لجان مقاومة النهود : مليشيا الدعم السريع استباحت المدينة وارتكبت جرائم قتل بدم بارد بحق مواطنين    كم تبلغ ثروة لامين جمال؟    شاهد بالصورة والفيديو.. حسناء الشاشة نورهان نجيب تحتفل بزفافها على أنغام الفنان عثمان بشة وتدخل في وصلة رقص مؤثرة مع والدها    حين يُجيد العازف التطبيل... ينكسر اللحن    شاهد بالفيديو.. في مشهد نال إعجاب الجمهور والمتابعون.. شباب سعوديون يقفون لحظة رفع العلم السوداني بإحدى الفعاليات    أبوعركي البخيت الفَنان الذي يَحتفظ بشبابه في (حنجرته)    جامعة ابن سينا تصدم الطلاب.. جامعات السوق الأسود والسمسرة    من رئاسة المحلية.. الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع يعلن تحرير النهود (فيديو)    شاهد بالصور والفيديو.. بوصلة رقص مثيرة.. الفنانة هدى عربي تشعل حفل غنائي بالدوحة    تتسلل إلى الكبد.. "الملاريا الحبشية" ترعب السودانيين    بحضور عقار.. رئيس مجلس السيادة يعتمد نتيجة امتحانات الشهادة السودانية للدفعة المؤجلة للعام 2023م    إعلان نتيجة الشهادة السودانية الدفعة المؤجلة 2023 بنسبة نجاح عامة 69%    والد لامين يامال: لم تشاهدوا 10% من قدراته    احتجز معتقلين في حاويات.. تقرير أممي يدين "انتهاكات مروعة" للجيش السوداني    هجوم المليشيا علي النهود هدفه نهب وسرقة خيرات هذه المنطقة الغنية    عبد العاطي يؤكد على دعم مصر الكامل لأمن واستقرار ووحدة السودان وسلامة أراضيه    منتخب الشباب يختتم تحضيراته وبعثته تغادر فجرا الى عسلاية    اشراقة بطلاً لكاس السوبر بالقضارف    المريخ يواصل تحضيراته للقاء انتر نواكشوط    الحسم يتأجل.. 6 أهداف ترسم قمة مجنونة بين برشلونة وإنتر    استئناف العمل بمحطة مياه سوبا وتحسين إمدادات المياه في الخرطوم    هيئة مياه الخرطوم تعلن عن خطوة مهمة    هل أصبح أنشيلوتي قريباً من الهلال السعودي؟    جديد الإيجارات في مصر.. خبراء يكشفون مصير المستأجرين    باكستان تعلن إسقاط مسيَّرة هنديَّة خلال ليلة خامسة من المناوشات    ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام    إيقاف مدافع ريال مدريد روديغر 6 مباريات    تجدد شكاوى المواطنين من سحب مبالغ مالية من تطبيق (بنكك)    ما حكم الدعاء بعد القراءة وقبل الركوع في الصلاة؟    عركي وفرفور وطه سليمان.. فنانون سودانيون أمام محكمة السوشيال ميديا    تعاون بين الجزيرة والفاو لإصلاح القطاع الزراعي وإعادة الإعمار    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    الكشف عن بشريات بشأن التيار الكهربائي للولاية للشمالية    ترامب: يجب السماح للسفن الأمريكية بالمرور مجاناً عبر قناتي السويس وبنما    كهرباء السودان توضح بشأن قطوعات التيار في ولايتين    تبادل جديد لإطلاق النار بين الهند وباكستان    علي طريقة محمد رمضان طه سليمان يثير الجدل في اغنيته الجديده "سوداني كياني"    دراسة: البروتين النباتي سر الحياة الطويلة    خبير الزلازل الهولندي يعلّق على زلزال تركيا    في حضرة الجراح: إستعادة التوازن الممكن    التحقيقات تكشف تفاصيل صادمة في قضية الإعلامية سارة خليفة    الجيش يشن غارات جوية على «بارا» وسقوط عشرات الضحايا    وزير المالية يرأس وفد السودان المشارك في إجتماعات الربيع بواشنطن    حملة لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة في مدينة بورتسودان    ارتفاع التضخم في السودان    شندي تحتاج لعمل كبير… بطلوا ثرثرة فوق النيل!!!!!    انتشار مرض "الغدة الدرقية" في دارفور يثير المخاوف    مستشفى الكدرو بالخرطوم بحري يستعد لاستقبال المرضى قريبًا    "مثلث الموت".. عادة يومية بريئة قد تنتهي بك في المستشفى    وفاة اللاعب أرون بوبيندزا في حادثة مأساوية    5 وفيات و19 مصابا في حريق "برج النهدة" بالشارقة    عضو وفد الحكومة السودانية يكشف ل "المحقق" ما دار في الكواليس: بيان محكمة العدل الدولية لم يصدر    ضبط عربة بوكس مستوبيشي بالحاج يوسف وعدد 3 مركبات ZY مسروقة وتوقف متهمين    الدفاع المدني ولاية الجزيرة يسيطر علي حريق باحدي المخازن الملحقة بنادي الاتحاد والمباني المجاورة    حسين خوجلي يكتب: نتنياهو وترامب يفعلان هذا اتعرفون لماذا؟    من حكمته تعالي أن جعل اختلاف ألسنتهم وألوانهم آيةً من آياته الباهرة    بعد سؤال الفنان حمزة العليلي .. الإفتاء: المسافر من السعودية إلى مصر غدا لا يجب عليه الصيام    بيان مجمع الفقه الإسلامي حول القدر الواجب إخراجه في زكاة الفطر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



روزمين الصياد: كَنَائِنُ الْمَوْتِ .. هَشَاشَةُ الْعَسَلْ
نشر في النيلين يوم 05 - 10 - 2010


1،2
يستوقفك التكوين عند مداخل الحياة المتناثرة على جنبات الأفق وأنت تحاول التسلل إلى عمق الحرف حين يبادر بالدهشة الأولى نضارة وضياء. فبعد أن ارتحلنا عبر دهاليز اللغة النابضة بالعشق الممكن والناتئ من صخور الحلم صحواً سرمدياً يتواصل التدفق عبر صهيل الأرصفة لكون جديد تصنعه امرأة من حزن واستبرق فيتحول الشجن في لمحة التطلع البريء إلى حالة من الفرح الأنيق. هي روزمين الصياد تعود مرة أخرى تحمل في يدها اليسرى بستان حنين (إلى رجل قد يأتي) عند منتصف الحضور لتنقلنا عبر ممرات الصفاء لكنائن الموت التي لا تبقى على أغصان العطر إلا حين ترتشفها شفاه أميرات النحل لتخرجها شهداً نقياً كصوتها الشعري المتفرد وهي تجلس كملكة على عرش الفصول تصنع نبيذ العافية سلسلاً من شفاء. أما في يدها اليمنى فينساب البحر لشواطيء لا ترتوي إلا بعطش الشوق لنغمها الجميل.
إصدارة جديدة رائعة تجعلني أحتفي بها أيما احتفاء لأن أدب المرأة حين يتحدى غيوم البؤس في وطني يتطلع إلى زخم نابض بالعطاء. خمس وعشرون قصيدة يمثل كل حرف منها في إصدارة صغيرة في عدد أوراقها وكبيرة في إبداعها ومعانيها تجعلك تدرك منذ الوهلة الأولى أنك راحل للا ملتقى على صراط اليقين.
التهنئة من قبل ومن بعد لهذا التحدي البديع الذي وهبته لنا روزمين وجعلتنا نبتدر رمس الريح نتوءاً للخطايا فنلتقي هنا على مرافيء دمعة تهم أن تذوب في خد الوجع النبيل:
ريحٌ لَمْ يَرُقْهَا الْخَارِجْ
فَبَذَرَتْ رِمْسَهَا في رئَتِي الْيُسْرَى..
تُصَفِّقُ جُذُورَهَا بكَرَيَاتِ
دَمِيَ الطِّينيَّةِ..
تَمْتَصُّ حُرُوفًا مَائيَّةً
كُنْتُ أخْتَزِنُهَا لتَمُّوزَ الأخيرِ
لَمْبَاتُ النّيُون تَغْمِزُ
غَمْزَةً مَاكِرَةً ..
نَحْنُ مَنْ نَمْنَحُهَا أشْبَاحَ مَاضينَا
ثُمَّ نُصَفِّقُ لِمُعْجِزَةِ الْكهْرَبَاءْ
تَؤُوبُ الأوْعِيَةُ بِسَرَابِ الْفِرْدَوْسِ
إلَى نَهْرِهَا الْقَديم ..
الرَّاصِدُ لَمْ يَتَخَلَّقْ بَعْدُ
لُزُوجَةُ السّدفَة تَتَشَبَّثُ
بِجَفَافِ الأحْلامْ..
يَا تُرَى هَلْ سَتَبُوءُ
يَدِي بِشَيْءٍ إنْ مَدَدْتُهَا خَارِجًا ؟
أمْ هِيَ حَفْنَةُ الأزْهَارِ الْمُتَيَبِّسَةِ
وَأزيزُ سيَّارَةٍ فَارَّةٍ
مِنْ صُفْرَةِ الْغَابِ
إلَى حُمْرَةِ شَارَةِ الْمُرُورْ
ولئن تذوب في عطرها وتشتهيها بحواس سبع، يرفلك النهر في وادي من دماء:
لِكَيْ تُحِبّني..
يَكْفي بأنْ تَرَى نُتُوءَ الْخَطَايَا
عَلَى جِلْديَ الأمْلَسْ..
يَكْفي أنْ تَقْرَأَ قصائدي الَّتي أكتُبُ
في الطَّوْرِ غَيْرِ الْمَلائكيّ
مِنْ غَيْرِ أنْ تَتْلُوَ عَلَى رَأسِهَا الْمَحْمُومِ
آيَاتٍ طَارِدةً للشَّيَاطين ..
هي شياطين الوحي المقدس رؤى وعبق وردي وانبهار، فكل حرف يتحول لمطارات في شرايين الروح قطباً استوائياً وسلطاناً يشتهي وجوه النساء اللواتي لا يخشين طرح الأسى على رذاذ المطر. هو الدخول إليك عبر بوابة الشهوة لبلاد لايموت في الصباح نهرها المفترض يا امرأة دائرية وقدر محتمل:
أحْقِنُ أوْرِدَتي بالْحِبْرِ الأحْمَرِ
أقْضِمُ بَعْضًا مِنْ تُفَّاحَةِ جَوْفي
أعْلِنُ مَعْصيَتي،
وَصَبِّي
بَدَدِّي
أُطْرَد ..أُنْفَى..نَحْوَ نَوَاتي
وَأُخْلُدُ بسديمِ الْمُطْلَق
انْظُرُ حَوْلي ..
مَا زِلْتُ هُنَا.
فَرْدًا مِنْ مُجتَمَعِ السَّمَكِ الْمَيِّتِ
يَجْذِبُني الْقَاعُ،
يَرْشُقُني قنْديلُ الْمَاءِ الآسِنِ بالضَّوْءِ ..
الضَّوْءُ السَّاقِطُ مِنِّي فيهْ
أطْفُو بمشيئةِ عُشْبِ الزِّيفِ
ثُمَّ أَؤُولُ إلَيَّ..
هذه الأغنيات التي تنساب في صباح منمق برنين المساء تمتطي عذب الشهوة حين تصبح الحياة مفترقاً لظل يطول فينتفض الضوء خافتاً في عيون الأصيل ونحن نفترش أزيز الليل وهو يرنو لوقار النسق ومسرة تجعل النشوة ترتعش خضرة حين ينطلق العناق من سجن النوايا ألقاً مجسماً في مرايا العصر وردة ولهجة مستعارة من الطير والريح وحبوب اللقاح:
هَأنْتَ تَنْضَوِي إلَى ثُبَةِ التُّعَسَاءِ
وتُغَادِرُ رَصَانَةَ أصْدِقَاءِ السُّوءْ
غَيْرَ عَابيءٍ أنَّكَ تُعَرِّقُ في التُّرْبَةِ
الَّتي لا تَنْتَمي للْمَكَان..
ثُمَّ تُدْهَشُ..هَكَذَا ..فَجْأةً ..
إنَّ مَذَاقَ الثَّمَرِ يَتيمٌ !!
تَنْظُرُ للنَّهْرِ..
وَوَجْهٌ لا يَشْبَهُكَ،
يُحَدِّقُ فيكَ
يُقَهْقِهُ عُلُوَّ الصَّوْتِ كَمَا الْمَوْتْ ..
( فولكانوس ) يَهْديكَ كِتَافُكَ
عَصبًا مِنْ سَاقَيْك
وَحْدي..وَحْدَك ..
وَاحِدْ .. وَحيدٌ..
وَحْدَةٌ ..وَحْدَتي..
أوْحَد..وَحْدَويٌّ..
أنَا هُنَا رُغْمَ وَحْدَتي..
أوْرَاقيَ مِنْ مَاءِ النَّهْرِ
وَالْمَاءُ يُكَابِدُ غَلْوَاءَ الْمَاءِ
وَلا يَبْتلُّ ..
حَرِيٌّ بِأَنَّا أنْ أحْيَا حُضُوري
أنَا قَدْ أتَيْتُ ..
هُمْ مَنْ تَأَخَّرَوْا ..
ثُمَّ تَعْدُو حَذْوَ النَّهْرِ
كَمَا الْهَارب مِنْك
لَكِن ! لا نَهْرْ ..
من يسترق النظر إليك يركض كالرمح بين البنفسج وقبور اللغة القديمة وانت تجددين في عيون الفتى كل عرى الخيال تجربة من غوص يفتح محارات البحر للآليء الغياب المتعمد عن نافذة البحر وهي ترتقبك عند الرحيل نخلة من رحيق:
مَوَدَّةٌ وَرَحْمَة ..
هِبَةُ السَّمَاءِ للشِّفَاهِ التَّائقَةِ
إلَى هَشَاشَةِ الْعَسَل..
مَا أُريدُهُ أكْثَرَ مِنْ هِبَاتٍ
قَدْ يَنَالهَا الْجَميعُ..
أُريدُ هِبَتَكَ أنْتَ..
حَتَّى تَبْتَلَّ النَّافِذَةُ
بِلُزُوجَةِ الضَّوْءِ
الغَيْرِ قابِلِ للإنْكِسَارْ ..
وَتَنْبَجِسُ عَنْ عَيْنِ الْعَتْمَةِ
شَمْسٌ أكْثَرُ رَأفَةً
بِقُلُوبِ الشَّمْعِ
لا لن تموت على عتبات الأغنيات كلمات امرأة سكبت دماء الليل على عروق الضياء فاخضرت السماء واستطابت العيون راضية مرضية. تسحرني هذه النغمات الجريئة بطفولة الحريق فهلا رحمت فؤاد الموج من تعب المد المبارك وجزر الرحيل؟
قَبْلَمَا الْمَرَّةِ الأولَى
الَّتي بَكَتْ فيها الأرْضُ
جَرَّاءَ عُقُوقِ الشَّجَرْ
كانَتِ الْحَيَاةُ..
ثُمَّ مُتْنَا..
وَهَأنْتَ تَضْرِمُ في عَبَثيَّةِ الْمَوْتِ
نارَ الْحَيَاة..
لَمْ تَمُتْ،
فَهَا هِيَ آلافُ الْعَصَافيرِ
تَتَنَاسَلُ مِنْ جَسَدِك
تَرْأبُ بزقزَقَتِهَا سَمجَ التَّحْليقِ
في سَقْفِ بِلادِنَا الرَّمْلِيِّ
لَمْ تَمُتْ
لَكِنَّهُ دَمُكَ يَنْدَغِمُ والرِّيحُ
غَيْرَ آبِهٍ بذِئَابِ الْلَّيْلْ
ثُمَّ يَحُطُّ هُنَاكَ عَلَى أعْلَى شَجَرَةٍ
في الْغَابْ
زَيْتًا لِمِصْبَاحٍ عَارمِ الضَّوْءِ
لَمْ تَمُتْ،
فَهَا هِيَ ضَحكَاتُكَ تَنَامُ بِجَانبي
عَاريةً كالسَّيْفْ ..
غَضَّةً كالْقُطْنْ ..
لَمْ تَمُتْ،
فَأنْتَ هَا هُنَا
مَا زِلْتَ مُمْسِكًا يَدِي
مُمْعِنًا في الْقُبْلَةِ
وَكَأنَّمَا شَهْوةُ الْحَيَاةِ
مَا تَفَوَّقَتْ عَلَيْك
(ونواصل)..
{ مدخل للخروج:
كُنَّا نُعَبِّيءُ الْفَرَاغَ بِالْمَاءِ.. وَكانَ الْقَمَرُ يَغْسِلُ عَنْ أقْدَامِهِ وَحَلَ شَوَارِعِ حَارَتِنَا.. الْبَحْرُ يَخْتَلِقُ أُكْذُوبةً جَديدةً.. أسْمَالٌ وَاهِنَةٌ تَرْتَمي عَلَى الشَّطِّ تَرْسُفُ في عَرَقٍ كُحُوليٍّ وَشَبَقٍ لَمْ تَقْلِمْ أظَافِرَهْ كَآبَةُ الشَّمْسِ.. (روزمين الصياد).
--------------------------------------------------------------------------
نواصل القراءة الأخيرة في (كنائن الموت.. هشاشة العسل) لشاعرتنا النبيلة روزمين الصياد ثم ندع للقاريء الكريم بعد ذلك مهمة السياحة في مكتبات العالم ودهاليز الانترنت ليجد هذا الديوان الساحر كما وجدته أنا فسافر بي لردهات القمر على أشعة النشوة التي تسلقتها سعيداً وصاحياً ومذهولاً بكل لحظات الإستمتاع الجريء.
استوقفت كثيراً على عتبات مرمرية وأنا أهم بالدخول لأي بيت في قصائد هذا الديوان المتزن. وجدت الحزن ينبض بين أجنحة الفرح وبين مرارة القسوة التي يبتدرها أصحاب الهوى بلا انصاف أو هوية. هكذا فتحت روزمين الصمت باباً لرعد يصدح بالبرق ورذاذ المطر، وبرغم أن اسوأ الرجال صفضدته مواقيت الصيام لأن لدى شاعريتها أسوأ الاحتمالات لا تسعها بوابة الظن، وأسوأ الرجال لا يأتون عبر منافذ سلكها الضوء يوماً فكان هذا المقطع مدخلاً لرؤاها الصادقة:
بإمْكَانِكِ تَرْكُ النَّافذَةِ مُشْرَعَةً
فلا شَيْءَ هُنَاكَ سِوَى نَسْرٍ أعْمَى
..وَبإمْكَانِكِ تَرْكُ الْبَابِ مُوَارَبًا
فَأسْوَأُ الاِحْتِمَالاتِ لا
تَسَعُهَا بَوَّابَةُ الظَّنِّ،
وَأسْوَأُ الرِّجَالِ لا يَأتُونَ
عَبْرَ مَنَافِذَ سَلَكَهَا الضَّوْءُ يَوْمًا
لَيْسَ سيِّئًا مَنْ يُطْفِيء أعْقَابَ سَجَائرِهِ
عَلَى جَبينِكَ نَهَارًا،
وَيُقَبِّلُ ذَاتَ الْمِطْفَأةِ نِهَايَاتِ الْلَّيْلِ
وَلَيْسَ سَيِّئًا جِدًّا
مَنْ يَحْثُو كُثْبَانَ بُؤْسِهْ
عَلَى السَّريرِ
فَحينًا يَخِزُ سَاعِدَكَ
دَبُّوسُ شَعْرِ إحْدَاهُنَّ
وَتَارَةً يَلْتَفُّ بِسَاقِكَ
) سوتيان ( أُخْرَى
أسْوَأُ الرِّجَالِ مَنْ يَأتُونَ مَنَامَكَ
يَنْشُرُونَ الْقَمْلَ في وَعْدِ الْيَقينِ
فَتَصْحينَ كُلَّ يَوْمٍ
في جَوْفِ الْيَمِّ
وَعَلَى جَفْنَيْكِ كِيسا رَمْلِ.
يهرب النمل من بيوت المشركين ليلتقي على دفقات النور مسارب الفرح الوسيم. هو افتتاح المدى لقمر يجعل الليل يلبس ثوب العزوف عن صمت المراكب وهي ترحل في الصباح لشط نضير يجعلنا نتواصل ونواصل قراءة الحمد المبارك لكلمات تصلي على فاتحة الشهوة نافلة وجمعة وفجر وعشاء.
بعد محطات الإحباط التي لم تسلب الشعر عافيته جاءت روزمين بحمامة وشجرة ظليلة تتدثر بملاءة جدتها التي لم تعرف الموت القديم:
ثَمَّةَ حَمَامَةٌ حَطَّتْ عَلَى
شَيْخُوخَةِ شَجَرَةِ النِّيمِ
الْمُحَاذيَةِ للْبَابِ الزِّنْكِيِّ..
تَقَلَّصَ ظِلُّهَا تَدْريجيًّا حَتَّى
عَادَ إلَى نِصَابِهِ ..
لا شَيْءَ ..
( منيرفا ) تُعَاوِدُ مُحَاصَرَةَ
الظِّلِّ الَّذي كَانَ
بالطُّبْشُور..
الْلَّبْلابُ في الْعَريشَةِ
سَادِرٌ في الْمَكيدَةِ،
وَالشَّايُ الأحْمَرُ بالنَّعْنَاعِ
يَنْبَري للشَّائعَاتِ..
لَمْ تَمُتْ جَدَّتي
لا أدْرِي كَيْفَ أبْدَلْنَا
مُلاءَتَهَا الْمُطَرَّزَةَ بالقُطبةِ
بالسَّرَاميكِ الصِّينيِّ..
أدهشتني أحرف الموت حرفاً حرفاً وكان الألف اللام الميم الواو التاء أنشودة لحياة تطول بمقدرتها على انتزاع الجمل من معاني الكلمات أبياتاً مركبة على قارعة الإبداع نغماً ساحراً بالفعل:
وَهَجُ الشَّمْسِ يَرْسُمُ عَلَى
سَطْحِ الْمَاءِ فأسًا..
ترْيَاقًا ضِدَّ مَا يَعْتَوِرُ
الْقَوَاقِع مِنْ الْعُزْلَةِ
فَأتَهَيَّأ للتَّصَحُّرِ
وفي ختام أحرف الموت كانت شرفات الموت كنائناً لشهد معتق:
هُنَاكَ في الأعْلَى
شُرْطِيُّ النِّظَامِ الْعَامِّ
يُطَارِدُ رِفَاقَهُ
حَامِلًا كَنَائِنَ الْمَوْتِ
يَرْميهِمْ وَاحِدًا تِلْوَ الآخَرْ
ثُمَّ يَرْمي نَفْسَهُ
بِآخِرِ سَهْمٍ في جَعْبَتِهْ...
الْعَاشِقُونَ يَحْسَبُونَهُ ( كَيوبيد )
صَهْ...
إنَّهُمْ مَاضُونَ في تَقْبيلِ حَبيبَاتِهِمْ
ونحن ماضون في ارتشاف رحيقك نغني ونتجرع نخب محبتك عشقاً سلسبيلاً يجعل الصمت أمام كلماتك البهية جمال في حرم الجمال:
يَتَصَاعَدُ دُخَانُ أُغنيَةٍ سَمْرَاءَ
مِنْ حَريقِ أضْغَاثِ اللَّيْلِ،،
يَنْمُو عمْلاقًا كَتَأنيبِ الضَّميرْ
يَتَجَلَّلُ الْفَرَاغُ باحِثًا عَنْ ثُقْبِ مَا،
مَنْفَذًا في جِدَارِ الْعَدَمْ..
الثُّوَّارُ عَافَوْا احْتِسَاءَ مَاضيهِمْ..
أُمِّي تَضَعُ الْكَمَّادَاتِ
عَلَى قَتَامَةِ الأسْئلَة،
وَبُطُونٌ مَلأَى بكَثَافَةِ الْمَنْفَى ..
يَدٌ صَاخِبَةُ الْحُضُورِ
تَخْتَرِقُ وَقْرَ السَّقْفِ
تَهُشُّ الدُّخَانَ
فَطَنينُ الْبَاعُوضِ يُضْجِرُ
قَاطِنيَ الدَّوْرِ الْعُلْويّ
تَبًّا لِتِلْكَ الْملاريَا
الَّتي لا تَبْرَح جُثَّةَ جَدِّي..
ونمر على بوابات تقبع وراء جدران البحر وفي منتصف الجسر كان صوتها معلقاً بين الموج وبين النجوم المتكلسة بعيون المودعين بقطفون ثمار الشوق قصعات ملأى بالزبد والبحر حزين:
رَحَلَتْ؟؟
كَيْفَ وَمَجيئُهَا مَا زَالَ
عَالقًا في مُنتصَفِ الْجِسْرْ ؟
صِفْرٌ وَخيمٌ يَتَهَدَّلُ
عَلَى دَفَّةِ صَوْتِهَا..
مَقْطَعٌ موسيقيٌّ لَمْ يَرْعَوِ
يَثِبُ أعْلَى ظِلِّ النُّقْطَةِ
أعْلَى شَارَاتِ قائدِ الأوركسترا..
عَلَى مُفْتَرَقِ الطُّرُقِ إلَى أُذُنٍ
مَا زَالَتْ تُصْغي،
يَتَوَاءَمُ وَقَمَرٌ يَرْقُصُ ( السَّالسا )..
يَطْوي الْبَحْرَ قَرْحُ عُزْلَتِهِ،
فَتَنْدَلِقَ أسْمَاكُهُ أقْصَى
مِنْ تَوَقُّعَاتِ أقْدَامٍ عَاريَةٍ
تَهَابُ هَسيسَ الزّبدْ....
الْكَوْنُ كُلُّهُ أُذُنٌ وَاحِدَةٌ كُبْرَى
تُصْغِي لِجَميعِ الأغْنيَاتِ
وَلا تَطْرَبُ إلا لِلَحْنٍ
هَرَبَ مِنْ حَنُوطِ الْحِبْرْ...
لا يشبع الطير من رهط الندى وحبيبات البريق تتساقط رطباً في أحشاء الصباح. ما هزنا عصب الفراق ولا ارتوينا من هديل الحلم نخباً ولا انشطرنا في سماء الوهم أمزجة يطوقها الرنين. أينما أحللت يا روزمين يستبق الليل النهار ليستضيء بظل رؤياك الوريف:
مَا زِلْنَا نَتَأرْجَحُ
عَلَى حِبَالِنَا الصَّوْتيَّةِ..
نَسْبِرُ دُجَنَ الأصْوَاتِ
عَلَى دَفَّتَيِ الْقَافِلَةِ..
صِفْري عَلامَةُ الْقِسْمَةِ
الْحَادي الأخْرَسُ،
يُمْسِكُ بالرَّسَنِ وَكَأنَّهُ
فَعَلَ ثَرْثَرَتَهُ الْيتيمَةَ..
الدَّرْويشُ بِجِلْبَابِهِ
الْمُرَقَّعِ بِجُلُودِ الْمَوْتَى
مَصْلُوبٌ عَلَى جِدَارِ
الْجَامِعِ الْكَبيرْ..
مِسْبَحَةُ الأميرِ الألْفِيَّةُ
مِنْ جَمَاجِمِ الأطْفَالِ
تَتَأرْجَحُ عَلَى خَيْطِ
أمْعَائِهِمُ الدَّقيقَةِ..
تَتَصَاعَدُ الْفَرَاشَاتُ
مِنْ إثْمَدِ الرُّؤوسِ
الْمَثْقُوبَةِ ..
الْمُتَهَشِّمَةِ..
الْمَحْرُوقَةِ ..
لِتَكْحَلَ عُيُونَ الإلَهْ ..
يا الله على هذا الإحتراق الصوفي في رمال الأضرحة وزوايا الطريق. أحسست بابن عربي وهو يستبق الأزمنة واللهاة الطغاة لا يعرفون إن تكن لله قائم لم تكن بل أنت هو، جمال وإيمان لا تحده مرافيء الفضاء ولا مآقي الأغبياء. فليسامحك الله يا من لا تعرف الطريق إليه ولا تدرك ان عصب العيون لا ينقل الضوء الأسود ولا يحتمل بكاء الألوان:
يُبَاغِتُني سَيْفُ النَّصِّ
يَشْطُرُني إلَى نِصْفَيْنِ،
أنْثَى وَعَشيقِهَا..
يَتَدَحْرَجَانِ كَرَأسِ
الْقَلَمِ الْجَافِّ،
عَلَى شَرَاشِفَ بَيْضَاءْ ..
الْكَلِمَاتُ تَخْلَعُ تَاجَهَا الْمَلَكيَّ
عَلَى وِسَادَةِ شَاعِرٍ مَجْنُونٍ..
تَقْضِمُ أظَافِرَهَا،
وَيَقْضِمُ قَلَقَ شَفَتَيْهَا ..
السَّتَائرُ الْحَمْرَاءُ
تَسْتَحْلِبُ نَبيذَ الضَّوْءِ الْمُتَآمِرِ
وَتَصُبُّهُ عَلَى كَأسَاتِ الْفِكْرَةِ
وعلى مواقيت الختام نبتدر العودة ونستقيم والظل متكئُ على شمس الغروب والضحى لا ينطفئ ولا يستجير بالعصر ولا بالموت:
لا يَكْتُبُ تَأريخَ الْمَوْتِ
إلا عُرْيُ رِمَالِ الصَّحْرَاءِ..
وَلا أكْتُبُ إلا مَا يُمْليهِ عُرْيُكَ
عَلَى الْمَزَاميرِ الْخَائرَةِ..
أُفَكِّرُ فيكَ أكْثَرَ مِنِّي
تَحْتَنِكُني جَهَالةُ النَّقيضِ
أُطَأْطِيءُ خَوْفِي،
ذَاكرَتي الْمَجْنُونَة،
ألْعَقُ عَنْ ثَدْيي
وَتيرَةَ التُّرَابِ وَالدَّمْ..
أحْلَمُ أنْ أفِرَّ مِنْ مَغَبَّةِ الأسئلةِ
وَأنْ أطْمِسَ مَخَائلَ مَدينةٍ حَزينةٍ
لا تَفْتَأ تَزورني
بِثَوْبِ حِدَادِهَا الرَّمَاديِّ
أحْلَمُ أنْ انْحَازَ لِجَوْقَةِ السَّمَنْدَلِ
أوْ أنْ أمُوتَ
ميتَةً لا مِرْيَةَ فيهَا
لا أنْ أحْيَا حياةً تَتَرَاقَصُ كَبَهْلوَان
يُدْرِكُ أنَّهُ
لَنْ يُتْحَفَ بابْتِسَامَةِ طِفْلْ ..
مدخل للخروج:
أُحِبُّهُ لأنَّهُ يُدَاعِبُ أظَافِرَ الذَّاكِرَةِ كَمَا تُغَازِلُ قِطْعَةُ أثَاثٍ مَخَالِبَ قِطَّة ..أُحِبُّهُ لأنَّهُ عِنْدَمَا صَعَدْتُ بِالْحُبِّ ألْفَيْتُهُ هُنَاكَ أعْلَى الْجَبَلِ الْهَاجِعِ في تَقَصُّفِهِ، يُرَتِّقُ قَميصَ الشَّمْسِ وَيَمْحُو عَنْ وَجْهِ السَّمَاءِ بَلادَةَ الْعَدَمْ.. أُحِبُّهُ لأنَّهُ عِنْدَمَا يَسْتَخْلِصُ لُبَّ ثِمَارِ الْكيوِي مِنْ صَدْرِي لا يَتْرُكُ الْقُشُورَ عَلَى طَاولَةِ الاِحْتِمَالاتْ، وَلا وَبَرَ الْقُشُورِ عَلَى مَسَارِبِ الظَّنِّ.. أُحِبُّهُ لأنَّهُ عِنْدَمَا يُلَقِّحُ الْحِبْرَ عَلَى أوْرَاقي
يَتَصَاعَدُ عَنْهَا جيلٌ مِنْ الْفَرَاشَاتِ لا تَنْطَلي عَلَيْهِ خُدْعَةُ الضَّوْءْ.. (روزمين الصياد).
معز – البحرين
عكس الريح
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.