الرئيسية
السياسية
الاقتصادية
الدولية
الرياضية
الاجتماعية
الثقافية
الدينية
الصحية
بالفيديو
قائمة الصحف
الانتباهة
الأحداث
الأهرام اليوم
الراكوبة
الرأي العام
السودان الإسلامي
السودان اليوم
السوداني
الصحافة
الصدى
الصيحة
المجهر السياسي
المركز السوداني للخدمات الصحفية
المشهد السوداني
النيلين
الوطن
آخر لحظة
باج نيوز
حريات
رماة الحدق
سودان تربيون
سودان سفاري
سودان موشن
سودانيات
سودانيزاونلاين
سودانيل
شبكة الشروق
قوون
كوش نيوز
كورة سودانية
وكالة السودان للأنباء
موضوع
كاتب
منطقة
شاهد بالفيديو.. حسناء الشاشة السودانية رشا الرشيد: (ما بعرف لوشي)
سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الخميس
جراهام يرأس اجتماع لجنة مناهضة استخدام سلاخ المساعدات ضد السودان
سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الخميس
احتشاد المقاومةالشعبيةبولايةالخرطوم بمئات الآلاف عشيةالاحتفال بذكرى بدر الكبرى
الصراع المتفاقم في السودان يجعل الآفاق الاقتصادية في المنطقة العربية غير واضحة وقاتمة
سفن حربية روسية تدخل البحر الأحمر
وزير الرياضة المصري يكشف ما دار لحل أزمة صلاح وحسام حسن
شاهد بالفيديو.. الفنانة إنصاف مدني تطلب من الرئيس البرهان إرسال مبلغ مالي لها (بابا برهان رسل لي غمتة مع ترباس وأمورنا جايطة يا جيش)
عبد الماجد عبد الحميد يكتب: مصفاة الجيلي
تصريحات جديدة لشمس الدين كباشي
المصريون يواصلون التخلص من الدولار والعملات الأجنبية
شاهد.. سيدة الغناء السوداني ندى القلعة تطلق أغنية الموسم وتشعل بها مواقع التواصل: (دبل لي البلاء ياخدو.. دبل لي وفِش مغستي أنا في)
شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يقدم فواصل من الرقصات الأفريقية بأحد الشوارع المزدحمة بالقاهرة ونظرات المصريين له تثير ضحكات الجمهور ومتابعون: (فضحتنا في كايرو يا راسطتا)
نتنياهو أدرك "الخطأ".. وتراجع عن هذا القرار
"مأساة عالمية".. الأسر ترمي مليار وجبة يوميا بينما يعاني 800 مليون شخص الجوع
بوتين: روسيا لن تهاجم الناتو لكن ستسقط طائرات "إف 16" إذا تلقتها أوكرانيا
مكافحة المخدرات بسنار تضبط دفار محمل بالحشيش والكريمات – صور
فنانون مثقفون.. عن الاستثناء الصحيح!
لأول مرة.. "رومي القحطاني" سعودية تشارك بمسابقة ملكة جمال الكون
من لا يرحم لا يُرحم
السرعة المتهورة للحاق بالإفطار مخالفة شرعية وقانونية .. فاحذروها
توجيه بفتح بلاغات لحماية المواقع الأثرية والمجاميع المتحفية
المملكة تواصل قيادة النمو في منصات الغاز بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا
حكومة شمال دارفور تنعي رئيس قسم الجغرافيا بكلية التربية بجامعة الفاشر – صورة
الادعاء الإسباني يطالب بحبس روبياليس لمدة عامين ونصف
"ميسي الأردن" على رادار ليفربول.. هل يستبدل صلاح؟
قائد لم ولن يخلق مثله
أهل السخاء والكرم
أوكرانيا وپولندا وجورجيا آخر المتأهلين إلى «يورو 2024»
البايرن يستعيد كين قبل الكلاسيكو
شاهد.. الفنانة ندى القلعة تطلق أغنيتها الجديدة (الإنصرافي) تتغزل وتمجد فيها الناشط السوداني الشهير: (دعامي يموت بالوجع..قحاتي قام شارد نجع عشان صرفة ما بعرف الدلع)
بعد 3 مواجهات من العيار الثقيل بطنجة وتطوان...راحة سلبية لصقور الجديان
الأمل المستحيل لإسرائيل
مورينيو: رونالدو فتح الباب أمامي لتدريب ناد سعودي
بحثاً عن حياة جديدة..إحصائية صادمة تكشف غرق أكثر من 63 ألف مهاجر
يس علي يس يكتب: كاد يمضي العام..!!
"حواء لم تُخرج آدم من الجنة".. مفتي مصر السابق يثير الجدل
«أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور
المنتخب المصري يخسر أمام رفقاء مودريتش برباعية مقابل هدفين
توجيه جديد لرئيس مجلس السيادة السوداني
لا لقاحات ولا أغذية.. جنوب دارفور يعيش أزمة إنسانية
دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء
بيان عاجل من النيابة العامة بشأن واقعة محاولة خطف حبيبة الشماع
أصل المحاسن كلها الكرم
مع غياب الدراما القطرية.. نجد الإتقان
محمد عبدالقادر: استهداف برعي .. (خذلتنا يا دكتور عبدالقادر)
اردول: خلال فترة الحرب هذه (11) شهر قد فقد الجنيه السوداني أكثر من نصف قيمته الشرائية
الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة
تدشين حصاد القمح بمشروع الجزيرة
السودان.. السلطات توضح بشأن حادثة النائب العام
حسين خوجلي يكتب: وخلونا على الحديدة
الكنز المزعوم يخطف حياة «حارس عقار»
مهازل الوعي
ما هي كمية الملح المسموحة بالأكل؟ مختصون يجيبون
حريق يقضى على عشرات المحلات التجارية بمدينة رهيد البردي.
لعلّكم تتقون
ضياء الدين بلال يكتب: لهذا يفرحون بتحرير الإذاعة يا مناع..؟!
شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
موافق
المُتَفكِكْ (صِرَاع المَعنى والهَزيمَة)
مروة التجانى
نشر في
الراكوبة
يوم 15 - 11 - 2013
(1)
للاشَيء تُفضِي الحَياةُ كَبِدايَةٍ حَيثُ مُنتَهى استغْراقِ العَدم كَائِنَاً بمَلبَسِكَ القُطنِي مُخَضَّباً بِعَرقٍ ذهَبي، الوقّتُ مُبتَداءُ طُرقِ تَهشُّمِكَ الرُّوحِي عَلى أَرصِفَةِ مَدينةٍ شَبيهةِ الحُضورِ بِمَدينةٍ أخرى بِحُطَامِ الذاكِرة، أوَلَمْ تَعُدْ تَذكُرُ انفِلاتَ الذَاتِ بفَضاءاتِ التَّكوُّنِ حِينَ ارتِباَكٍ طَفيفٍ مُعتَصِراً خَلايَاكَ المتَوحِّدة مُحيطاً مِنْ دَمعٍ زَائِفٍ مَحبُوسٍ بِأَضْلعٍ حَائِرةٍ وأنتَ تُبَارزُ مَاءً يَشهَقُ مُتَكوِّراً عَلى جَبِينِ عُمرٍ غَدَا أَمْسَاً لطِيفَاً مِنْ بَنَفَسجٍ مُسْتَهلكٍ وبَعضِ نورٍ مَا عُدتَ تَراه، مُتَرَّنِحَاً تَفْضي بِنَا للعْبَةٍ كَرويةٍ كَفُقَاعَةٍ تَتَصَاعَدُ عَالياً مَطراً أَزرقَ أو هِيَّ عَديَّدةُ اللونِ كالعَادةِ تَستَشعِرُها بِسوءٍ وتُدركَ عُمقَ مَا أنتَ، قُلتُ لا شيء ذَاكَ الصِراعُ المُتَوهَّمُ بِأذهَانِهم جَمِيعاً كَالفُقَاعَاتْ إِنْ تَهبُطُ لمَرةٍ واحِدةٍ عَلى تُرابٍ مَنزوعِ الحَوافِ يُقَلِّمُ فَراغاً هَوى مِنْ حُطَامٍ عَريضٍ تَكَلَّمَ سَاعةً أثَراً لجُرحٍ بَاقٍ حَامِلاً بَقايَا الغَامِضِ ومَا أدخرته كثيفاً كدم.
مُحَدِّثاً عَنْ الزوجَةِ تُفاحْ ( حَمراءٍ، شَهيةٍ، حَارة، لامِعَةٍ، بَهية، ثَرثَارةٍ،) كَانَ البَابُ مَخْرجَ الهَربِ يُسَابِقُكَ كَخّْيلٍ لا تَركضُ إِلا زُهَاءَ الليَلِ حِينَ تَنَامُ الأرضُ جَافةً إِلا منْ حَنينٍ تشَبعَ حَنِيناً مِنْ أقْدامِ السَّائِرينَ بِلا مَلامحٍ مُتَخيَّلةٍ مُستَنسِخةٍ أعَوامَاً كُثُراً تُعيدُ ذَاتَ الحَدثِ بتَفاصِيلٍ مُشَابِهة بُؤسَاً على اختِلافٍ يُمحِي تِكرارُ تَاريخٍ ممل ، هَاربِاً لسَفحٍ مُتَهالكٍ تَهدمَ أَولاً بِالألوَان وتَجانسَ مُنتَحباً لوعيٍ مُفرطٍ، مُدركاً للبَابِ، شَاهداً للزوجَةِ تُفاح تَعبثُ بِألمكَ كممْسَحةٍ، بِوقتٍ شَهيٍ يضئ عتمة أعوام مِنْ سَرابٍ كنتَ حَسبتُها عُمراً يَصبُ بِمُحِيطِ العَدمِ، فَراغَاً مِنْ تَأمُلاتٍ دَائِمة بِذَاتِكَ الهَارِبةِ نَحْوَ إِضاءةٍ تَتلمَسُها خَيَالاتُ السُّهدِ والاشتِياقِ بِجُنونٍ مُرعِبٍ فِي البِدءِ يَصرخُ بِأن تَخرجَ خَيطاً دَاكِناً مِنْ هُلامٍ كَوْنٍ مَنقوشٍ عَلى وَرقٍ دائري الحُدودِ مَزَّقَتهُ عَذابَاتُ الكتَابةِ، هَّبْ إنَّكَ عُدتَ مُتَثاقِلاً بِخَيبَاتٍ رَائعةٍ فَلا تَجدَ مَدامُ التَّفاحِ، أَعرفُ مَا يُمكِنُ تَوقُّعُهُ عَشِيَّةَ ارتِّبَاكاتٍ حَالمةٍ، هو البَابُ عَدوُّ الفَضِيحةِ، كواحدٍ بأعَلى مِرآةِ العَالمِ تُرسِلُ ذِكريَاتِ اليَأسِ رويداً رويداً فَتَعودُ مُتَهَتِكاً آخَراً بِنَزفٍ يَفُوقُ تَصَورَاتِ المَعقُولِ حِينَ اصطِحَابهِ لأُنثَى للِيلةٍ راقِصةٍ فَلا هِيَّ الأُمسَياتِ تَرقُصُ ولا تَهتَزُ جَنبَاتُ مُوسِيقَى مَحمُومَةٍ بِالبَقَاءِ.
(2)
كَمَاءٍ يَلهَثُ رَائِّعَاً ويَصْمتُ تمضِي آسِفاً لحَياةٍ لَمْ تَعُدْ تحمِلُ نَثَارَ ذاتِها، والعَاصِفَةُ تَهُبُّ عَلى نَواحِي الجُرحِ بَارِدةً فَتَسكُنُ الرُّوحَ جَسَدَها مَملؤةً بِأورَاقٍ بَيضَاء كَالكِتَابةِ تُعِيدُ النَزفَ جَمِيلاً ، وآهٍ عَلى رِيحٍ عَادت الى أَرضَها تَحمِلُ زَهرَ اليَاسَمِينَ مُتَّبَلاً بِأمَنيَاتٍ تَذكُرهَا إِذْ شَاركتَها تِرحَالاً ذَاتِ دَمٍ مَنذورٍ طَائِعَاً لمِيعَادٍ أَزرَقَ، والرِّيحُ انعِكَاسَاتُ نَفسٍ عذبها سفر المُحِبُ بِغُروبٍ دَائِمِ الاحمِرارِ صَوبَ أَوطَانٍ مُتَخَيَلةٍ لا تُدرِكُها بِتَحنَانٍ أَقَلِ مِنْ العَادةِ المُمِلة بِذاتِ الأَخيلة حِينَ تَزهَقُ أَنفَاسَا لرِيَاحِ أَرامِلُ جُندٍ مَجهُولي الهَويَّة أَو مَجهُولي المَلامِح كَعَاصِفةٍ أُولَى وإِن تَكُنْ الثَانِية تُدركُ الخَيرَ بِفِعلٍ مُبَاغِتٍ للصَيدُ ذَاتَ بَحرٍ يَسْتنشِقُ أَوجُهةَ بَحَارتِهِ، يَا أَيُّها الصَيادُ المُستَغْرقُ بِالظُنُونِ، رَمَادِيَاً تَلونَتْ سَمَائَكَ حِينَ إِلتَقَينَا، أَتَألفَهَا العُزلَة؟ تَجلِسُ مَسحُوبَاً بِخِيوطِ ذَاكِرةٍ تَعِبة جَوارَ إِنسَانٍ مَا مُستَبطِنَاً تَأوهَاتٍ جَزلى عَدِيمَاتِ الزَمَانِ غُصْنَ عَمِيقَاً فَلمْ يَعُدنَ للصُعودِ أَبَداً، يَا صَيّادُ المَسَافَاتِ المُرهَقَة أَنْ تَمضِي بِلا طَعمٍ كَرتُونِي لتَصِيدَ جُنوحَ مُراهِقَاتٍ صَغِيراتِ الأَمَل يَعني أَنْ تَمضِي كاللاشيء - كَمَا قُلتُ - ذَاتَ بِدايَاتٍ مُذهِلةٍ. مُنَاجَاتُكَ شُموعُ ذَاتِكَ الكَسلى تَتَلمَسها بِخِفةٍ مُرتَبكَةٍ وتَصمُتُ أصواتُ الرِّيحِ انتِهَاكَاً جَمِيلاُ لخَلايَاكَ المَكلومَةِ عَلى طَريقٍ مُعَتّقٍ بِاللذَّةِ والامتِعَاضْ. أَتَألّفُها أَعمَاقُ مَأوى الجِيَاعِ، والبُحَيرةُ صَامِتَةٌ تَنطقُ بِاسمكَ فَتألفَهُ غَائِمَاً ولا تُصَدّقُ شَرعِيةُ الامتِلاكِ مِنْ أَهوالِ غُربَةٍ دَائِمةِ الاخضِرار والشَوكُ يَتَرصَدكُ فَريسةً كَامِلةً فَتَذهَبُ للبَائِعِ المُتَجولِ بِأوراقٍ مُهتَرئةٍ تُسَمّى نُقُوداً بِعَامِيةٍ لا تَدركُ مُبتَغاهَا فَتسَمّيها إِخوةً تَبتَاعُ ذَاتَكَ المُتَكسِرةُ عَلى أَصواتِ رِيحٍ تَصلُكَ هَادِئةً لتَطرِقُ مُحِيطَاتِ عُزلَتِكَ بِالقَاعِ بَعِيداً وأَنتَ كَمَا الرَّمَادُ مُحتَرقَاً تُبعثِركَ ولا تَعُودَ كَائِناً مُمسِكاً بِنَواحِي الروحِ حِينَ شِتَاتٍ مُبِينْ. كَمَا اللوحَ مَنثُوراً يَغْدو، يَا صَيّادُ المَاءِ بِنهَايَاتٍ مَاطِرة أَتُراكَ تَمضِي حَزينَاً لآخِركَ المَوسُومِ طِينَاً يُنَادي كُنْ هنَا، ولهَا مَذاقُ سُكونٍ مَشويٍ بِعُمقٍ تَألمَ كَثِيراً وكَفَّ عَنْ الاحتِراقِ حِينَ إِجَابَاتِ الصَمتِ تُطلِقُ أَجنِحتَها عَالياً فَلا تَسمَعُ مِنهَا إِلا رَفِيفَ المَوتِ مُتَهكِّمَاً يَلذعُ كَغمزةِ إِبرةٍ أَضاعتَها أَنامِلُ الأَرمَلةِ بِصبَاحَاتٍ دَاكِنةِ الوَلَع، أَتُراكَ تُقْتَ للشِتَاءٍ حَيثُ الدِفءْ. مَنفَي أَعينٍ حَائِرةٍ مُجَمّدةٍ والغِطَاءُ المُحِبْ مُغَطّى بِالقِمَاشِ المُخطِئِ حَديثَاً ولهَا مُتعَةُ المَوتِ سَريعَاً إِن تُرمَى بِالرّصَاصِ فيَشهَقُ الجِدارُ فَتَكُنْ وجُودياً كَفُضّةٍ مَنحُوسَةٍ وبِالفِنَاءِ تَسحَرُكَ تَفَاصِيلُ المُمكِنْ فَتَخلِقُهَا إِلهَاً كَريمَاً كَقِطّةٍ، ولهَا اختِنَاقَاتُ مَاءٍ يُهَرولُ مَأخُوذاً بِلهفَةِ الحَبيبَة فَتمتَطِيه صَيّاداً للمَصائِبْ وللعُزلَة أَتَألفهَا بِمُكرٍ يَزيدُ ملعقَتي خَوفٍ فَلا يَعُودُ ليَحتَسي مَكرَه مُفَضّلاً مُؤانَستَكَ وَحِيداً، لنَمْكُثَ إِذنْ. (3)
التُّفاح إِبتَغى التّنَزُّه بِرفقَةِ الدُّود مُكَابِداً عَنَاءَ المُحَادثَاتِ اللأمُجدي يَصحَبُهَا بِدلوٍ يَنزَلِقُ عَليه المَاءُ صَاعِدَاً أَسفَلَ ثُقبٍ مَرئِي كَقَطَراتٍ مِنْ دَمٍ مُنذِراً إِيَاهُم بِخَاتِمَةِ اللقَاءِ عِندَ الرِّحلَة حَيثُ قَالَ الدُّود، مَخنُوقَاً بِحبَالٍ حَريرية ٍ طَويلةِ العَنَاء: رُوحُكَ التَّعِبَةُ أَتُبَادِلني إِيَاهَا أُعطِيكَ الحَريرَ لا يَنْضَبُ وأُحِيلَك قُدسِيَاً كَمَا آلهةِ النّار إِذْ تُعبَدُ سَالِفَاً؟ ، فيَقُولُ في عَهدُ التَأتَأة: أنَا قُربَانُ مُنتَظَرٌ لضَحِيةِ مِسكِينٍ، عِقَابَاً. إِنِّي رَهَقُ الوجُودِ تُعَذِّبَهُ صِرَاعَاتُ جَسَدٍ مُمتَلِئ بِحَيَاةٍ فَانِيَةٍ ولِيْ سَطوَةُ المُوتِ تَذبُلُ بِانطِفَاءِ كَلِمَاتِ صَمتٍ كَثِيرةُ الإِدهَاشْ. يَا لتِلكَ الانفِعَالاتُ الغَبيَة يُدهِشُكَ تَمَثُّلهَا كَأطيَافٍ عَابِرة ويَا لذَاكَ التَّحديقَ مِنْ الدَّاخِل لأعَلى الغَيَمةِ قَليلاً تَتَبسَمُ فَتُحَدِّثُ أَنْ تَعَالَ أُقَاسمُكَ بَعضَ مَاءٍ وهَبُوبٍ وأَحمِلُكَ مَسَافَةٍ لأَمَلٍ مُستَفِيقْ. فَتَلوِّحُ أَدنى بَصَركَ لأولئِكَ السَاكِنينَ هَاهُنَا كَغَيمُ لا يُمطِرُ إلّا بِمَشِيئَةِ العَطَشْ.
تَجِيئُ حِيرَةُ الدُّود يَقتُلهَا إبهَامُ رَبِّ الفَكرَة إِنْ هِيَّ تَنشأ عَدمِيةً بِخَيَالاتِ عَقلٍ مَوصُولٍ بِمَتَاهَةٍ.
مُحتَرقَةٌ تِلكَ الشَّهِيّةُ كَمَاءٍ مَغْلِيٍ بِعُمقٍ أَولْ. عَنْ المَاءِ والريحِ يحَدِّثَه أَراهُم مُلوكَ أَرضٍ لا نَعرِفُهَا، والرِّيحُ تَقُودُ الذَّاتَ بَعِيداً فَتَسقِطُهَا نَثَاراً يُعِيدُ أَبَويَكَ بِوجهٍ مُبتَسِمٍ عَلى حُقُولِ أرُزٍ وقَمحٍ مَنسيَة أَزمَانَاً مِنْ جَرادٍ نَهِمِ الصِّفَاتِ والذُّرَة تَتَأبَطُ صِغَارِهَا وتَرتَحِلُ حَيثُ مَاءً يَسُودْ. بِالخَيبَةِ ذَاتِهَا تَحمِلُ سِلالَ تُفَاح إلى مَثوى أَخِيرٍ. إِنْ تَهَبَني رُوحَاً فَغَداً أَلتَهِمُ عَينَيكَ لِرَاحَةٍ تَنشُدهَا حِينَ تَجِيئُ كَأبيَض، وأُحَدِّثُكَ "أنَا الهَرمُ الأكَبَرُ" قَالهَا الدُّود مُتَسَلِقاً دَلو صَداقَةٍ مُتَفَجِرةٍ.
بِحَنوٍ مُبَاغِتٍ يَشهَقُ السَّيدُ تُفَاح مِلءْ جَوانِحِهُ، مُحَطِّمَاً ذَاتَ نَهَارٍ مُعَقّدٍ بِاِستِهجَانٍ ليَقُولَ للدُود عَنْ تَسَاؤُلاتٍ مُفضِيَة للمُعَانَاةِ: عَّلَ فَراغَاتِ الكَونِ تَسَعُنِي أنَا المَسجَّى ضَبَابَاً بِأَرصِفتهَا، فَراغَاً لا تُدرِكُهُ إِجَابَاتُ الأَزلْ المُتَبَرِّمِ كَالضِّفدع بِفُجَائِيَةِ الخَريفِ أَبدوا مُتَقَافِزاً بِالفَراغِ حَيثُ لا عُزلَة إِلّا مَا تَألفَهَا الدَّائِرة، مُستَبطِنَةً رِيحَاً مُحَاصَرٌ بِحَدِّها المُتَقَوِّسِ، وتُريدُ رُوحَ المُتعَبِ لتَصقِلُهَا ألقَاً وشَفَافِيةً، لتُمْطرَ نَامُوسَاً يَزنُ أَرطَالَ ضوءٍ فَتَنشِدُ لَحنَاً خَفِيضَاً مِلءْ شَقَاءَ الكَائِنْ. هَّبْ إِنّكَ المُتَسَولُ تَمَلقتُ العُزلَة لتريحَكَ بِالابتِعَادِ والحُضورِ اللحَظِي فَلا هِيَّ كَسَرتْ حُدودَ الدَائِرةِ، رِيحَاً تَحمُلكَ للنِهَايةِ المُستَغرِقَةِ بِالتَّوقُّعِ ولا هِيَّ حُبسِتْ بِالاختبَاءِ فَتَرسِمُهَا مَاءً مُحتَرقَاً بِالدَّاخِل.
إَليكَ بِمَزِيدٍ مِنْ الحُبِّ تَفقِدُ أَوجُههُ مَنْ أَحبَبتَ وتَحفَظهُم لَوحَاتٍ مُعَتَقَة بَالذِكرىَ حِينَ انشِقَاق ذَاتٍ بِمَغِيبٍ مَذهُول، تَصحُو مَأخُوذاً بِمسَافَاتِ قَلبٍ فَلا تُصَدِّقُ أقَاوِيلهُ: هَذا زَائِركَ المَاجِنْ. غُروراً يُحَطِّمُكَ كَفُقَاعَاتٍ صَغِيرةٍ، أيُّها الضَّعِيفُ لتَبدءَ مَشَاويرَكَ مُخفِقاً المَرةُ تِلوَ الأخرى لتَعُودَ مُحَاطَاً بِالهُلامِ اللزجِ عِندَ طَريقٍ مَأهُولٍ بِسَاكِنيهِ. تَهبُ المَاءَ للاحتِراقِ فَيسخَطكُ عَطشُ الأنبياء كمَسخٍ بَريءٍ فَتَسكُنُهَا الوَرقَة، الدُّود يَتَلوَّى كَأُقصُوصَة تُرَّحِبُ بِالرِّيحِ فَجرَاً، قَالَ: مَزِيدَاً مِنْ حُبِّ تَدفَقَ إِحراجَاً أَبصرته عَينٌ لا تَرى إلا الظَلامَاتِ المُستَكِينَةِ بِالانخِراطِ فِي العُزلَة حِينَ تَنهَشُكَ كَائِنَاً مُستَسلِمَاً لهَا ولهَا مَزيدٌ مِنْ اندِفَاعٍ صَوبَ خَلايَا الجَمَاعَة سِراً مِنْ فَراغَاتٍ هِيَّ الفَراغَاتُ أَولَ خُروجِها المُخَيبُ للظَّنْ. كَالعُشبِ ذَاتِهِ مُبَللاً بِروائِحِ الخَريفُ الصَّاخِبة تستَلقِي رَطِباً كَطَائرٍ بِمنقَارٍ لَولبيٍ تَنخَرُ أَخشَابَ رِيحٍ مُستَيقِظَة والرِّيحُ امتِنانَ سَجَّانٍ يُهَرولُ مُسرِعَاً عِندَ انقِضَاءَ خِدمَةٍ مَريضَةٍ، فَليَكنْ للكَونِ مَدارَاتٍ أُخرى دَاكِنَة كَمَا لُطفُكَ الغَريبْ. لتَمضِ لنُزهةٍ لا تَنقَضي عَلى بَوابَاتِ التَّحاورِ مُحتَشِمَاً عَلى غَيرِ العَادة مُوصِداً مَداخِلَ تَسَاؤلاتٍ مُجديَة حِينَ هى تُفضِي كللامُجدي.. لكِنهَا لَيسَتِ النِّهَايةُ أَبَداً بِالنَّصِيبُ الخَاسِرْ.
(4)
عِندمَا أُقَبِّلُهَا سِجَارتِي لأحرق فِيهَا أَولَ المَذاقُ السِّحري أَذكُركَ جِداً كَائنٌ لا يَشِيخُ مُطلَقَاً، وحِينَ الانطِفَاءِ أُحِيلُكَ رَمَاداً بِتُخُومِ النَّفسِ مِنْ مَرمَرٍ مَأسُورٍ أَبَداً بِكُنوزِ الدَاخِلَة. أيُّها الحَبيبُ أَولَ انقِضَاءِ الخَريفِ رَذاذاً بَارداً تَتَذوقَهُ فَلا تَعُودُ تَذكُرُ عِشقاً مُتَعَفِناً بِمسَاراتِ التّفاحِ عِندَ النُّضجِ المُتَزايدِ أَخضَراً كَأعشَابِ بَحرٍ تَرتَوي حتَّى الفَيضَانِ، قَالَ الصَديقُ المُهَاجِرِ ليَلاً: وأنَا يُؤرِّقَني ذَاكَ الحَنينُ، تُؤلمَني الذَاكِرةُ وخُرافَاتُ المَكَانِ فَأركُنُ للعُزلَةِ والغِيَابِ وأُصَابُ بِالوَجَعْ شَاكِراً لمُؤانَستِهِ. ذات صَبَاحٍ ضَبابِيٍ نَرى الحُزنَ يَسِيرُ بِانتِظَارِ حَافِلة الرَّحيلِ الأَخِير فَلا تَأتي ولا الحُزنُ يَرتَحِلُ بِالوَداعِ جَمِيلاً. عِندَ الزَريبةِ المَهجُورَةِ أَرقُدُ سَاعَتِينِ وأَطردُ أَحلامِي الخَبِيثَاتِ جَانِباً كَي لا أَستَفِيقَ ولا الحُزنُ يَصحُو فَيمطِرَ عَطَشاً لا أَرتَويه. يَا لذَاكَ الحُزنُ الأَبَدي كَيفَ يُحِيلُنَا دُخَانَاً فَنتَلاشَى بِالفَراغِ بَقَايَا مِنْ سُكَاتٍ وكَلامٍ قِيلَ؛ نَخلُدُ للعَدمِ حتَّى نَكونَ أَبهَى الحَاضِرينَ. والحُضورُ اشتِهَاءُ وَقتِ الأزرقِ بِخلفِيَاتِ العَقلُ الآدمِي، كَالسَّمَاءِ تَرعَى نَجمَهَا فَتُرضِعُه حَكاوي الضَّوءِ ليُدركَ عَتَباتِ الزَّريبَة المُتَيَقِنَة بِالهُجرانِ أَمَداً يُطِيلُ سُكونَها. والسِيجَارُ المُحتَرقُ داخِلُ حَيَواتِ الكَائِنِ لا يَكُفُّ عَنْ لَوَعِتهِ فَكيفَ يَكونُ الانصَاتُ شَهِيّاً. والوقتُ لا يُغَادرُ حُضورَه إِلا بِالظَّلامَاتِ الضَاحِكة ؟، التُّفاح حَمَلَ المِعّْولَ المُعَتقُ بِالمتَاهَاتِ النَابِضَة لمَاءٍ يستَحي مِنْ تَضمِيدَ جِراحِهِ عَلانِية. كَانَ الحَرثُ مُجديَاً حَيثُ مَزارعُ المَاءِ لا يَمَلُّهَا الأَخضَرُ ليُطعِمُ الكَائِنْ يَومَاً بَعدَ يَومٍ مَرير، واستَحَالتْ أَشبَاحُ القَاعِ شُخُوصَاً تَتَهادَى بِالمَسِيرِ نَحوَ الزَّرعُ بِمعَاوِلهَا الفَضفَاضةِ تُجنِي ثِمَارَ تَهدُّمِهَا بِوسَطِ المَدينَة المُتَآكِلة، مَزارعُ المَاءِ بَكَتْ لَيَلاً لتَفاصِيلِ انطِفَائِها المُستَكِينِ بِالمَكانْ، بِلَثَغِ اللِسَانِ الوحِيدِ يُعِيدُ لَقمَ عُزلَتَه مِراراً نَاظِراً نَحوَ سُهولِ المَاءِ المُخَضَّبةِ بِالأخضَرِ الشَائِكِ فِي غِمرَةِ تَعَاستِة الجَوفَاءْ. المَعَاولَ تَصرُخُ مِنْ نَزفٍ أَلَمَّ بِها فَأحَالهَا حِجَارةً مُتَورِّدة الجَبِينِ كبِدايَاتِ الرَّبيعِ تَأتي مُستَهجِنَة لشَمسٍ لا تَجُوع، والحُزنُ انطِفَاءْ المَشِّيئَة إِبَّانِ الشُّروقِ مُحتَرقَاً أو قُلْ حَزينَاً كَرمزٍ يَتَآكلهُ النُعَاسْ. غَريبَاً كَأولِ المَطَر يُمحِي ظِلالُ الكَائِنِ المُستَغرِقُ عَدمِيَاً بِالزَّريبةِ المَأهُولَةِ بِالوحَشَة والنُكرانِ. التُّفاح تَصَدَّعَ بِالنَّزواتِ حِينَ تَنزَّه بِمزَارعُ المَاءِ فَوجَدها فَراغَاً ضَاحِكا أَو أَزرقَ كَرمَالٍ صَدِئةٍ. اللذينَ اكتَفوا بِتَبديلِ ثِيَابهم ووجُوهِهم مَزيداً مِنْ حُزنٍ دَاكنٍ يَحِيلهم لتَمَاثِيلَ جَامِدة أَو هَيَاكلٌ تَرقُصُ بِمَلهَى ليلي رقَصاتَها الأخِيرة ولا عَزاءَ سِوى أَنغَامِ الخَيبَة اللذِيذَةِ تَصحَبَهُمْ حِينَاً كَالمَارة فِي طَريقِ الرِيح فَيستَوقِفَهم مِصبَاحُ مُتَهدِّمٌ يُضَاءُ نَهَاراً، والشُكرُ يَحتَرقُ لَهَباً تَحت مِيَاة الكَائِنِ ليُضِيء طَريقَ العُتمَةِ، يَخرجُ مِنْ الظَّلامَاتِ مُتَلّمسَاً دَربهُ الأَزلي كَحَرفٍ مَجرورٍ بِه خَارجُ سَمَاءاتِ الزَّريبَة مُرتَديَاً مِعوَلهُ الفَضفَاض سَامِحَاً للرِيحِ بِاختِراقِهِ، يَتَأبَطُ سَوطَهُ طَوِيلاً ضَارِبَاً زُمَلاءَ المِحَنِ الجَمِيلة شَاكِراً للمَاءِ زَرعَهَ الأَبيَضِ سِلالاً مِنْ أرُزٍ عِندَ نِهَايَاتِ الحَصادِ ليَعُودَ خَاليَاً - مُنكَسِراً - مُتَأفِفَاً كَمَا كَانَ أَولَ الكِتَابَةِ وأَولَ الأَلَمْ.
(5)
بِالعِنَادِ ذَاته تَنقَشُعُ الغُيُومُ الرَّمَاديَة مُفسِحَة مَجَالاً للوثُوبِ خَلفَهَا لكَائِنٍ يَرتَدي حُلّةً صَباحِيةً يَتُوقُ للصُعُودِ أَعَلى دَرجَاتِ البَهوِ قُبَالَة الحُزنِ الغَريبْ، بجَميعِ قَاذُوراتِ العَالمِ يُمسِكُ أَصابِعَ يَدهُ اليُسرى ليَرى إِنْ كَانَ للغَيمِ رُؤيَة أَكثَرَ وضُوحَاً مِنْ ذَاكَ الأَمسُ البَليدُ حِينَ يَتَبَدَّى سِراجَاً ضَائِعَاً، وبِالسُخريَةِ ذاتُها تَنهَارُ سَريعَاً فَيعيدُ تَرتِيبُ الضِّفةُ مِنْ النَّهرِ بِحَيثُ تَصطَفُ تَراتِيلُ الحُزنُ بِالانكِسَارِ الحَارِقِ. أَينَمَا نَظَرتَ لا تَجدُ مَا يَسَرُّكَ حَيثُ المَدى ذَابِلٌ بِلا لَونٍ يَعتَري الرمَادِي، المَبَانِي المَصفُوفَة جَيداً تَنهَشُ مَداكَ فَتَستَجدِي نُجُومَاً غَطّاهَا الإسفِلتُ كَشَوارعٍ زُيّنَتْ بِأزهَارِ الصَيفْ. لَيسَ عَليكَ تَحَمُّل عَنَاءِ الوجُودِ لزَمَانٍ مَذبُوحٍ فِيهِ، رُبَّمَا لَيسَ عَليكَ ذَلكْ، وللبَحرِ أَبوابُ أُخرى لَمْ تَطرُقُهَا يَدُ إِنسَانٍ قَبلَكَ أيُّها المَنبُوذْ فَثِمّة لعَنَةٍ لا يُعرَفُ مَصدرهَا أَزاحَتْ مَفَاتِيحَ البَحر جَانِبَاً وأَوصَدتْ الأبوابُ بالعُزلَةِ المُدهِشَة، وللبحر هَمسُ بِضَخَامِةِ حُزنِكَ الشَّفِيفُ يَحكِي عَنْ بَحَارةٍ أَضَاعوا طَريقهُم الكَائِنُ بِالبَوصَلةِ. تِلكَ الدّائِريَة السّاحِرة لا تَعَرفُ طَريقَها للشَمَالِ حَيثُ تَقبضُ عَلى أَحلامِ الصَّغِيراتِ أَو البَناتُ الجَمِيلاتْ، الخُلاسِياتْ، يُعَانِقنَ شَمسَ المَسَاءِ الحَارة، والعَمَاراتِ استَقَامَت بِقَلبِ البَحرِ كَمُدنِ السَّمِاءِ الأُخرى مِنْ خَيَالاتٍ أَرّقُهَا تِجوَالُ الحُوتِ المَنفُوخِ فَقَامَتْ مُدنٌ قَاسِيةٌ تَنبُذكَ وَحِيداً بِعرضِ البَحرِ حَيثُ تَطَارِدُكَ عَقَاربُ العَدمِ وتُصِيدكَ ثَمَراً شَهِيَاً، لَكَ أَنْ تُعَلِقَ ذَاتَكَ كَمُتَوحِشٍ تَتَلمَذُ عَلى الحَضَارةُ ذَاتِهَا، والبِنَاءُ المُتَآكِلُ بِفِعل الذَّوبانِ تُدلقُ عَليه مَزِيداً مِنْ فَراغٍ طِيني ليَستَقيمُ بَعِيدَاً عَنْ مَوطُنِ الوِحشَةِ المَألوفَة كَمَا سَفِينَةِ نبِيٍ ضَائِعٍ بِمطَامِعِ النَفسِ. مِنْ كُلِ السَفِينَة يَذهَبُ بِالبَحرِ للخِيَاطَةِ كَيمَا يُبحِرُ مُجَدداً نَحوَ أَرضٍ تُعَانِقُ نُجومَهَا بِحَنَانٍ مُستَفِيضٍ، بِالرَأسِ المُنهَكِ ضِحكَةٌ تُعَوِّضُه خَسِاراتِ الصَّيدِ الهَزيلِ حِينَمَا تَهربُ الحِيتَانُ بَعِيداً فَلا يَعُودُ التُّفاح يُطَاردُهَا كَمَا أَيَامٍ مَاضِيةٍ، ليُنَصَّبَ بَهلوَانَاً بِمُدنِ مَاءٍ ذَاتَ أَفكَارٍ جُنونِية تَعجَزُ إِجَابَاتُ الفَضَاءِ النَّائي عَنْ تَحمُّلِ مِقدارِهَا نِصفُ المُمتَلئ بِمَزِيدٍ مِنْ الشَّقَاءِ المُعتِمِ، بِذاتِ الخَسَارةِ الرائِعةِ - المُدهِشَةِ - اشتِعَالُ يَلتَهِمُ الريحَ الطَّافِيةِ بِوجهِ المَاءِ كَي يُحِيلهَا سَرابَاً تحشُو بِه فَخَ صَيدِكَ المُمتَلئ قَليلاً نَاحِيةُ حُقولِ المَوزِ المُورِّقَة إِخضِراراً كَسُهوبٍ تَركُضُ مَذعُورةً مِنْ الحُوتِ الأَليفْ. بَعِيدَاً يَرتَدي العِنَاد أَسمَالهُ لمُلاقَاتِكَ، مُتَأفِفَاً يُصَافِحُكَ بِضَجرٍ وَاضِحٍ كَيمَا يحمِلُكَ للغَيمِ رَيثَمَا تُمطِرُ السَّماءِ حُوتَاً أَو رَيثَمَا تُمطِرُ صَيداً بَهِيَاً.
(6)
بِلَهَبٍ لاذِعٍ حَطَّ القُبحُ عَلى أَنفِ التُّفاح بِبسَاطَة مَهُولَةِ وقَالَ حِينَمَا أَسقَطَه كَرِيحٍ لا تَلوِى عَلى شيء بِذرَاعٍ مَبتُورةٍ حتَّى العُمقْ: بِمَأسَاتِي يَتَجَلّى رَونَقُ السَّفِينَة بِعَرضِ البَحرِ فأَزورهَا خِلسَةً كَظَلامٍ يَشُوبَهُ البَحثُ عَنْ مُفتَاحٍ مَفقُودٍ فَلا تُوصَدُ نَوافِذُ العَدمِ وأبوابُه مُشَرعَةً نَاحِيةَ السُكُونِ، بِمَأسَاتِي أُطفِئُ فَوهَةُ البُركَانِ الغَاضِبِ كَبَابٍ يُدخِلُ الزَائِرينَ عُنوَة بِشقُوقُهِ البَاهِتَة، فَوقَ البُركَانِ لِي مَسَاكِنٌ وأَدغَالُ حَبِيبَةِ لا يَدخُلهَا إلّا مُغَامِرٌ أَصَابَهُ تَهَوُّرُهُ البَسِيط بِنَوبَاتِ المُجَازَفَة المُمكِنَة، هَلْ تَقدرُ عَلى إِقفَالُ لَهَبِي البَاردْ بِذراعُكَ المَبتُورة؟
هُنَا يُقَهقةُ القُبحَ عَاليَاً: ها ها ها ها ها ها... بِكِبريَاءٍ وَاضِح أَصَابَ الأرضُ بِالصَممِ لبَعضِ مِنْ الوَقتْ المَهدُورِ مَاءً، مِنْ دَاخِلْ بَطنِ النَّار أَلِدُ أَطفَالاً لَهم مَذاقُ الحَلوى فَتَلفَظهُم للوجُودِ صِغَاراً عَلى أَنفِكَ المَهزوزِ بِفِعلِ الرِّيحِ الحَانيَةِ ولا يَنحَنُونَ أَبَداً. أُثقِلُ عَليكَ بِبركَانٍ لا يَنطَفئُ فَأخمِدُ فَورانِكَ الآنِي، بِالقَلقِ التَائِهِ فِيكَ أُضمِّدُ جِراحَاتَكَ النَّازِفَة امتِنَانَاً لتَفَاصِيلَكَ المُؤلِمَةِ ورَحمَةً أَستَسِيغُهَا بِالنِّهَايَاتِ المَريضَةِ. الهَزيمَةُ طَوفَانُ المَعنَى المَخبُوءِ بَعِيدَاً كَمَا تَراهُ بِعينِكَ الخَامِسةِ حِينَ تُسدِلُ ثَوبَها عَلى سَبيلِ الأسَفِ فَوقَ أَرضِيةِ الجَسدْ. لِذَلكَ تَصهَلُ الأَنفَاسُ (عَذابَات القَلمِ) بِالمعنَى المَفضُوحِ ضَاحِكَاً: يَا هاهاهاها.. ياهاهاهاها... تَمَامَاً كَضِحكةِ الرِّيحِ ذَاتَ عَزاءٍ مُتَبَّلٍ بِالفَراغِ والقَسوَة.
الحُزنُ يَلتَبِسُ عَليكَ وَمِيضَهُ فَتَخالهُ شَجَراً أَحمَرَ يُثمِرُ عِنَبَاً فَتُهَرولُ نَاحِيتَهِ وتَتَذوقَهُ فَلا تَأكُلُ غَيرَ الرِّيحِ وتُرَابٍ مَعجُونٍ بِالمَاءِ كَ(الطِينِ)، كَ(أَنتَ)، كَ(الكُحَة) تُشعِلُ صَدرُكَ بِحَشرجَاتٍ لَطِيفَة كَمَطرٍ يَتَسَاقَطُ فَوقَ النَّهرِ فَيَفِيضُ ويَغمُرنَا، يَعودُ مُعتَذِراً عَنْ مُزحَتِهِ الثَّقِيلَة، صَوبَ الهَاوية تُسقِطُنِي للمَجَاعَةِ وتَحسَبُ مَقتَليَّ تِريَاقَاً للسَمَاءِ لتَهِبَّ الزَّرعُ بَركَاتٍ وغُفرَاناً. الهَاويَةُ هِيَّ الهَاويَةُ، الجُوع تَجَلّي الكَائِنِ فِي الحَقيقَةِ وفِي صِدقْ الأُغنِيَات، جَمِيعُ الأَفوَاهِ المَفتُوحَة أَوصِدُهَا بِالفَراغِ والعَلقَمِ ثُّمَ أَحشُوهَا بِأَنِينٍ يَتَراخَى كَعُضوٍ بَائِسٍ يُفرِّغُ حَيَاتِهُ سِراً فَتَمُوتُ صِغَارُ الكَائِنَاتْ ولا أَمُوتُ.
عَطشُ التُّرَابِ أَشَدُ قَسَاوةً مِنْ انتِهَاكِ الجُرحِ النَّازفِ مَاءً، بِالتُّربَةِ ذَاتُهَا أَغرُسُ أُنثَى تَضرِبُ أَعمَاقَ الأَرضِ فَأروِيهَا شيئاً مِنْ نَزقٍ يَتَفَرعُ أَميَالاً بِنَواحِي السَمَاءِ فَتَنبَثِق الشَّجَرةُ، تَطرَحُ إِنَاثٍ يَتِيمَاتٍ، أَرعَاهُنَّ وأَرعَى ذِئَابا تَسبَحُ بِالنَّهرِ وأَرعَاكَ جَمِيلاً، بِسُهولَة أَقتَحمُ صَومَعة التُّفَاح حِينَ غِيَابٍ رَمَادي، أَقتَحِم العُزلَة، فَتَرتَبكُ وتَنكَفِئُ وتهرَولُ للتُرَابِ، تَستَغِيثُ لتُمحِى خُيوطَ الفَوضَى ليَقرَأُهَا بِجَبِينهِ، يَفيضُ الأَحمَر فَأفِيضُ، أَتَدَفَقُ كَشَلالٍ خَفِيضٍ، أَغمُرُكَ بِالشَّهَوةِ وهَسهَسة العَصَافِيرِ الهَارِبَة، والجَوعَى يَجِيئُونَ مِنْ كُلِ البَحرِ النَّائِمِ مَوجَاً يَكبُرُ ثُّمَ يَكبُرُ ثُّمَ يُحَطِمُ جُثمَانِ الحُزنِ، سَأجثو عَلى أَنفِكَ يَومَاً آخَر فَالقُبحُ لا يَنتَهى بِسقُوطٍ أَولْ.
البَشَاعَة تَحِيطُ بِنَا يَهتُفْ التُفَاح: يَاللهَولِ أَينَ المَهرَبُ والشُّبَاكُ مَفتُوحُ دَائِمَاً؟ أَنَغرقُ بِالأحمَر ونُغرِقُهُ فِينَا؟ مَنْ يَكسِرُ لَونَ الحُزنِ الإِلهَي ويَتَوّجُ مَلِكَاً للرِيحِ؟ فَنَحمِلهُ عَلى أَكتَافِ الجَوعَى حتَّى نُطعِمَهُ ثِمَارُ المَاءِ الأَبيَض أَو لَكمْ أَنْ تَقولُوا حَمَلتهُ العَصَافِيرَ وطَارتْ. كُلُّ البَحرِ عُزلَةٌ، كُلُّ المَطَاراتِ عُزلَةٌ، كُلُّ جِدارٍ عُزلَةٌ، كُلُّ نَارٍ عُزلَةٌ، كُلُّ بَاطِنٍ عُزلَةٌ، مِنْ النَّارِ تُخِيطُ شَراراً يَرتَحِلُ مَعَ الرِّيحِ والفَاكِهَة حِينَها تَضحَكْ بِصَخَبٍ مُبَررٍ: هههههههههههههههههه.. فَالإنطِفَاءُ مُثِيرْ.
يَنتَقِلْ الكَائِنُ بِرحلَتِهِ الخَامِدة مُجَاورَاً لِقَبرِهِ المَائِي ثُّمَ يُحَدِّقُ بِمَزِيدٍ مِنْ وَصفٍ نَاقِصٍ للشَاهِدِ ودون إِنذَارٍ يُقهَقهُ بِهستِيريَا لافِتةٍ فَتَركُضُ كَائِناتُ المَاءِ النَّائِمَة بَعِيدَاً وتَنهَرهُ عَلى الضَّجِيجِ المُتَوقَّعِ، تَرتَفِعُ المَدينَة فَوقَ أَنيَابِ المَراحِلِ الفَاتِكَةِ فَتَجيءُ مُشرِقَةً كَزَهرِ أبريل وسَريعَاً يَمتَصُّهَا القَاعُ فَلا يَتَبقَّى غَيرَ الهَيَاكِلِ المَبلُولَةِ بِاللُّعَابِ والصَّيحَاتِ المَكبُوتَةِ، عَلى حَبلِ الهَمِّ تُعَلَّقُ عَلى سَبيلِ تَسلِيةِ الرِّيحِ حتَّى تَطمُرَ قَبرَكَ، مِثلَ الحَمقَى جَميعَاً يُزعجُنِي زِحَامُ العَابِرينَ وضَوضَاءُ العَاصِمة واستِقَامَةُ المُثَلثِ، أَنتَفِضُ، أَثُورُ، يُطَاردُنِي المَاءُ، إلى مَا قَبلَ النِّهَايَةِ يُطَاردُنِي المَاءُ، تُطَاردُنِي الرِّيحُ، يُطَاردُنِي الأَزرقُ، وتُطَاردُنِي الهَزيمَةُ كَظِلٍ يُبَدِّلُ مَقَاسَهُ بِتَبدلاتِ مَواقِعِ الشَمسْ.
القَيَّدُ يَفِكُ ذِرَاعَيهِ بِبطءٍ مُخِيفْ فِي مُحَاولاتٍ يَائِسَة، أنصَتَ إِليها ذَاتَ أَسْرٍ تَطَاولَ أَمَداً وقَبَعَ خِلالُ سَنوَاتِ الجَفَاف والتَأنِّي فِي حُزنٍ تَكَاثَرَ كَمَا انقسَامَاتِ الخَليَّةِ الوَاحِدةِ.
[email protected]
انقر
هنا
لقراءة الخبر من مصدره.
مواضيع ذات صلة
روزمين الصياد: كَنَائِنُ الْمَوْتِ .. هَشَاشَةُ الْعَسَلْ
المطاليق (2)
المطاليق(2)
المطاليق(2)
قراءة في قصيدة غناء العزلة للصادق الرضي (2 7)
أبلغ عن إشهار غير لائق