نتناطحُ مع الساعات الثقيلة التي تعقبُ منتصف الليل. سويعات سخيفة؛ نجترُ فيها عذابات النهار، وحصيلة المنغصات الصغيرة، والتي تتنامى إلى كائن خرافي يُحزن الفؤاد، ويُغرقُ النفس هموما لا تُنسى ولا تُغتفر. أما تلك المعضلة الكبرى فلا تفارقنا ساعة من ليل أو نهار؛ نحملُها على أعتاقنا حمولة ثقيلة، تُثقل الكاهل، وتعتصرُ القلب، وتضغطُ على الدماغ في صورة تنتقل من الشعوري إلى المحسوس.. شديد الألم. نحملُ همك أيها الوطن الجريح، ومسرور الجلاد يعملُ بنشاط محموم منذ ما ينيف على العقدين من عمر الزمان، وشيلوك وصاحبه في الإثم يُتاجران بعذاباتنا، وبعض دكاكين المناضلين تعرضُ بضاعتها الرديئة بثمن بخس بضاعة للشارين. انتفاضة الأحرار بدأتْ تنتقلُ رويدا رويدا إلى مصاف الذكريات، ودمُ الشهداء تحول إلى حديث عن سعر الخبز، والتعذيب سقط من الذاكرة في غمرة الحديث عن جلود الخرفان! أطيافٌ تتجرعُ طعم العلقم، وأخرى تحتفلُ بالهالوين، بعد أن تبشمتْ بلحم الأضاحي، ثم آثرتْ قيلولة ثورية تطورتْ إلى بيات شتوي. غدا سيبصقُ الشهداء على كل واحد منّا على حِدة، وسيخلعون نعالهم لصفع أكابرنا قبل أصاغرنا. سيسددون لنا أصابع الاتهام: ألهذا مِتنا؟ ألم نفتدكم بالأرواح يا معاشر الأغوات؟! كلماتهم المغموسة أسى وإنكارا ستسلخُ جلودنا الغليظة التي استمرأتْ الذل والهوان، وستخترقُ عظامنا شكوى، وحينئذ.. لا أدري ما قد يحدث! وداعا أيها النوم، فأولئك الأبطال لا يعرفونه، فهُم في يقظة أبدية يرفلون في نعيم مقيم، وأنظارُهم تشرأبُ توقا إلينا: عبر نصر.. أو شهادة. وداعا أيها النوم، فطعمُ الكرى مفقود، ولذة الأحلام اغتالتها دبابة آثمة، أو بندقية سافلة، أو صاروخٌ أسرعَ بطفل دارفوري إلى جنة الخلد. وداعا أيها النوم، وسارقو الأحلام متربصون، يزرعون جلاوزتهم للتلصص، ويتجسسون عند دواخل العقل الباطن، ويجتهدون لاغتيال الفرحة.. ولو كانتْ في المنام. وداعا أيها النوم، والرقيبُ يقتحمُ مسام الجلد كذرات غبار في عاصفة ترابية، ويتسللُ إلى مجرى الدم فيروسا قاتلا.. لا يُبقي ولا يذر، بينما سكينه تتعمق في الخاصرة. وداعا أيها النوم، والانحطاط قد أصاب الفؤاد بالانكسار، وصنعَ في البلد الدمار، وهدَمَ صروحا شيدها آباؤنا بالعرق والجهد.. وكثير من التفاؤل. وداعا أيها النوم وكفُ العسكرتاريا البغيضة تصفعُ الكرامة بلا هوادة، وأحذيتُها الغليظة تدوس على الجرح النازف دون أدنى رحمة. لِمْ أنتم نائمون.. عليكم لعنةُ التاريخ؟! معتصم الحارث الضوّي [email protected] 31 أكتوبر 2013