في منتصف السبعينيات كنت أجريت لقاءاً صحفياً مع أستاذنا الإعلامي القدير محمد سليمان أمد الله في أيامه نشرته جريدة الأيام.. وقد سالته ، لماذا لا يقرأ نشرات الأخبار أو يقدم البرامج السياسية .. ؟ فقط تلاحظ أنه يرتاد مادة المنوعات والثقافة وكانت برامجه وقتها من أنجح ما يشاهد في التلفزيون مثل دنيا دبنقا ..أو جراب الحاوي في الإذاعة.. ! قال لي وبشفافية الخبير.. الأخبار والسياسة يحتاجان لصوت مباشر ومحايد ، وأنا لا آنس في صوتي تلك الميزات ! كان ذلك الدرس الأول الذي تعلمته في بدايات حياتي الإعلامية المتواضعة ، ومن يومها صرت أتلمس تلك الحيادية في كل صوت إذاعي أو..وجه تلفزيوني .. ولعل ما قصده أستاذي الكبير حينها لم يكن يقتصر على حيادية ومباشرة النبرة فقط وإنما المشاعر الخاصة بالمذيع أو المذيعة بحيث يدير النقاش أو يقرأ الخبر دون أن يشعر المتلقي بأى إنحياز أو تعاطف ذلك المقدم حيال المادة مع أو ضد.. ولو كان الأمر يتعلق ببلده لاسيما بالنسبة لمن يعملون في محطات عالمية كالبي بي سي أو الإقليمية كالجزيرة والعربية ! بالأمس شاهدت لقاءاً أجراه من خلال قناة العربية المذيع محمود الورواري مع السيد محمد عمرو كامل وزير الخارجية المصري السابق وكان محور الحديث حول زيارات الوزير للدول الأفريقية الواقعة في منابع ومصبات حوض النيل بغرض إحتواء تداعيات إنشاء سد النهضة الأثيوبي.. فكان المذيع يدير اللقاء بمصريةٍ فاقعة في اللهجة والإنحياز ولغة الأستخفاف بتلك الدول وزعمائها ، وهو يلهث بتعالٍ واضح ويلاحق الضيف مقاطعاً سرده الدبلوماسي الرزيين بأسئلةٍ سخيفة من قبيل..هما كانوا بيقوللك إيه.. أو دول بيقولوا حاجة ويرجعوا يعملوا حاجة تانية، وكأنه يريد ان يقول هما مش عارفين بيكلموا مين! أو يريد أن يقول نحن أهل مصرمحور إنسان الكون ونملك حقاً في العيش بماء النيل اكثر من هؤلاء الرعاع ولابد أن يعلموا قيمتنا جيداً ! قناة العربية هي ليست مصرية حتي يتفرعن من خلالها ذلك المذيع ويتعرى عن الحد الأدني من ثوب الحياد الإخلاقي في إدارة الحوارات مع قامة دبلوماسية أستطاعت أن تفلت من حصار إدارته للحوار باسلوبه المتحيز الواضح التنطع ، بكل أدب الدبلوماسي اللبق الذي قال كلاماً طيباً عن تلك الدول وقادتها ..بل وتخطى سؤال المذيع الذي حاول أن ينكش به موقف السودان الذي وصفه بأنه كان مرتبكاً تجاه مصر في هذه الإزمة، بإجابة كانت غاية في التهذيب والحصافة ! فهل فقد ذلك المذيع بوصلة الحياد الإيجابي الذي ، يحقق له النجاح.. خاصة وإنه يخاطب الناس من خلال قناة إقليمية أقرب الى العالمية وليست محلية من ذلك النوع الذي يحدث بعض من يعملون فيها الناس بطريقة العوالم ، كما نلاحظ في الآونة الأخيرة وفي ظل ظهور..واستقطابات كل تلك الفضائيات التي تجاوزت أعدادها.. عدد المقاهي في شوارع القاهرة! الصحافة