يختزل الخلاف الامريكى حول توصيف ماحدث فى مصر من اطاحة بالرئيس مرسى ، مجمل الخلافات التى تشهدها بلدان الشرق الاوسط ، والتى افرزت نوعا من الاستقطاب الاقليمى، وفى داخل كل بلد ، بين من هم مع ومن هم ضد " مأثرة الجنرال عبد الفتاح السيسى". وهو خلاف سياسى فى جوهره يتعلق بالموقف من الديموقراطية، وان تمحور السجال حول ماهو شكلى او اجرائى. فقد وصف السناتور جون مكين "ما حدث في مصر" بالخطأ الكبير ،قائلا ان "المسؤولين عن الحكومة المصرية الآن لم يجر انتخابهم بينما المنتخبون في السجون، متسائلاً كيف يمكن تفسير ذلك؟. وقال ان ما حدث في مصر الانقلاب،" لأن نقل السلطة لم يتم عبر الانتخابات، ولست هنا لأقلب صفحات التاريخ لأعيد تعريف ما هو الانقلاب"؟. وفى ذات الوقت، رأى وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري" أن الجيش المصري لم ينقلب على السلطة ، و لكنه استعاد الديمقراطية في مصر.وأضاف : "أن الجيش لبى نداء الملايين من المصريين، التي خرجت تعبر عن رغبتها في رحيل الرئيس محمد مرسي ، و تم تشكيل حكومة انتقالية كما طالب الجيش بإجراء انتخابات نزيهة تعبر عن رغبة الشعب". و أشار كيري إلى رفض الإدارة الأمريكية تسمية ما حدث في مصر ب"الإنقلاب العسكري"، حيث أن تلك التسمية الخاطئة ، كان من شأنها منع حوالي 1.3 مليار دولار من المساعدات الأمريكية لمصر.. الخلاف حول توصيف ماحدث بانه انقلاب ام ثورة ام حركة تصحيحية فى اطار الثورة الديموقراطية، ام هى مجرد حركة مباركة قائمة بذاتها ، وماتمحور حوله من خلاف فى الداخل والخارج ، لم ينطلق من الاعتبارات العملية وحدها، كما يستفاد من افادة كيرى ، او من التجريدات النظرية ، بقدر ما كان منطلقه موقع الاطراف المعنية، الداخلية والخارجية، من الصراع السياسى والاجتماعى فى المنطقة ، وداخل كل بلد . وقد اثار انقلاب السيسى، من الجدل والانقسام فى الرأى مالم يثره انقلاب طنطاوى. ولايتعلق الامر بالناحية الفنية، لعملية الاطاحة برأس النظام، فقط، وانما بالمضمرات السياسية والايديولوجية للعملية نفسها. فى هذا السياق ، تمكن ملاحظة التأييد العام لانقلاب طنطاوى، مع تحفظات القوى الديموقراطية المصرية وهواجسها تجاه احتمال تحالف بين الجيش والاخوان فى مواجهتها . فمن الناحية الفنية ، فان انقلاب السيسى ،يمكن النظر اليه كانقلاب فريد من نوعه ، من حيث السيناريو و الاخراج ، وبشكل لم يعهده تاريخ الانقلابات العسكرية فى العالم الثالث . اذ لم يحدث ان عرض مدبر انقلاب خطته فى الهواء الطلق ، وطلب من الجماهير تفويضا على تنفيذها. وهو بذلك قد شكل انقلابا او ثورة على الممارسات الانقلابية الكلاسيكية المعهودة، منذ انقلاب حسنى الزعيم ، فى سوريا عام 1948 ،الانقلاب العسكرى الاول فى المنطقة العربية والشرق الاوسط، الذى رصد ملامحه باتريك سيل ،فى كتابه "الصراع على سوريا"، واعتبر انه يرسم معالم الطريق للقادمين من الضباط الاحرار والديموقراطيين ، الذين شغلوا المشهد السياسى منذ ذلك الحين. انقلاب السيسى ، فى السياق، يدحض الاستنتاجات المتعجلة ، التى رأت فى ثورة 25 يناير ، نهاية دور العسكريين فى السياسة العربية، وانفتاح عصر الجماهير. ولم يكن انقلاب طنطاوى مرفوضا من حيث المبدأ ، على الرغم من انه قطع الطريق على الحركة الجماهيرية، التى فجرت الثورة، بحيث يكرس الجيش طرفا من المعادلة السياسية لمرحلة مابعد مبارك.وهو ما فعله السيسى ايضا. بحيث يمكن الاستنتاج ، بان انقلاب السيسى وانقلاب طنطاوى، الذى سبقه، هما عملية واحدة، تمتد جذورها لانقلاب عبد الناصر عام 1952.باعتبار انهما يعززان دور الجيش فى الحياة السياسية، الان وفى المستقبل ، فى بلد ظل منذ العام 1948، مثقلا بتبعات الحرب مع اسرائيل والسلام معها، فى ظروف ظلت تشهد ضعفا نسبيا لدور الاحزاب والقوى السياسية والمجتمع المدنى .ولعل ذلك ربما كان منطلق اسلاميى تركيا فى تصدرهم لمحور اقليميى مناهض "لانقلاب السيسى" ، يشمل – حتى الان - ايران وقطر. ويمكن اعتبار التشدد فى الموقف التركى رسالة موجهة الى الداخل.وفى ذات السياق النظر للموقف السودانى الذى يتماهى معه، باعتباره دفاعا عن التجربة الاسلامية ، التى وجدت فى صعود الاسلاميين على موجة الربيع العربى دعما وتعزيزا لها، بينما تشكل انهيار تجربة كبرى الحركات الاسلامية فى العالم،وتحول محتوى الربيع العربى من اسلامى الى ديمقراطى علمانى ، تهديدا مصيريا لها ولكل تجارب الاسلام السياسى فى العالم." [email protected]