كان عددنا اكثر من خمسمائة عامل وموظف عندما خرجنا من المعتقل بعد احداث 19 يوليه وبعد ان قضى معظمنا اكثر من عامين فى المعتقل ، صارت سلطة مايو تماطل فى اعادتنا الى العمل .تارة تطلب مقابلة لجنة المدعو مهدى مصطفى الهادى وتارة تطلب مقابلة المحافظ وذلك دون جدوى . اثناء ذلك قررت لجنة نقابة عمال السكه حديد وهى تحت سيطرة العناصر الانتهازيه الاحتفال بجعفر نميرى ومنحه قسم الولاء . اجتمعنا نحن كل الموقوفين من العمل وقررنا مقابلة جعفر نميرى عند حضوره لعطبره للاحتفال المزعوم وتسليمه عريضه محتواها كالاتى : 1 _ اعادتنا للعمل جميعا 2_ بالعدم الاستغناء عن خدماتنا وصرف حقوقنا فى فوائد ما بعد الخدمه تم تعيين سته من الاجتماع لتسليم العريضه وهم : 1 _ ابو القاسم محجوب (السنجك) 2 _مصطفى عكاز 3_المرحوم الاستاذ حسن محجوب ( ود الحرم ) 4_المرحوم ابراهيم كرم الله 5_ على عبد الفراج وكنت انا سادسهم . قررنا دخول دار نقابة العمال موزعين كل على حده لكى لا نلفت نظرالشرطه ونمنع من الدخول ، كان خمسه وجوههم معروفه لدى الشرطه تم منعهم الدخول الى دار النقابه . انتظرت انا لحظة وصول موكب مدير السكه حديد السيد عبد الرحمن وصفى وكبار موظفى السكه حديد وتسللت معهم ووجدت نفسى امام المنصه المعده للمحتفى به . اخفيت وجهى ببعض الاوراق ولكن تقدم لمصافحتى اثنان من الموظفين هم : ابراهيم عبدالله جاه الله واحمد الطيب الملك وكانت الدهشه باديه على وجوههم لرؤيتى فى هذا الاحتفال ، وكان ان سبب هذا الامر ان يكتشف وجودى بالقرب من المنصه اعضاء لجنة الاحتفال . هرعوا الى افراد الامن ولكن موكب جعفر كان قد دخل الساحه ،وفى لحظة وقوف جعفر نميرى امام المكرفون كان افراد الامن القومى بزيهم الكنغولى يحيطون بى ، ولسوء حظهم كنت اجلس لصق المدرجات وكان ذلك سبب عدم تمكنهم من احكام الدائره حولى ، واذ انا وجها لوجه مع جعفر، اندفعت نحوه بقوه ،حاول افراد الامن منعى من التقدم وسقطوا من فوق المدرج وسقطت انا معهم وكان احد عمال المرطبات يحمل عدد من صناديق ليمونادة السكه حديد شديدة الانفجار سقط معنا ، واحدثت ارتضامات زجاجات الليموناده صوت انفجارات شديده ورايت هذا الشخص الذى اغتال خير مفكرى وخير مناضلى وخير ابطال الامه السودانيه يهرب الى داخل المسرح ويسطدم بعمود مايك المكرفون وتسقط امامى نظارته ذات الاطارات الذهبيه. ما ان عاد الجميع من هول المفاجاءه وجدت العديد من افراد الامن القومى والمخابرات العسكريه يتكالبون على حملى خارج الدار وفى هذه اللحظه صفعنى احد افراد المخابرات العسكريه على وجهى وهو يصيح ( شيوعى .... شيوعى ) وسبب لى نزيف بسيط من الانف ولكن كل الجماهير المحتشده خارج دار النقابه كانت تنظر اليه بغضب بل وخرج من بين صفوفهم المرحوم حسن محجوب ( ود الحرم ) ودخل فى عراك معه بالايدى ورد عليه بدل الصفعه صفعات فى مشهد مثيرامام كل افراد المخابرات العسكريه والشرطه ، ثم ظهر قمندان البوليس عصمت معنى عرفناه ايام اشرافه على الاعتقال رجل مهذب ، ابعد عنى الشرطه وافراد المخابرات العسكريه . وقال لى : ما هذه الفوضى التى احدثتها ؟ الا تدرى ان افراد الامن الذين اسقطتهم ارضا معهم مسدسات ؟ قلت له انا لست اغلى من الذين اغتيلو غدرا فى مجاذر الشجره . تم وضعى فى عربه كومر ولكن احد الضباط خشى ان اقفز من الكومر واعود للساحه طلب ترحيلى بعربة الكلاب البوليسيه المقفوله . تم ترحيلى وحسن محجوب ( ود الحرم ) مع عدد من ضباط الشرطه الى رئاسة الشرطه . تم تحقيق سريع وعلى اثره اطلق سراح حسن محجوب لكنه رفض المغادره واصر على اطلاق سراحى انا ايضا ، حتى وصفته بالغباء امام المتحرى فخرج غاضبا . قادنى احد افراد الشرطه الى صاله كبيره بها عدد كبير من المنتظرين بعضهم على ارجله سلاسل حديد ، كان جميعهم ينظرون الى بدهشه شديده . قادنى رجل الشرطه من غرفه الى داخل غرف عديده عبر بوابات من القضبان . بعد ان وصل بى الى غرفه صغيره داخل تلك الغرف تركنى بعد ان احكم القفل فى الدربزين . كنت فى غاية التعب والارهاق وذهبت فى غفوه صغيره ثم صحوت على صوت مجموعه من الناس ، رايت عدد من ضباط الجيش ينظرون الى من خلال القضبان . بعد ذلك وحتى الصباح لم يغمض لى جفن من صوت مزاليج القضبان تفتح كل مره ليرى طلعتى البهيه عدد من ضباط الجيش حتى بدى الضجر على وجه الشرطى حامل الاقفال وهو يفتح القضبان بعصبيه وازعاج وربما اراد الانتقام منى لانى كنت السبب فى ارهاقه تلك الليله . فى حوالى الساعه السابعه صباحا فتح الشرطى الباب واخرجنى الى الصاله الكبيره وانضممت الى باقى المنتظرين . تجمع الجميع حولي ، هؤلاء البؤساء الذين رمتهم ظروف الزمن الردئ فى حبائل الجريمه ، رايتهم وعلى وجوههم سحنات كل شعوب السودان الوطن القاره ، اجتمع الجميع حولى يتحدثون عن محاكم واعدامات الشجره وكأنهم كانو حضورا تلك الساعات ، لم يعطونى مجال للحديث عن بطولات ضباط 19 يوليه بل تحدثوا هم عن تلك الملاحم بقصص واساطير تفوق الخيال قالوا ان رصاص الجنود لم يخترق جسد الشهيد هاشم العطا وتم تنفيذ الاعدام بهليكوبتر مصرى والجلاد الذى نفذ اعدام الشهيد الشفيع احمد الشيخ اصيب هو وابنائه بداء الصرع ، الكثير والكثير من الاساطير تخرج من خيالهم . كانت احاديثهم تعبر عن امنيات او ربما كان حديثهم مؤساه لي اخذوا قميصى وقاموا بغسل بقع الدم من اثر صفعة عسكرى المخابرات . رغم ان تلك الاحداث مرت عليها سنوات كثيره فان ملامح هؤلاء مازالت مرسومه فى ذاكرتى فردا فردا ، هؤلاء النفرالذين عكسوا لي شهامة هذا الشعب السودانى الطيب المغلوب على امره حتى اليوم . فى حوالى الساعه العاشره قادنى احد الشرطه الى مكتب حكمدار الشرطه كان اسمه عبد ربه .وجدت معه المرحوم بابكر احمد محجوب ( كروكر ) جاء ليطمئن على حالتى . اخطرنى الحكمدار بانهم قرروا احالتى الى المحكمه الاهليه تحت الماده 121 ازعاج السلام العام لعدم وجود سلاح معى سوى كشف بتوقيعات الموقوفين . طلبت من الحكمدار منحى ورقه وقلم قبل الذهاب الى المحكمه ، ولكن الزميل ( كروكر ) اخذ ورقه وقلم من على منضدة الحكمدار ووضعها فى يدى . كتبت نقاط الدفاع وتم نقلى الى مبانى مركز عطبره ، عند وصولى قاعة المحكمه وجدت اعداد غفيره من العمال والموظفين هجروا الورش والمكاتب لحضور المحكمه . كانت المحكمه برئاسة السيد حسن عربى وعضوية السيد احمد صديق كريمه والسيد محمد الحاج . تقدم احد ضباط الشرطه بعريضة الاتهام ثم تقدمت انا بالدفاع وقلت ان هذا الضابط كذب بعد ان حلف القسم لانه لم يقم بالقبض على هو، وانما قام بالقبض على افراد الامن القومى بعد ان نهضوا من سقوطهم على الارض ونفضوا التراب من على البدل الكنغوليه . قلت حتى انقلاب مايو الذى اتى بجعفر نميرى لم يكن خيار الحزب الشيوعى ، وانما واقع فرضه مجموعه من الضباط تجمعوا فى خور عمر واستولوا على السلطه لضعف الحكومات الحزبيه وعدم احترامها للديمقراطيه والقانون . حاول رئيس المحكمه ايقافى وامرنى فى ان اتحدث واحصر دفاعى فى الذى حدث ليلة امس . قلت له سيدى رئيس المحكمه الموقره يجب ان اخطر محكمتكم بكل الظلم الذى حاق بنا او اصمت .تدخل عضو المحكمه السيد احمد صديق كريمه وطلب من رئيس المحكمه ان يتركنى ان استرسل فى الحديث بحريه . ثم اكملت الحديث ان الانقلاب تم بمجموعة مايسمى بالقوميين العرب وبعض الضباط الوطنيين رافعين شعارات اليسار . رفض الحزب الشيوعى الاشتراك مع الانقلابيين وكان برنامج الحزب ينادى ان لاسبيل الا طريق التطور الديمقراطى والعمل الصبور لتوعية الجماهير الكادحه وسبق ان حاول بعض اعضاء الحزب اخذ الحزب الى طريق الانقلابات والعمل المسلح ولكن اللجنه المركزيه رفضت هذا الاتجاه وانقسم من الحزب (احمد شامى وعوض عبد المجيد ). كان انقلاب مايو واقع فرض على الحزب الشيوعى . حاول الحزب الشيوعى تقديم النصح لتحويل الانقلاب لمصلحة الجماهيرلكن زمرة جعفر اغرتهم السلطه ودخلوا فى صراع مبكر ضد مصالح الجماهير والحزب الشيوعى . طالبوا بتجميد مطالب العاملين ، تم التاميم والمصادره بطريقه مرتجله اضرت بالاقتصاد ، وزياده على ذالك غفلت عن القوى الرجعيه حتى جمعت قواها من الجماهير المضلله ودخلت معها فى حمامات الدم فى ود نوباوى والجزيره ابا و بعون المخابرات والطائرات المصريه وكان الخاسر الوحيد فى كل ذلك هو الشعب السودانى .كنت انا مساعد السكرتير للجان الخارجيه فى نقابة موظفى حسابات السكه حديد ، كانت بعض اعضاء اللجنه الفرعيه من المنتمين للقوى اليمينيه فى الخرطوم بمصلحة المرطبات يعتقدون زمرة نميرى من الحزب الشيوعى يحملونا نحن فى اللجنه المركزيه بعض ممارساتهم الطائشه ، يتحدثون عن الجناح الخاص المحجوزفى الفندق الكبير لاباطرة الانقلاب الحكام الجدد والممارسات التى تتم فيه ، مثل هذه الاحاديث سرت كسريان النار فى الهشيم ووصلت الى آذان العسكروكان سببا للشمئزاز وسط الجيش .وكان ان وجدهم رئيس الحرس الجمهورى الشهيد عثمان ابو شيبه جميعهم فى ساعة سمر يحملون رؤسهم فى أكفهم كما يدعون ، ثم ماكان من الشهيد رئيس الحرس الجمهورى الا ان وضعهم فى عربة كومر وليس فى عربة كلاب كما كنت انا بالامس. لذا لم يكن احداث 19 يوليه بتدبير من الحزب الشيوعى وحتى الشهيد بابكرالنور والشهيدحمدالله ابدو دهشتهم للاعلام الغربى فى لندن. ووجد جعفر الفرصه لتصفية القائد العمالى الشفيع احمد الشيخ والشهيد عبد الخالق محجوب تلبية لطلب اولياء نعمته الاستعمار العالمى وانور السادات ، ادعت زمرة مايو بان الشيوعيين قاموا باعدام عدد من الضباط فى بيت الضيافه ولكن اعلام مايو البليد كذب هذا الادعاء وعرضت جثث محروقه بقنابل دبابات وحتى الجدران والارض مهدم واثر الحريق ظاهر، ويعنى ذلك ان من جاء ليخلص جعفرمن الاسر هو الذى قضى على انصار جعفر. سيدى الرئيس ....اننا عند ما وقعت احداث يوليه لم نكن فى الخرطوم فلماذا ظللنا فى الاعتقال لمدة عامين ؟ ولماذا نحن دون عمل حتى الان ؟ سيدى .....ارجو الاجابه واقبل بالامتنان اى حكم يصدر من محكمتكم الموقره . سيدى ... بعد ان قضينا العام الاول فى الاعتقال عفى نميرى عن كل الضباط الذين كانوا قد شاركوا فى احداث 19 يوليه بعد ان زالت عنه حالة الرعب والهياج التى انتابته فى الايام الاولى ولانهم نفس ضباط خور عمر الذين اتو به الى السلطه ،عينهم ضباط مجالس محليه . قبل عام من اطلاق سراحنا زارنا احد هؤلاء الضباط وكان محكوم عليه ب 15 عام قلنا له انتم معشر العسكر كانت المعركه بينكم وفى الخرطوم وتركبون الدبا بات وتتسببون فى الانقلابات يطلق سراحكم ويتم تعيينكم فى الوظائف المرموقه ونقبع نحن حتى الان فى السجون ، فرد على ضاحكا (نعم بنركب دبابات ونعمل انقلابات لكن انتو راكبين راسكم ) . انفجر كل الحضورفى المحكمه ضاحكين الا رئيس المحكمه كان فى غفوة نوم وصحى منزعجا . رفعت الجلسه للمداوله ثم عادت بعد ساعه ونطق رئيس المحكمه بالحكم وهو يتثاءب قال انت مذنب وتعتبر الليله التى قضيتها فى الحراسه عقوبه لك ونامر باطلاق سراحك . وخرجت وسط هتافات جماهير عطبره الوفيه . ********************************************** مضت اكثر من اربعين عام وقضى جعفر نميرى نحبه المقتول والقاتل تحت التراب نعم وكل ما فوق التراب .....تراب ... الا السيره العطره للابطال شهداء 19 يوليه . لاشماته فى الموت ولكن لاننا وحتى الان نرى سدنة مايو يتصدرون شاشات التلفازالعام والخاص يتحدثون عن بطولات له ولهم ويكذبون ويكذبون ويثيرون فى نفوسنا الاشمئزاز وهم فى ارذل العمر،و رغم ان قتيل وادى الحمار (( برشم )) قال فى المحكمه التى قضت باعدامه انهم المجموعه التى هجمت بالدبابات للقضاء على ضباط 19 يوليه وعلى جعفر نميرى واستلام السلطه ولكن جعفر نميرى قفز من اعلى الحائط . ورغم هذه الشهاده الواضحه ما زال هؤلاء الحثاله من عواجيز مايو يحيكون ثياب الكذب فى الفضائيات التى تسمح لهم فقط دون غيرهم بالحديث . لذا يقول الشاعر صلاح احمد ابراهيم وهويستدعى التاريخ فى قصيده ينعى فيها شهيد الطبقه العامله الشفيع احمد الشيخ القصيده بعنوان _قبر دون شاهد : يا عطبره ........ ماذا اعتراك........ فتاك لم اسلمته لموته ........ ثم انثنيت تستمعين من دون حراك ........ سب الحسين من حثالات يزيد.......... [email protected]