حكى لي صديق كان يتردد كثيراً على الإذاعة المصرية.. أنه مرّ على أحد مكاتبها وقد وضعت عليه لافتة مكتوبٌ عليها إسم وكان متبوعاً بلقب الخبيرالإعلامي للإذاعة ! قال لي سألت عن الأمر للتاكد إن كان هنالك تشابه في الاسماء لأن الرجل حسب علمه قد تقاعد منذ سنين عدداً ولابد انه تجاوز الثمانين من عمره ، فقالوا له ومتى يمكن أن يتقاعد عقل الإعلامي أو المبدع طالما أنه قادرٌ على العطاء..! وحينما إختصم كلٌ من أم كلثوم وعبد الحليم حافظ ..تدخل لمصالحتهما الرئيس جمال عبد الناصر شخصياً ، لأنهما في نظر الدولة ثروة قومية لابد أن يتهيأ لهما الجو الصحي للإبداع دون أن يتكدّر خاطرهما بما ينعكس سلباً على مشاعر الشعب ! على مدى سنين غربتي التي تجاوزت الثلاثين سنة لم أسمع بوزيرٍ أو لواء أو وكيل وزارة أو مبدعٍ جاء يتسول الوظيفة بعد أن فقدها في بلده إلا إذا كان من الهاربين عن جحيم السودان الطارد..فكل الذين يأتون للعمل من الدول الآخرى وفي هذا المستوى الوظيفي يستجلبون كخبراء منتدبين معززين مكرمين ، مثلما كان حالنا نحن قبل أن يتدنى سعرنا في سوق العمل ! صحيح لا زال فينا من يرفعون الرأس ولن ينضب معين كفاءاتنا وخبراتنا و الثقة في اخلاقياتنا ولن ينعدم فينا الخير الى أن تقوم القيامة .. ولكن هل من الممكن أن يصدق المرء بان من هم في قامة وعطاء وعمرالدكتور الكابلي يمكن أن يرحل ليعيش في الخارج لو أنه وجد التكريم اللائق به في بلاده ..! وكم هم من المبدعين في كل المجالات الذين طردهم المتغولون على أماكنهم دون كفاءة أو أحقية! والله لقد عرفت ذلك الأستاذ المؤدب والمهذب كصديق قريب منه على مدى مايزيد عن الربع قرن ، وفي كل مرة أجلس اليه يتجدد عندى الإحساس إنه وسام على صدر الوطن . ولعلي كنت أشبهه دائما ما شاء الله بالشجرة التي تثمرأكثر من خمسة أصناف من الفواكه..فهو الشاعر والباحث والمثقف والأديب والمترجم والفنان ! لايذكر صدرُ بيتٍ من الشعر من أية حقبةٍ الا وأكمل الكابلي عجزه وذكر مناسبته و تحدث عن شاعره..ولا يتطرق الحديث الى مناسبة وطنية أو حادثة سياسية أو معركة تاريخية أوحتى مغالطة فنية الإ وأسهب الكابلي في تفاصيلها الدقيقة بفهم قل أن يتوفر لدى الكثيرين ! فالى متى ستظل طارداً يا وطني لأبنائك الذين فضلوا البعد عنك لأنهم أحبوك ولست أشك في أنك تطردهم عن المناخات الملوثة لأنك تبادلهم حباً بحب ..! أمثل الكابلي يمر موضوع هجرته دون أن يرف للقائمين على أمر البلاد طرفٌ .. ليبقى في صورة الوطن من بعده و بعد الكثيرين أمثاله من هم دون مقامه بفراسخ يتسيدون الأنهار أورالاً في غياب التماسيح..! أكاد لا..لا أصدقُ.. وعجباً يا وطني المسروق ! .. [email protected]