل معها لأكثر من عشر سنوات، تحمل في تلك الفترة عدم انتظام مرتبه ولم يطالب بحقوقه، ولم يجد من مناص إلا المغادرة للإمارات، حيث عمل هناك لسنتين، عاد بعدها ليرأس تحرير صحيفة الأضواء، وتحمل خلالها ما تحمل، باع سيارته وممتلكاته ليسير عمل الصحيفة، وحينما أغلقت طالب جميع الصحفيين بحقوقهم في المحكمة، وحصلوا على بعض منها، لكنه لم يفعل ولم يشتك أو يطالب، وترك متأخراته ومرتباته ، لكن رجل الأعمال (ذاك) لم يفكر بأن يعطيه حقه، رغم أن الحقوق لا تسقط بتقادم السنين. انتقل بعدها لصحيفة الأخبار، ورغم العروض التي كانت تأتيه، لكنه كان يفضل العمل مع صديقه محمد لطيف وأسرة الأخبار، وصديقه الآخر تكاثرت عليه المطالب والديون، فأعطى الجميع حقوقهم بعد فترة، لكنه لم يفعل مع فيصل الذي لا يطالب ولا يقول شيئا. وهو اليوم يكتب في صحيفة الخرطوم، وقد يتكرر ذات السيناريو في هذه الصحيفة أو تلك، ليخرج فيصل منها دون شوشرة أو ضوضاء لا يملك من مال الدنيا شيئا سوى سيارة متواضعة وشقة يسكن فيها بالإيجار. من هم في جيل فيصل، أو حتى أكبر أو صغر منه، استطاعوا أن يمتلكوا شيئا في هذه الدنيا، لكن موازناته ومبادئه التي لا تتجزأ جعلته هكذا لا يحتفظ إلا بمودة الناس وحبهم. لا تهمنا هذه الجائزة في شيء إلا أنها لفتت نظر العالم إليك.. شكرا بيتر ماكلر.. صدقا فيصل هو الشجاع النزيه.! لينا يعقوب [email protected]