لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هدأت العاصفة ؛ ولكن الجايات أكتر من الرايحات
نشر في الراكوبة يوم 08 - 10 - 2013

لم يكن الشعب السوداني غاضب وثائر ورافض لسياسات حكومة المؤتمر الوطني مثلما هو عليه الآن بعد رفع الدعم عن المحروقات . والذي أدى لزيادات فلكية غير مبررة في الأسعار من جانب المنتجين والتجار وفي قطاع المواصلات دون إتفاق وتنسيق مسبق مع الإدارات والمؤسسات الحكومية المختصة ، وهو ما يعاب على الحكومة في المقام الأول .
وعلى ضوء ما أنذر به وزير الإعلام خلال المؤتمر الصحفي الذي جمعه ووزير الداخلية ووالي الخرطوم (مؤتمر بهرام) ؛ ذكر وزير الإعلام في معرض حديثه أن هذه الزيادة في أسعار المحروقات تأتي كجرعة أولى ستعقبها جرعات أخرى أشد مرارة . وكذلك قال النائب الأول علي عثمان طه..... وهو ما يؤكد أن هذه المرارة قادمة لاريب فيها.
ولكن الذي لم تلتفت إليه حكومة المؤتمر الوطني أن مثل هكذا قرارات إقتصادية وإن كانت من الناحية النظرية كفيلة بعلاج جانب من الأزمة الإقتصادية ؛ إلا أنه ليس بالنظريات وحدها يجري حكم البلاد ومسايسة العباد.
هناك ضرورات سياسية تضعها الحكومات أحياناً أمام عربة الإقتصاد للحفاظ على إستقرار الأوضاع ، حتى وإن جاءت مخالفة لبعض القواعد والمسلمات والمعالجات الإقتصادية.
التعويل على القبضة الأمنية وحدها غير مُجدي من جهة ؛ وتؤدي من جهة أخرى إلى عملقة وتنامي سطوة جهاز أمن الدولة ليطغي بعد فترة على قيادة وإرادة الحزب الحاكم نفسه ... أو بما يجعل المؤتمر الوطني في نهاية المطاف بمثابة المستجير من الرمضاء بالنار.
يتحدث البعض ويتساءل عن السبب في هدوء العاصفة ، والفتور الظاهري الذي أصاب المحتجين عقب تلك الفورة الشبيهة بفورة الأندروس التي أعقبت قرار رفع الدعم عن المحروقات ؛ ثم هدأت دون أن تأتي أكلها سواء بإسقاط النظام أو إجباره على التراجع عن قراراته أو حل الوزارة القائمة على أقل تقدير بوصفها المسئولة عن هذه الأزمة الإقتصادية الكارثة.
ربما تكون الأحوال قد هدأت ظاهرياً في الشارع . ولكن النار لاتزال تحت الرماد .
مثل هذه الأحداث التي تشهد نزول المواطن إلى الشارع على هيئة إحتجاجات غاضبة تعتبر هزات مزلزلة ومعاول هدم تدريجي خطيرة ؛ وإن كانت بطيئة المفعول ..
عملياً لاتلوح في الأفق إمكانية أن يستطيع الأغلبية العظمى من المواطنين مقابلة تكاليف الحياة الراهنة بما يتوفر لديهم من راتب بسيط ، حتى بعد الزيادة التي عادة ما تأتي أقل من مستوى التصاعد في الأسعار.
وهناك قطاعات أخرى من الشعب تتأثر سلباً هي الأخرى بضعف القوى الشرائية بطبيعة الحال . ومن هؤلاء أرباب المهن الحرة كالتجار والحرفيين والمزارعين والعمال .. إلخ....... وبما يؤدي نهاية المطاف إلى معاناة جميع القطاعات المنتجة والعاملة في قطاع الخدمات.
الحكومة تعد بمساعدة الشرائح الضعيفة لمواجهة آثار رفع الدعم .. ولكن الذي لا تتذكره الحكومة هو أن أغلب الشعب هم في واقع الأمر شرائح ضعيفة أو ضعيفة جداً..... ومعنى ذلك أن مثل هكذا وعود لن يكون بالإمكان الإيفاء بها واقعياً.
وينسى المؤتمر الوطني في غمرة الأحداث أن يبدأ بنفسه قبل غيره لجهة الفصل بينه وبين ميزانية الدولة العامة . وتقليص نفقات قادته أمانته وكوادره .. والحد من ظاهرة توجيه حصص مالية ليست بالضئيلة لدعم أنشطة طفيلية غير منتجة ؛ وكذلك إيقاف العطاء ببذخ لشخصيات وصحف وقنوات تلفزيونية بلهاء مسطحة ضحلة ؛ تظل كل ما تمتلكه من مواهب يصب في خانة المديح والتطبيل والرنين والطنين الذي لا يقدم ولا يؤخر ، ولا طائل من ورائه طالما أن الواقع على الأرض لا يحاكي الأقوال جملة وتفصيلا... وهو ما يجعلها في المحصلة النهائية خلايا تهريج وألسنة أكاذيب.
وكذلك نتساءل دائماً لماذا تصف ألسنة حكومة المؤتمر الوطني نفسها ومسئوليها بالملائكية والزهد الصحابي المطبوع ولا تلتفت إلى ضرورة المحاسبة الجادة لرؤوس الفساد (وما أكثرهم) ، وتعمد جادة للقضاء على ظاهرة التكسب الحرام من الوظيفة العامة. وتفعيل قانون (من أين لك هذا؟) الحاسم بدلاً من الإستغراق في حنايا (إقرارات الذمة) الهلامية التي تكاد تقول للحرامي "أسرق وأقعد". بل ولا تصلح لوائحها سوى للتطبيق في دول الغرب الأوروبي الذي تتمتع بالشفافية والمؤسساتية وحرية الصحافة والتداول السلمي السلطة.
هناك سرقات مال عام وقضايا فساد تحولت إلى قضايا رأي عام وشغلت البلاد والعباد ومنها على سبيل المثال بيع حق هبوط سودانير في مطار هيثرو . وتكونت لجنة أخشى أنها لم تجتمع حتى الآن ... فإذا كانت حكومة المؤتمر الوطني جادة في محاربة الفساد وقطع أيدي لصوصها فعليها أن تقدم هؤلاء للعدالة الناجزة بدلاً من الإنشغال بمطاردة بائعات الشاي والكسرة وجلد النساء والفتيات الفقيرات عديمات السند ومن لا ظهر لهن لمجرد الشبهة والهوية ، أو لأسباب سياسية.
في كل البلاد الأفريقية والعربية والعالم الثالث المتخلفة إعتاد الناس أن يسرق الرئيس وأولاده وأصهاره وبعض الوزراء السياديين فقط .. ولكن في السودان يبقى الحال أغرب من الخيال ، وعلى طريقة (لا يحدث إلا في السودان) حيث تسود ظاهرة إنغماس أولاد وبنات وأصهار الوزراء في إستغلال نفوذ آبائهم وأمهاتهم وشقيقاتهم لتلقي العمولات بغير وجه حق. وعلى حساب أمن البلاد الإقتصادي والقومي ، والتورط في تهريب العملات الحرة خارج البلاد داخل حقائب حمولة راكب.
وقديماً كانت وسائط المعلوماتية غير متوفرة على النحو الذي عليه الآن . ولكن اليوم ليس كالبارحة ، فقد أصبحت أبسط عملية تهريب أو ترويج أو قبض عمولات بغير وجه حق يتم إكتشافها بسهولة ورصدها ومتابعتها، ونشرها بحرية وسرعة مذهلة عبر وسائط المعلوماتية ... وعما قريب ستتحرر هذه الوسائط أكثر فأكثر . وسيصبح إستقبال خطوط الإنترنت متاحاً للجميع مثل موجات الراديو القصيرة اليوم.
والمشكلة التي يواجهها السودان اليوم ليست إقتصادية بالمعنى الأكاديمي الفني للمصطلح .. ولكن المصيبة أنه أصبح على شفا الإفلاس والتحول إلى دولة فاشلة بمعنى الكلمة ..
وكل هذا يجيء محصلة منطقية لتفشي ظاهرة سرقة المال العام ، وحيث لا يكتفي اللصوص بسرقة الملايين بقدر ما ذهبوا إلى تكديس المليارات في تسابق محموم وبدمٍ بارد يثير الدهشة والذهول .. أو كأنّ هؤلاء لم يسمعوا بموت وعذاب قبر ، وبعث وحساب ونار جهنم ؛ وأخالهم لايزالون على دين وخطى وقناعات أبي لهب وأبا جهل وأمية بن خلف.
ثم أن الأغرب من كل هذا وذاك أن تعترف حكومة المؤتمر الوطني على لسان الرئيس البشير تارة ؛ وعلى لسان النائب الأول تارة أخرى بأن هناك أزمة إقتصادية .. ثم لا تنزع إلى حل الوزارة القائمة وتشكيل وزارة أخرى جديدة .... !!!!
إعتراف رئيس الدولة بوجود أزمة إقتصادية هو محصلة طبيعية لفشل الحكومة الراهنة .. وأقل ما يجب هو حلها بقرار جمهوري ، وتشكيل وزارة جديدة تأتي بوجوه جديدة عسى ولعل الناس يتفاءلون بها ..... اللهم إلا إذا كانت الأزمة الإقتصادية هذه قد تسبب بها الشعب السوداني وهو لا يدري ....
لقد أفلح إعلان الحكومة توقيع البشير على صرف الزيادة في رواتب موظفي الحدولة إعتباراً من أول يناير 2013م .. أفلح في تخفيف إحساس هؤلاء بآثار رفع الدعم عن المحروقات الذي إستشرى على إثره الغلاء فشمل كل شيء ..... والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو:
ثم ماذا بعد أن بتبخر مبلغ هذه الزيادة المتراكم منذ أول يناير حتى أول أكتوبر؟ ......
ساعتها وعما قريب جداً ؛ ستذهب السكرة وترجع الفكرة . فتعود ريما إلى عادتها القديمة وسيفرش الموظف الحكومي راتبه الشهري العادي المحدود على الطاولة أمامه ؛ ليفاجأ بإستحالة الأكل والشرب به لمدة أسبوع واحد ناهيك عن مقابلة أعباء الحياة ونوائب الدهر به شهر كامل.
فإذا تحدثنا عن آلية السوق وما تحققه من توازن ذاتي في مجال الأسعار وفقاً للعرض والطلب . فإن مثل هذه الآلية قد تصلح فقط بالنسبة للسلع المنتجة محلياً .. ولكن المشكلة أنه وفي بنية إقتصادية متخلفة غير مكتفية ذاتياً كالتي لدينا . فإن الوفرة في السلع المنتجة محلياً (على قلتها) تظل موسمية تتفاوت بالزيادة والنقصان في كل عام عن العام الذي يسبقه بمقدار الطلب في العام السابق له .. أو بمعنى أبسط وعلي سيل المثال فإن المزارع الذي يزرع ويحصد السمسم كمنتج خام هذا العام بوفره ويبيعه بأسعار منخفضة . سيحجم عن زراعة نفس المساحة في الموسم القادم (لتخفيض التكلفة وتعويض الخسارة) مما يؤدي إلى نقص الإنتاج وإرتفاع أسعار زيوت الطعام.
وحتى يحقق الإقتصاد السوداني الوفرة في الإنتاج الزراعي . فإن الأمر يتطلب جهوداً وتخطيطاً وشفافية وحزماً لا نرى له جوانب مشرقة أو واعدة على أرض الواقع ؛ في ظل فساد مستشري يشمل كل شيء من تدمير ممنهج مقصود لبنية مشروع الجزيرة ، وغيره من مشاريع آلية ومطرية منتجة بغرض بيعها بأسعار زهيدة في نهاية المطاف لملاك جدد لتكريس إستراتيجية التمكين . ثم وعمولات وسرقات في مجال جودة التقاوي والأسمدة ومكافحة الآفات الزراعية والري ...وهلم جراً من وجوه ومستلزمات ومقومات الإنتاج الزراعي.
كذلك يشهد إدارة نشاط الإستثمار الأجنبي مفارقات مضحكة مبكية مخجلة يندي لها الجبين كثيرا ؛ غير تلك الأحوال التي تم الإعتراف فيها رسمياً بأن الموظف يتقاضى عمولات من المستثمر .. فأراضي المواطنين تصادر لتباع للمستثمر الأجنبي الذي يستعين بالقروض من البنوك السودانية المحلية (نظير دفع عمولات) . ثم نفاجأ بهروب المستثمر الأجنبي بعد أن يبيع الأرض إلى سماسرة . يبيعونها بدورهم إلى مستثمرين الغفلة والوعد الكاذب .. وهكذا تظل ساقية جحا تدور لتملأ من أموال كل السودان وتفرغ في جيوب الأجنبي المحتال ؛ والعدد القليل القليل من بعض سماسرة ولصوص السودان ... وتبقى الأراضي معلقة ... كل هذا في الوقت الذي تحجم فيه هذه البنوك المحلية عن إقراض المزارع والمستثمر المواطن بحجج واهية عن سبق إصرار وترصد .. وكل القصة (لو عارفين) أنّ هذا المواطن لا يدفع عمولات لكبار موظفي ومدراء البنك.
وعلى صعيد آخر ...... :
علي كرتي وزير الخارجية تحدث مؤخرا عن أن هناك إتجاه خارجي قوي لدعم السودان .... والواقع أن علي كرتي قد سافر خارج السودان وألقى كلمة البلاد في الجمعية العام للأمم المتحدة فخامره إحساس بالتفاؤل على وقع قول الإمام الشافعي :- "سافر ففي الأسفار خمسة فوائد" ...
ولكن الواقع الذي ينتظر علي كرتي في الخرطوم يظل مختلفاً عن ذاك الذي راود خياله وسط السحاب ورحابة الترحال . وحيث لايمكن التفكير في دعم خارجي فاعل دون الأخذ في الإعتبار أن عزلة السودان الدولية لاتزال تراوح مكانها . وستظل قائمة على ضوء إصرار الولايات المتحدة عدم رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب . وعلى وقع مطالب بانكي مون ومجلس الأمن والدول الكبرى ضرورة تسليم رئيس السودان نفسه للمحكمة الجنائية الدولية لمواجهة تهم تتعلق بالإبادة الجماعية والمساس بحقوق الإنسان في دارفور .. ثم وما يثار حالياً من جدل وإستهجان للطريقة العنيفة التي واجهت بها الحكومة السودانية إحتجاجات رفع الدعم .
كذلك خرجت أصوات (حالمة) تنادي بأن يسعى السودان لتكريس علاقات قوية مع دول الخليج العربي .. وتنسى هذه الأصوات أن العلاقات السودانية الخليجية لن تتحسن طالما ظلت حكومة البشير على علاقاتها الحميمية مع طهران . ولن تتحسن طالما كانت علاقات السودان سيئة مع الولايات المتحدة ... وبوجه عام فإن علاقات الخرطوم الحميمة مع طهران أدت إلى علاقات حميمة وتعاون عسكري وإستخباراتي مع سوريا وحزب الله وحماس .. وهكذا كرّت حبات السّبحة من سيء إلى أسوأ في علاقات الخرطوم مع دول الخليج العربية التي تواجه مخاطر حقيقية جراء تدخلات حزب الله الإرهابية في تلك المنطقة ......
ويبقى على حكومة البشير القناعة التامة بأن الدول الخليجية العربية مجتمعاً واحداً وكتلة واحدة لاتحتمل التجزئة في التعامل معها ..... وتظل هذه الدول مجتمعة جادة في معالجة الصراع الذي فرضته عليها إيران الخميني ومخلب حزب الله اللبناني .....
وأما عن العلاقة الإستثناية مع دولة قطر فلعل تاريخ الخارجية القطرية يوثق أنه كانت لقطر علاقة متوازنة مع إيران حتى أبان حربها مع العراق . وهو مايشير إلى أن لقطر سياسة خاصة لكنها لاتخرج عن فلك شقيقاتها الخليجيات . ومن ثم فلا تشكل علاقتها المتميزة مع حكومة البشير مقياساً للرضا الخليجي العربي العام ..
ثم إننا لانرى لهذه العلاقة مع قطر التي يحتفي بها المؤتمر الوطني حتى اللحظة نتائج مثمرة على أرض الواقع ؛ سواء في دارفور أو على نطاق الإستثمار في المشاريع الإنتاجية الإستراتيجية ..
وربما يظل الإستثمار الكويتي هو الوحيد المثمر والجاد في ربوع السودان . لكنه لا يوثق كإنجاز للمؤتمر الوطني . ولا علاقة له ببرود أو دفء العلاقة بين الحكومات ...... وكل محاولة من جانب حكومة المؤتمر الوطني لتوظيف الإستثمار الكويتي سياسيا لمصلحتها ستكون مكشوفة ومن قبيل الإستهلاك المحلي ... وننصح (شباب) أمانة الحزب في هذا الصدد بأنه إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب..... وربما من الخير أن ننعش ذاكرة (شيوخ) الأمانة العامة لحزب المؤتمر الوطني أن أي راعي أغنام في فيافي السودان يدرك إدراكاً نافياً للجهالة أن الإستثمار الكويتي في السوداني قد بدأ قبل مجيء الإخوان للسطلة بزمن طويل جداً . وشهد أوج نشاطه وإستقطابه على عهد جعفر نميري.
من جانب آخر أعلن وزير المالية (علي محمود) أنه سيسافر إلى واشنطون على أمل إقناع صندوق النقد والبنك الدولي بشطب أو تخفيض ديون السودان .. وهو حلم نراه بعيد المنال .... سنسمع جعجعة ولا نرى طحناً .... وسيعود وزير المالية ليدلي بتصريحات شبيهة بأحلام وزير الخارجية علي كرتي .......
البعض الآخر يذهب بعيداً ويرجع بعد اللفة بالصينية ليخرج علينا بفكرة تشكيل تجمع أفريقي لممارسة ضغوط على الغرب بغرض شطب أو تخفيض الديون .... والواقع فإن الدول الأفريقية لاتمتلك القدرة أو الآلية والأدوات التي تؤهلها لممارسة ضغوط على المجتمع الدولي حتى وإن تكتلت ورغبت في ذلك .. فهي أولاً دول متخلفة سياسياً وإقتصادية تفتقر إلى المؤسساتية وعوراتها مكشوفة من الأمام والخلف بشأن إلتزام الديمقراطية والمؤسساتية والشفافية والحريات التي تتمتع بها شعوبها... وهي إذن بحاجة إلى تنفيذ الكثير من الإصلاحات الجوهرية لكسب إحترام العالم ناهيك أن تواجه هذا العالم وتمارس ضغوطاً عليه كما يتوقع الحالمون .
الخلاصة إذن أن التفكير في حلول سحرية خارجية معينة في هذه الظروف التي تفرض على الجكومة السودانية عزلتها لن تجدي .. ويبقى المستقبل في مهب الريح ومتعلق بكف عفريت طالما ظلت المعالجات الداخلية لا ترقى إلى مستوى الواقع .. والمؤسف بعد كل هذا وذاك أن جهابذة هذا النظام "الإسلامي" يبدو وكأنه لم يسمع بقوله عز وجل في محكم تنزيله من الآية 11 في سورة الرعد : " إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ".
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.