لم تكتفي لعنة المحروقات فقط بمسالبها وموجعاتها علي المواطنين وبالاخص الشرائح الضعيفة والفقيرة ولكنها ولجت بكل قوة الي داخل اسوار المؤتمر الوطني الذي يمتلك كل الكيكة وبيده مفاتيح المال والاقتصاد والسلطة فاحدثت بداخله حالة من الاضطراب فالمعطيات السياسية غير المرئية تشير بجلاء الي حقيقة التباينات داخل صفوف الوطني بل ان البعض يتحدث عن انقسامات حادة غير معلنة وربما علي مستوي قيادات الصف الاول الامر الذي يعني ان قرار رفع الدعم عن المحروقات قرار لم تتخذه ارادة موحدة ولم يخرج من منبع واحد رغم ان ظاهره يشي الي توافق رجال الوطني وحلفائهم في الحكومة . وبالنظر الي خلفيات التباين السياسي والفكري داخل الحزب الحاكم فان الحقيقة تشير الي تنامي المجموعات والتيارات الاصلاحية التي اعلنت عن نفسها ابان عملية اعتقال مجموعة ما عرف بالمحاولة الانقلابية الشهيرة وقد يكون هذا التيار الاصلاحي هو الكاسب من حالة الاحتقان والاضطراب السياسي و المرجعية الفكرية المفقودة التي يعاني منها المؤتمر الوطني الان فحينما تبني هؤلاء الاصلاحيون نهجهم الاصلاحي من خلال الدعوة لمحاصرة بؤر الفساد والمطالبة باعادة هيكلة الدولة وتوسيع قاعدة المشاركة في الحكم والاهم من ذلك كله هو تخفيف وطاة الفقر والمعاناة علي الشعب السوداني الذي صبر علي الانقاذ منذ يونيو 1989 فتحرك هذا التيار عبر المزكرات والمكاتبات واللقاءات والمنابر السياسية فاتسعت قاعدة هذا التيار حتي من خارج منظومة المؤتمر الوطني وكانما قادة هذا التيار يدركون ما ستجنيه عليهم هذه السياسات التي تنتهجها الحكومة في ادارة شان الاقتصاد والدولة والعلاقة مع الاخرين . فالسائحون هم الان الذين ينشطون في فضاءات المؤتمر الوطني ويحاولون كذلك استثمار اخطاء الوطني وسقطاته السياسية او بالاحري اخطاء المجموعة التي ربما لا تؤمن بغير سياسة القبضة الحديدية وتهميش رؤي ومقترحات ومواقف الاخرين . وبذكاء شديد وحرفية سياسية ماكرة دفعت هذه المجموعة الاصلاحية بالامس بمذكرة سياسية للسيد رئيس الجمهورية ابرز صناعها الدكتور غازي صلاح الدين قائد التيار الاصلاحي وفحوي المذكرة او قضيتها الاساسية مطالبة السيد رئيس الجمهورية ايقاف القرارات الاقتصادية فورا واسناد ملف الاجراءات الاقتصادية الي فريق اقتصادي مهني ووطني للاتفاق علي معالجات والخروج بوصفة اقتصادية تجنب البلاد الويلات والاحتقانات . ولم تهمل المذكرة الازمة السياسية المستفحلة ولكنها طالبت بتشكيل الية وفاق وطني لمعالجة الازمات السياسية وذهبت الي اكثر من ذلك بالدعوة صراحة الي ايقاف الرقابة علي الصحف وتوسيع هامش الحريات وبالاخص حرية الراي والتعبير والاعتقاد ولكن ربما استشعرت المجموعة القابضة الخطيئة وفشل رهان الشعب الذي راهنت عليه كثيرا في مساندة الحكومة ذلك لان كثير من قيادات المؤتمر الوطني لم يكن في اعتقادهم ان الشعب السوداني سيقف في وجه الحكومة ويطالب باسقاطها بمثل ما حدث الايام الفائتة . ولعل خروج الشعب للشارع بسبب هذه القرارات الكارثية اغري المجموعات الاصلاحية وحتي الغاضبين علي منهج الحكم وسلوكيات المؤتمر الوطني بان يتحركوا بقناعات جديدة تعزز مواقفهم السابقة فتعددت امامهم الان الخيارات واصبح الافق امامهم مفتوحا للتحرك وعقد التحالفات السياسية والفكرية وربما تعلو اصواتهم بشكل واضح وتنشط تحركاتهم في مقبل الايام خصوصا اذا استمر الشارع في انتفاضته فستجد الحكومة انها امام خيارات صعبة ومحدودة لا تتيح لها فرصة المناورة او استخدام طريقتها وهوايتها المالوفة في التكتيك السياسي المرحلي . والحقيقة التي لا يجب انكارها ان خروج المواطنين الي الشارع اصاب الحكومة بصدمة كبيرة وهز كيانها واحدث بداخلها قدرا من الربكة غير المسبوقة داخل الحكومة ووسط المنظومة الحزبية الحاكمة فبدات بعض الاحزاب المتحالفة مع الوطني تتحدث عن خيارات القفز من قطار الحكومة احتجاجا علي سياسات الاصلاح الاقتصادي رغم ان هذه الاحزاب كانت قد باركت هذه السياسات وبصمت عليها باصابعها العشر في الوقت الذي رفضت فيه القوي السياسية المعارضة هذه السياسات وحزرت من الثورة المضادة ويبدو ان المشهد السياسي السوداني وكانه الان في مرحلة الهدوء الذي يسبق العاصفة . [email protected]