! سويعات قليلة تفصلنا عن حلول الذكرى السنوية لانتفاضة أكتوبر التي سطّر فيها شعبنا العظيم مثالا يُحتذى، ونبراسا يُقتبس لكفاح الشعوب الأبيّة ضد الأنظمة العسكرتارية. كان الوضع في ظل نظام "الإتلاف" أدهى وأمر؛ إذ اقترنت النظرة الدونية المعروفة لدى شريحة من الضباط في التعامل مع المدنيين بالأجندة العقائدية المتشنجة، وكانت النتيجة أن هذا "الكوكتيل" كان شديد المرارة ولم يستسغه الشعب السوداني قط، ولكنه تجرّعه -رغم أنفه- عبر ما يناهز ربع قرن من عمر الزمان. تضافرت أسباب متعددة لتؤدي إلى خمول الانتفاضة الشعبية. أقول "خمول" وليس "إخماد"، فالانتفاضة ما زالت قائمة وستجدد حيويتها بزخم أكبر خلال الأيام القادمة بحول الله، خاصة وأن أسبابها التراكمية ماثلة للعيان يشهدها القاصي والداني على حد سواء، ولعل لجوء "نظام القتلة واللصوص" إلى استخدام ميليشياته لتصفية المتظاهرين العُزّل أحد الأسباب الرئيسة في حالة "الخمول"، إذ لم يتعود الشعب هذا النمط الوحشي الجماعي في التعامل مع التظاهرات المدينية، بل كان النظام يكتفي بتوجيه آلته القاتلة، وبصورة منهجية، إلى المناطق الطرفية؛ في دارفور وكردفان وجبال النوبة وجنوب النيل الأزرق وغيرها من أصقاع الوطن الشاسع. اضطلعتْ، ويا للأسف، بعض الشخصيات السياسية المحسوبة على المعارضة –خطلا- بدور "محامي الشيطان" الذي يسعى لاهثا لتجميل وجه النظام القبيح، ورأيناها في مناورات الصادق المهدي وحذلقاته المتكررة من نوع "التذكرة" و "المظاهرات الاعتصامية" وغيرها من محاول الفتْ من عضد الانتفاضة، وتثبيط الهمم بهدف منح النظام زمنا أطول للقضاء على الانتفاضة. كما جاءتْ تصريحات محمد عثمان الميرغني –المتوقعة- بأن انسحاب الحزب من الحكومة سيؤدي إلى كارثة لتمسح المزيد من الملح على جُرح الشعب السوداني. المهزلة الكبرى في هذين الموقفين هو أنهما لا يتسقان مع مواقف الأجهزة التظيمية لكلا التنظيمين، بل وتعارضها معظم قيادات الصف الثاني، وأنهما يخالفان رغبة وتطلعات السواد الأعظم لجماهير الحزبين التي تتخذ –بلا شك- مواقف وطنية مشرفة إلى صف الشعب ورغبته المشروعة في الإطاحة بنظام القتلة واللصوص. التساؤل المُلح هنا، هو ما إذا كانتْ تلك المواقف الاستخذائية التي اتخذها الصادق والميرغني وغيرهما من الذين أدمنوا خلق الفرص الإكلينيكية لإحياء النظام المُحتضر ستؤتي أُكلها، وتحقق رغبة النظام في "إخماد" الانتفاضة الشعبية؟ أقولُ: هيهات! الشعب السوداني يعرف طريقه جيدا، وسيشقه حتى النصر المؤزر رغم المواقف المتخاذلة والمثبطة والمخيبة للآمال التي تصدر عن أي زعيم سياسي أيا كان موقعه، وسيبقى الوطن عاليا.. شاء من شاء، وأبى من أبى! [email protected]