قائد منطقة البحر الأحمر العسكرية يقدم تنويرا للبعثات الدبلوماسية والقنصلية وممثلي المنظمات الدولية والاقليمية حول تطورات الأوضاع    تشيلسي يضرب ليفربول بثلاثية ويتمسك بأمل الأبطال    توجيه عاجل من وزير الطاقة السوداني بشأن الكهرباء    الخارجية القطرية: نجدد دعمنا الكامل لوحدة وسيادة استقرار السودان    الاعيسر:استخدمت في الهجوم سبع طائرات مسيرة انتحارية، شكّلت غطاءً لهجوم نفذته طائرة استراتيجية أخرى    وقف الرحلات بمطار بن غوريون في اسرائيل بعد فشل اعتراض صاروخ أطلق من اليمن    حزب الأمة القومي: نطالب قوات الدعم السريع بوقف هذه الممارسات فورًا والعمل على محاسبة منسوبيها..!    المضادات فشلت في اعتراضه… عدد من المصابين جراء سقوط صاروخ يمني في مطار بن جوريون الاسرائيلي    مصطفى تمبور: المرحلة الحالية تتطلب في المقام الأول مجهود عسكري كبير لدحر المليشيا وتحرير دارفور    الجيش يوضح بشأن حادثة بورتسودان    "ميتا" تهدد بوقف خدمات فيسبوك وإنستغرام في أكبر دولة إفريقية    بورتسودان وأهلها والمطار بخير    انتر نواكشوط يخطط لتكرار الفوز على المريخ    قباني يقود المقدمة الحمراء    المريخ يفتقد خدمات الثنائي أمام الانتر    عزمي عبد الرازق يكتب: هل نحنُ بحاجة إلى سيادة بحرية؟    الأقمار الصناعية تكشف مواقع جديدة بمطار نيالا للتحكم بالمسيرات ومخابئ لمشغلي المُسيّرات    فاز بهدفين .. أهلي جدة يصنع التاريخ ويتوج بطلًا لنخبة آسيا    بتعادل جنوني.. لايبزيج يؤجل إعلان تتويج بايرن ميونخ    السودان يقدم مرافعته الشفوية امام محكمة العدل الدولية    هل هدّد أنشيلوتي البرازيل رفضاً لتسريبات "محرجة" لريال مدريد؟    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (ألف ليلة و....)    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    ارتفاع التضخم في السودان    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ام(البنات) واشكال المئازم النفسية في المجتمع السوداني
نشر في الراكوبة يوم 04 - 09 - 2013


(مشهد أول)
تحكي( بدور) قصتها لأحدي الصحف الاجتماعية وتقول انها سيدة متزوجة منذ سبعة اعوام وام لثلاثة بنات وتنتظر مولودا في الطريق وبدأت المشكلات تقتحم حياتها عندما بدأت في انجاب البنت الثانية ثم تفاقمت المشاكل عند انجاب الطفلة الثالثة فكان زوجها يتذمر لسبب انجابها للبنات فهو كان يمني تفسه بالاولاد فصب جام غضبه علي المولود الثالث عندما علم انها( بنت) حتي انه رفضها تماما ورفض حملها ورؤيتها وتقول الي ان تدخل الاهل بينهم ومرت الايام عصية بعد ذلك وما جعلني اكتب اليك هو انني خائفة جدا من ان يكون حملي القادم الذي انتظره هو( بنت) وأخاف من الذهاب للطبيب من اجل رؤية ما في احشائي( ذكر ام انثي) فأذا ثبت انها انثي لا اعلم ما سوف يحل بي هل سوف ينفذ زوجي تهديده لي بأن يتزوج من اخري ام سوف يطلقني؟
أرجو ارشادي الي حل سريع؟
(مشهد ثاني)
في احدي احدي الحلقات بأحدي البرامج الاجتماعية في فضائية النيل الازرق كانت تتحدث عن مشاكل الطلاق فأستشهدت بعدد من الاسر كنماذج لسبب الطلاق كان من بينها ولادة البنات وعدم القدرة علي تحمل المسؤلية وكان من بينها الاسرة موضوع النقاش تتكون من الزوجين وثلاثة زهرات صغبرات ثم بعد فترة طلقها ثم هرب الي جهة الي غير معلومة.. تتكلم الزوجة بحرقه والم عن زوجها : وتقول انه طلقها قبل خمسة سنوات وكان يفتعل معها المشاكل بدعوي انها لا تعرف سوي انجاب البنات وبعد الطلاق تنصل من كل مسؤلياته تجاه بناته بمعني تركها وحدها مع بناتها تكافح مع من اجل رتق ثغرة العوز المادي وعندما سألت المذيعة احدي بناتها عن امنيتها فأجابت بأنها تريد ان تعرف لماذا تركهم والدهم ولم يأتي ليسأل عنهم وانها فقط تريد رؤيته ولا تعليق؟
.................
تواجه( ام البنات) في مجتمعنا السوداني والمجتمعات المشابهة بأزمات نفسيه فمنذ الولادة وما ان تعلم الاسرة ان المولود بنت خاصة اذا كانت البنت هي المولود الاول اوتكررت ولادة البنات بصورة متتالية حتي تكفهر الوجوه ويتم تناقل الخبر بأستحياء خاصة وسط الذكور.. وتظل النظرات تلاحق ام البنات ويصاحبها احساس بالقلق علي حالها ويعيش والد البنات مثقلا بالهموم( فلا هم كهم البنات) فأنا اعرف احد الاشخاص كان يسكن بالقرب منا وله وظيفة مرموقة وكان كثير الشراب لدرجة الادمان وكنا صغارا في ذلك الوقت لا ندري شيئا وعندما كبرت وتنامي لدي الوعي ادركت ان الادمان سببه ولادة البنات فقد كان يهذئ بكلمات مثل انه لا يقدر علي هذا الحمل الثقيل؟ فقد كان لديه سته من البنات وكان يصرخ في ام بناته بدون اي اسباب واضحه..واذكر في احدي المرات كنت مع احد اقربائي في المستشفي وكانت لحظتها زوجته بغرفة العمليات للولادة وكان قلقا فسالته فقال لي : انا بتمني بس يجيني ولد في الولادة الاولي والباقي ما مهم انشاءالله يطلعوا كلهم بنات....!
وفي ظل هذه الظروف المأزومة التي تحيط بالمرأة تظل ام البنات هي جوهر هذه الازمة فكأن امر الانجاب متعلق بها وحدها فهي مصدر شؤم لا بركة اذا لم تنجب ذكرا وهي المسؤل الاول عن الانجاب وتلك النظرات لا زالت تتوارث وقد نجد اثارها حتي عند بعض المثقفين وأدعياء العلم لان العلم لم ينفذ بعد الي اعماقهم ت وهناك مقولة منسوبة الي المجتمع السوداني تقول( المرة كان بقت فاس ما بتكسر الراس), ان تلك الاشكالية دعتني الي تتبع جذور المسألة في محيطنا الاجتماعي فوجدت ان القبائل العربية في الجزيرة العربية ولقد ذكرت القبائل العربية لاننا نستقي منهم ثقافتنا وبالتالي هي تؤثر علينا فقد كانت ولا زالت تحتفي بقدوم المولود الذكر لانه سيكون راعي وفارس القبيلة وغيورا علي شرفها وفي مقابل ذلك تكون الانثي نذير شؤم علي القبيلة ليس لعدم مساهمتها في الانشطة الحيوية فحسب بل لانها تمثل ثغرة في دفاعات القبيلة لان سبيها في حالة تعرض القبيلة لغارة من القبائل الاخري يمثل وصمة عار محتمل في سائر الحياة الاجتماعية بأعتبارها قنبلة جنسية قابلة للانفجار في اي لحظة وبالتالي لا بد من وأدها ودفنها حية وفي افضل الفروض حبسها اي وأدها اجتماعيا وفوق ذلك تعتبر المرأة اضافة سلبية للقبيلة اكثر من كونها ايجابية وقدومها للحياة لم يكن محل احتفاء بالنسبة للقبائل العربية ولا تعني سوي اضافة عضوعاطل عن الانتاج...........
اما عن وضعية المرأة بعد الاسلام لم تحدث نقلة كبيرة وتحول الوأد البايولجي اي دفنها حية خشية املاق او عار الي وأد اجتماعي تتحرك بين اطراف الجدران الاربعة وهذا يرجع الي حساسية وضع المرأة في الثقافة العربية فقد يتفهم العرب مسألة الامتناع عن شرب الخمر ولعب الميسر او التخلي عن اموالهم للزكاة اونجدهم يزنون او يكذبون او يتركون اي فعل اخر منهي عنه ولكن يصعب مخاطبتهم في امر المرأة او لمجرد النقاش حولها لانها نقطةجوهرية يصعب قبولها......
ان هذه الوضعية المأزومة للمرأة علي مستوي الحياة العربية عامة هي التي انتجت دونية المرأة علي مستوي التعامل والتقدير وسط محيطنا الاجتماعي حتي الان لذلك وعلي سبيل المثال نجد ان الفرد في تلك الدول لا يسمح له بزيارة منزل اخيه في حاله غيابه ولا تخرج المرأة الا وهي مغطاة (بالخيمة او البرقع) وفي السعودية مثلا اذا رأي الفرد ايادي اي امرأة ( بارزة) ثير فيه كوامن جنسية فهذه هي الثقافة التي نقلت الينا عبر المدارس السلفية فهي لا تتوافق مع عاداتنا المجتمعية بل تتوافق مع عاداتهم في محيط الجزيرة العربية ومع ذلك يقولون هذا مطلب الدين؟ فوضعية المرأة لم تختلف كثيرا طوال كل الاعوام السابقة منذ ايام الجاهلية فالمسألة ليست مرتبطة بالدين بقدر ماهي مرتبطة بقيم ومحاميل ثقافية واجتماعية راسخة وهذه المحاميل انتقلت الينا عبر المدارس السلفية كما اسلفنا مع بعض الاختلافات التي نشأت نتاج عملية التأثير بمفاهيم موجودة في مجتمعنا السوداني وبمعني اخر كلما تمسكت المجموعات السودانية بقيمها الاجتماعية والثقافية ولم تتعرض للأستلاب كانت نسبة الاضطهاد ضد المرأة اقل مما هوعليه في الثقافة العربية وهذا الاختلاف نراه في بعض القبائل السودانية التي تحترم المرأة وتعطيها مساحة اوسع في الحرية....
ان هذه الاشكالات التي تحيط بالمرأة في مجتمعنا هي التي انتجت (ازمة طرحة اميرة) فحكومةالانقاذ تختزل الاخلاق في طرحة تضعه المرأة علي رأسها فهم كالمومس التي لا تبدأ عملها الا بعد صلاة العشاء و لا تزاول عملها في نهار رمضان ولكن المومسات افضل منهم لانهم يمارسون الدعارة الفكرية والمتاجرة بالدين وبعقولهم وضمائرهم علي المنصات الاعلامية وعلي منابر المساجد في كل الاوقات ولكن بالرغم من التغيير الذي طرأ في واقعنا المعاصر الحديث علي حياة المرأة الا ان ذلك تم وفقا للشروط القديمة التي تنظر للمرأة علي اعتبارها مازالت كائن جنسي مثير للغرائز الجنسية وبالتالي غير مسؤل حيال نفسه ونجد رغما عن ذلك ان المرأة الاخت ليس لها مكتسبات داخل الاسرة مثل اخيها فأذا كانت الاخت تعمل لساعات طويلة ولديها عدد من الاخوة العاطلين عن العمل تنفق عليهم واردت الخروج من المنزل ليلا لزيارة صديقتها المريضة مثلا فقد يمنعها هذا الاخ العاطل عن الذهاب ويقول( ما عندنا بنات بيطلعن بعد المغرب) وستخضع عنوة لهذه المزلة والمهانة والمعايير المزدوجة المتمثلة في اسهامها الضخم الذي لم يطور وضعيتها وموقف الاسرة منها وبالتالي طالما ان المرأة ليس لديها رأي داخل محيطها الاجتماعي فبالتالي حرمانها من ابسط حقوقها الاجتماعية وقدرتها علي الحراك والتعامل مع محيطها بشكل طبيعي وستوأد داخل الجدران الاربعة طالما انها تعامل كقنبلة جنسية قابلة للانفجار لو وقعت عليها عينا رجل فلربما اشتهاها او رغب في الاختلاط بها...........
ورغم تعاطفي معهن كضحايا الا انني لا استطيع سواء ابداء دهشتي من قوة هذه الثقافة التي تكبلهن وهي تصور النساء بوجودعيب خلقي في تكوينهن يجعلهن فريسة للغواية وان الحكمة من خلق اجسادهن هي اشاعة الفتنة في هذا الكون فنري كيف تتنكر النساء لذواتهن فيتحولن لكائنات غير مرئية خلف( الخيام) التي تخفي كل الاجساد والمحزن في الامر ان النساء الضحايا يتمسكن بقوة بحجج ملفقة حول( النقاب) فالنساء اللاتي نشأن وهن مشبعات بنظرة دونية لانفسهن يتلقفن تلك الافكار القامعه وهن يتصورنها حقيقة ماثلة ويرين في فتنة اجسادهن واقعا قدريا لا فكاك منه الا بستر الاجساد خلف النقاب..فهن اللاتي تكبلهن ثقافات مشوهه وتجعلهن لا يقدرن ذواتهن الا وهن مدرجات تحت قائمة املاك..... شخص ما.. انهن ضحايا تاريخ من التشويه النفسي والتربية الخاطئه والتبرؤ منهن لا يحل ازماتنا............
ان اشكالية الحل لهذه الازمة التي تطوق مجتمعنا تكمن بنسبة كبيرة في يد المرأة نفسها بأعتباران في الغالب تربية البنات تقع علي عاتقها وبالتالي انتاج جيل يمتلك ادوات الحل والثقة بنفسه فالتربية تشكل توجهات الانسان في مستقبله فخيارات الانسان تظل مفتوحه ومتعدده ولكن تلعب التنشئه وتشكيل الشخصية دورا اساسيا فتتقيد النساء عبر الاجيال بالاذعان والانقياد للرجال وهكذا تتعلم الطفلات منذ ايامهم الاولي من خلال سياسات التمييز التي تفرق بينها وبين اخيها الولد.. وقد اشرت في احدي مقالاتي السابقة الي ان العنف الذي يصدر من المرأة ضد الرجل لهو رد فعل طبيعي علي العنف الذي يصدر ضد المرأة في محيطنا الاجتماعي وكلما تناقصت نسبة العنف ضد المرأة بالتالي تقل نسبة عنف المرأة ضد الرجل مثل اعمال( السحر والكجور) التي هي شائعة عند المجتمعات النسائية بصورة اكبر كرد فعل علي العنف الذي يقع عليهن ونلاحظ ان المجتمعات التي تقل فيها نسبة حالات العنف ضد المرأة نجد ان نسبة هذه الاعمال تكون قليله جدا لان (بالهن) يكون اكثر هدوءا وفي ظل هذه الخيارات المحددة هل يعقل ان نضعهن كمسؤلات عن خياراتهن وأفعالهن كخيار عاقل ؟
وفي ظل هذا المناخ القامع في محيطنا المجتمعي ستظل علاقات القمع هي السائدة لانها ما نشأن عليه واعتدنا.. لذلك يجب علينا انتقاء طرائقنا في التربية لنصنع مستقبلا هادئا وعادلا لبناتنا فهي التي تصنع الفارق فهي الاساس واجدني منحاز الي تجربة الامام عبدالرحمن المهدي الذي كان لديه وعي مبكر بأهمية المرأة ودورها في المجتمع وكان يقول في ذلك كنت حريصا علي تعليم بناتي واعطائهن الثقة بأنفسهن وكنت حريصا علي استقبال بناتي للضيوف في صالون الرجال والامام عبدالرحمن المهدي هو الذي وقف خلف الراحلة المقيمة سارة الفاضل عليها الرحمة زوجة الامام الصادق المهدي في ان تتلقي تعليمها في الولايات المتحدة ووجدت تلك الخطوة معارضة كبيرة وصدي استنكار واسع اخصوصا في ذاك الزمان من خمسينات القرن الماضي والاشكالات التي كانت تقف خلف تعليم المرأة داخل السودان ناهيك عن خارجه فتجربة الامام عبدالرحمن هي التي انتجت تجربة ال المهدي و الامام الصادق المهدي علي وجه الخصوص الذي لديه ثمانية من البنات فأخرجهن للمجتمع علي افضل ما يكون وكما اشيد بتجربة جامعة الاحفاد الرائدة في تعليم البنات وفي المناهج الثقافية النوعية التي تدرس فهناك فرق كبير بين البنات اللائي تخرجن من الجامعات الاخري ومن تخرجن من جامعة الاحفاد من ناحية الثقافة النوعية كأنسان مثقف واعي بحقوقه....
ولكن تكمن الاشكالية في ان التربية غالبا ما تقع علي عاتق المرأة التي غالبا ما تكون مستلبة فالامهات ينفذن اجندة المجتمع القهرية في تربية بناتهن لذلك تحرص الام علي تدجين ابنتها منذ الصغر وقص اجنحتها حتي لا تطير خارج نطاق البيت وتحرص علي ان تكون تحت اشراف وصحبة امنة.. وهذا شرح كافي للأيدولوجية التي تسبطن بها المرأة الوعي الذكوري وتفرزه بأعتباره الوضع الطبيعي.. ونمثل بذلك عندما تنتهج الام طريق التعسف في التربية وهي تفرق بين ابنائها في التعامل بتفضيل الولد علي البنت بطريقة محسوسة تترك اثارا سلبية عند البنت وتولد احساسها بالدونية من اخيها (الولد) فالام تفعل هذا لانها تنفذ اجندة المجتمع القسرية التي تفرض عليها ذلك وبالتالي تساهم التربية الخاطئة في ان تنتج بنت مهزوزة وضعيفة الشخصية تفتقد الثقة في نفسها وبالتالي هي ايضا عندما تتزوج تنتج اجيال بنفس الطريقة....
ليس هناك اسلوب محدد لتربية البنات فهناك اسر تطلق لبناتها الحبل علي القارب دون ضابط او توجيه وهناك اسرا تضيق عليهن الخناق وتحرمهن حتي من حقوقهن الشرعية التي شرعها لهن المولي عز وجل مثل حق اختيار الزوج بينما هناك اسر( لا افراط ولا تفريط) تمنحهن الحب والموده وتوفر لهن هامش من الحرية تعطيهن الثقة بالنفس
ولكن كل هذه التقاليد المجتمعية الصارمة التي تطوقهن لن تلغي مشاعرهن المكبوته ولكنها تخفيها عن الاعين فستظل مدسوسة لذلك ترضخ المرأة الي قبول القمع والرضا به لانه ما تدربت عليه منذ الصغر ولكن يظل هناك صراع مؤجل وهذا هو مربط الفرس اذ لا تستطيع البنت ان تبني شخصيتها وهي مطوقه بغضب مكبوت وتعليمات حرفية وتظل تابع لرغبات الاخرين وفاقدة للقدرة والشجاعة لبناء شخصيتها بعيدا عما تم تدجينه فان التدجين الايدولجي الذي ينمط عليه النساء منذ الصغر لا يلغي التكوين المزاجي للطفلات فغالبا ما تفور بنتائج سلبية فالطفلة الهادئة التي لا تتعب امها بالشغب وتجلس هادئة بعد عودتها من المدرسة لا يتصور احد ان لديها نفس الرغبات والانفعالات التي لدي اخيها الولد الذي يلعب الكورة مع اقرانه في الشارع ويلهو بكل الالعاب دون اي قيود وتسعد الام بأن ابنتها هادئة لانها لا تفكر بعقلها الداخلي ؟ ولكن البنت ايضا لديها نفس الرغبات والشحنات التي تريد تفريخها مثل اخيها الولد فالبنات الصغيرات بهذا الحرمان الذي يعشنه يكون سببا يجعلهن افضل كطالبات من الذكور فبالتالي تصير البنات اكثر اهتماما وتفوقا ولكن اكثر سلبية ولكنهن لم يولدن هكذا بل تم تدجينهن لايدولوجية بعينها وهذا رد علي الذين يعزون تفوق البنات علي الاولاد في الامتحانات لان المستقبلات العين والاذن تكون مدربة ومهيأة بصورة افضل لدي البنات وفي المرحلة الجامعية حينما تجد البنت حرية اكبر تقل اهتماماتها بالدراسة الاكاديمية فتفوق البنات في الجامعة يكون اقل عن المراحل السابقة في الاساس والثانوي......
ان الذين يربطون العفة بالنساء فقط فواجبنا كمجتمع ان نرشد لمسألة العفة ونقنع الافراد بقيمتها ونربي الجميع عليها لأن المجتمع يربط دائما مسألة العفة بالنساء دون الرجال فالعفة تأتي بالسلوك الرصين من كل افراد المجتمع ومعرفة المرأة لحقوقها وحدود حريتها فالمرأة التي( تتنقب) تفترض دائما بأن جسدها هو كل ما تملك ولذلك تخاف عليه وتحرص عليه كأنما هي فعلا( عورة) وبذات القدر المرأة المتبرجة تعرض نفسها كجسد في المجتمع وواجب المرأة تجاه نفسها ان تنظر لنفسها كأنسان وأن تخرج بالزي المحتشم المعقول وتمارس حياتها كأنسان وليس كجسد وعورة فلا بد من اعادة انتاج حياتنا الاجتماعية بعد اكتشاف مكامن الخلل داخل نسيجنا الاجتماعي لانجاح محيطنا الانساني بأقامة مؤسسات معنية تخدم مصالح الانسان السوداني ومتطلباته بغرض ايجاد جو يتوفر فيه السلام ويحترم فيه الانسان بعيدا عن المظالم التي تتم بشكل مزاجي.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.